الوقت - عندما ظهر وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أمام عدسة كاميرا شبكة الغد المصرية يوم الأحد الماضي للرد على أسئلة مضيف الشبكة، ربما نسي أنه وزير خارجية دولة تتمتع بأعلى مستوى من العلاقات السياسية والثقافية والشراكة الاقتصادية والتحالف الاستراتيجي مع إيران في التحالف الإقليمي لمحور المقاومة، وعليه أن يعکس آراء غالبية المجتمع وائتلاف الدولة، وليس الآراء السياسية لتيارات معينة.
مواقف فؤاد حسين في هذه المقابلة، والذي تحدث عدة مرات بشکل أحادي وعام وغامض حول تورط إيران في الوضع في العراق، لم تمثل بأي حال العلاقات الوثيقة والأخوية بين الشعبين، كما أنها لم تتفق مع واقع الأداء الدبلوماسي لطهران في تعزيز علاقات الجوار مع بغداد.
تاريخ مواقف فؤاد حسين الموجهة
النقطة التي تجب ملاحظتها أن هذه ليست المرة الأولى التي يتخذ فيها فؤاد حسين مواقف معادية لإيران، ما يدل على هيمنة نهج حزبه وجماعته ورؤيتهم فيما يتعلق بالمزاعم التي تتحدث عن التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لهذا البلد.
قصة مواقف فؤاد حسين المثيرة للانقسام وغير الودية ضد العلاقات الوثيقة بين البلدين على مدى العقدين الماضيين طويلة، ولا تقتصر على تصريحاته الأخيرة.
في 21 حزيران/يونيو الماضي، وفي مقابلة مع قناة العربية، قال فؤاد حسين إن بغداد لن تقبل تدخل دول الجوار في شؤونها الداخلية، وهو ما نال إعجاب السعوديين. وأضاف: "نقول صراحةً إننا نتحدث مع دول الجوار، لكننا لا نقبل تدخلها في الشؤون الداخلية لبلدنا. علاقتنا مع إيران هي علاقة بين دولتين متجاورتين، لكن قرار العراق يجب أن يكون في بغداد وليس في عاصمة أخرى".
من جهة أخرى، خلال عمل فؤاد حسين في وزارة الخارجية العراقية، اتخذ مواقف ضد قوى جبهة المقاومة في المنطقة، خلافاً لآراء غالبية المجتمع العراقي والتيارات السياسية.
على سبيل المثال، في 17 سبتمبر 2021، أدان وزير الخارجية العراقي في اجتماع لوزراء خارجية الدول الخليجية، الإجراءات الدفاعية والعمليات الرادعة المشروعة لشعب اليمن المظلوم ضد المنشآت النفطية والقواعد العسكرية السعودية، والتي تتم لإجبار الرياض على وقف هجماتها الإجرامية على المدنيين؛ إجراءٌ احتجت عليه التيارات السياسية العراقية.
كما قال خلال الهجوم الصاروخي للحرس الثوري الإيراني على مركز استراتيجي تابع للکيان الصهيوني في أربيل: "إيران لم تقدم أي دليل واضح وملموس على الوجود الاسرائيلي في شمال العراق، ولم يصل بغداد أي ملف يدل علی وجود إسرائيلي على الأراضي العراقية قبل الضربة الصاروخية".
هذا في حين أن طهران حذرت مرارًا وتكرارًا الحكومة العراقية من التهديدات الأمنية التي تشكلها أنشطة الموساد والجماعات الانفصالية على الأراضي العراقية، ودعت إلى استجابة سريعة للتحديات الأمنية، لكن الحكومة العراقية كانت مترددةً في اتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجة مخاوف إيران.
وزير الخارجية العراقي ومعاييره المزدوجة
فؤاد حسين، السياسي الكردي من الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي بزعامة مسعود بارزاني، الذي شغل منصب وزير المالية في حكومة عادل عبد المهدي، رشحه الحزب الديمقراطي لمنصب وزير الخارجية في حكومة الكاظمي، ولأنه كان مدعوماً من مسعود بارزاني بشکل جاد، دخل مجلس الوزراء كوزير للخارجية العراقية رغم كل الخلافات مع مصطفى الكاظمي.
وهكذا، فإن أداء فؤاد حسين في منصب وزير الخارجية، بدلاً من أن يعكس وجهات نظر الحكومة الائتلافية العراقية، التي يلعب فيها الشيعة أيضًا دورًا بارزًا، کان في كثير من الأحيان معبِّراً لآراء وزير خارجية الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي ومسعود بارزاني نفسه.
في الواقع، تأتي تصريحات فؤاد حسين المعادية لإيران والمتضاربة مع مصالح وتعاون البلدين في وضع لم تصل فيه أي حكومة إلى السلطة في العراق على مدى العقدين الماضيين، تنكر أو لا تعترف بخدمات الحكومة الإيرانية للاستقرار وسلامة أراضي العراق وحل مشاكله.
لقد أکد القادة العراقيون مرارًا وتكرارًا على حقيقة أن إيران كانت أول دولة تسارع لمساعدة بغداد لمحاربة داعش دون قيد أو شرط، بينما الدول الأخرى التي يتغاضى فؤاد حسين الآن عن تدخلاته في العراق، كانت تشاهد العراق فقط وهو يغرق في مستنقع الإرهاب.
هذا في حين أن إيران أرسلت بشكل غير متوقع أعظم شخصية عسكرية وبطلها القومي إلى قلب الأزمة، لإنهاء مؤامرة داعش الكبيرة إلى جانب الشعب العراقي.
من جهة أخرى، في ذروة العقوبات الظالمة والإرهاب الاقتصادي الأمريكي ضد مواطنيها، ورغم الحاجة الماسة لتلقي الأموال لبيع الكهرباء والغاز للعراق، عندما تحدثت حكومة بغداد عن صعوبة سداد ديونها بسبب العقوبات، رفضت إيران قطع الكهرباء عن هذا البلد، للحيلولة دون معاناة المواطنين العراقيين في الصيف.
وفي هذه الظروف، يجب أن يُسأل وزير الخارجية العراقي عن الخطوات التي اتخذتها الحكومات الأجنبية التي يدعمها لحل الأزمة العراقية، سوی نهب نفط وغاز هذا البلد وإرسال إرهابيين دوليين إلى العراق لسفك دماء المواطنين العراقيين.
بالتأكيد، إذا كان فؤاد حسين يريد رؤيةً متوازنةً لعلاقات العراق الخارجية مع الدول الأخرى، كان يجب أن يتحدث أيضًا عن استمرار الاحتلال الأمريكي، والتحركات التدخلية للسفير البريطاني في العراق، والعلاقات السرية لحزبه مع المجرمين الصهاينة، وتدخل الإمارات والسعودية في الانتخابات الأخيرة واحتجاجات السنوات الماضية.
من المؤکد أن إيران تفصل كلام فؤاد حسين عن الشعب العراقي، وتواصل اتخاذ الخطوات لتطوير العلاقات وتعزيز التعاون الأخوي بين البلدين.