الوقت- شهدت المناطق المحتلة في شمال سوريا تحركات عسكرية تركية كبيرة، وتشير التقارير إلى أن أنقرة تحاول احتلال أجزاء أخرى من هذا المحور من خلال شن جولة جديدة من الهجمات.
وكما ورد في بعض التقارير، تعتزم الحكومة التركية تحرير شمال شرق وشمال محافظة الحسكة (القامشلي) ومحافظة حلب الشمالية الشرقية (جرابلس) من سيطرة المليشيات الكردية (ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية) الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، بحجة تأمين المناطق الحدودية. وحسب بعض المعلومات الواردة، فإن هجمات أنقرة في شمال سوريا لا تشمل فقط المناطق التي تحتلها الميليشيات الكردية، وحسب مصادر ميدانية مطلعة، تخطط تركيا لاحتلال أجزاء من محافظة إدلب. وتظهر مراجعة للأنباء التي تم الحصول عليها أن الحكومة التركية والجماعات الإرهابية بدعم من الدول الغربية تتابع احتلال أجزاء أكثر من المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوري ومقاتلي جبهة المقاومة في محافظة إدلب.
وتماشيا مع هذا السيناريو، نقل الجيش التركي رتلًا قوامه نحو 30 آلية تحمل عتادًا عسكريًا من معبر كفرلوسين الحدودي إلى المناطق التي تحتلها الجماعات الإرهابية في محافظة إدلب. باختصار، تفكر الحكومة التركية وتخطط في هذا المنعطف الحرج لكسب المزيد من النفوذ في محافظة إدلب وزيادة حجم الأراضي المحتلة في شمال وشمال غرب سوريا في نهاية المطاف، لكن الحقائق الميدانية تشير إلى أن حسابات أنقرة خاطئة. وبصورة أدق، إذا كانت أنقرة تبحث عن مغامرة في محافظة إدلب، فإنها ستواجه تحديًا كبيرًا، لأن الرد على الهجوم على مواقع الجيش السوري والمقاومة سيكون ساحقًا وصعبًا، ولن يكون أردوغان قادراَ على المناورة.
وتجدر الإشارة إلى أن ما يميز هذا المحور (محافظة إدلب) عن الأجزاء الأخرى (المناطق التي تحتلها المليشيات الكردية) هو الوجود القوي لقوات المقاومة والجيش السوري، وإذا اتخذت أنقرة خطوتها وشنت هجوماً في المرحلة الأولى فسوف تواجه دفاع قوي. لا شك في أن المقاتلين بعد صد الهجمات ينظمون عمليات لاستعادة وتحرير المناطق التي احتلت في السنوات الأخيرة، وطرد القوات التركية المحتلة وعناصر الجماعات الإرهابية بشكل نهائي من أراضي إدلب. وتعتقد تركيا أن بإمكانها تغيير ميزان القوى في شمال غرب سوريا (إدلب)، لكنها لن تنجح في هذا المحور فحسب، بل ستواجه أيضًا مشاكل في احتلال المناطق الشمالية، لأن الوضع الميداني في هذا الجزء ليس هو نفسه كما كان في الماضي.
وتشير الأنباء إلى أن قادة المليشيات الكردية تعلموا من التجربة المريرة لاحتلال عفرين (خيانة الولايات المتحدة لهم) ويعتزمون التواصل مع دمشق لأخذ المساعدة من قوات الجيش السوري لإفشال العمليات العسكرية التركية. وحسب بعض المصادر الاخبارية، يحتل الجيش التركي والجماعات الإرهابية حاليًا نحو 45٪ من مساحة محافظة إدلب، و 3٪ من مساحة محافظة اللاذقية، و 3٪ من مساحة محافظة حماة، ونحو 25٪ من محافظة حلب.
ويرى مراقبون، أن تركيا لا تهتم كثيراً بالموقف الأميركي من عمليتها المحتملة لأن الصدام بينهما غير وارد لعدم وجود قوات أميركية في منبج وتل رفعت، إلا أن المعضلة الحقيقية مع روسيا، التي تنشر قواتها هناك. ومن ثم، تسعى تركيا إلى استغلال الانشغال الروسي بالحرب في أوكرانيا للتوغل في الأراضي السورية، وتأمل في الوقت ذاته أن تحظى بتأييد روسي مقابل مواقفها في الحرب الأوكرانية، وبالذات تأييد العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا. ويشير هؤلاء إلى هدف آخر، هو سعي إردوغان لاستعادة قاعدة ناخبيه من القوميين التي تكشف استطلاعات الرأي تحولها عنه قبل سنة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في يونيو 2023.
وقبل أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أنقرة، الأربعاء الماضي، صعّدت تركيا وفصائل الجيش الوطني السوري، الموالي لها، قصف مواقع "قسد" في منبج بشكل مكثف. وامتد القصف إلى تل رفعت، وأيضاً بعض المواقع في الحسكة شرقي الفرات. وأفادت مصادر عسكرية تركية، بأن الجيش الوطني السوري أكمل تحضيراته وتدريباته التي نفذت بالذخيرة الحية، تأهبا للعملية العسكرية المحتملة. كذلك تحدثت مصادر عسكرية تركية، قبل يومين من زيارة لافروف عن اجتماع لقادة من الجيش التركي والاستخبارات، مع قادة فصائل الجيش الوطني السوري في غرفة عمليات كيليس بريف حلب، لإطلاعهم على التفاصيل النهائية للعمليات العسكرية المحتملة.
وفي المقابل، أخلى قادة في صفوف "قسد" وعائلاتهم منازلهم في تل رفعت ومنبج، بموجب اتفاق مع قوات النظام السوري لتسليمها المواقع القريبة من خطوط التماس مع فصائل المعارضة السورية. وأعلنت "قسد" بدورها رفع جاهزيتها العسكرية للدرجة القصوى، مشيرة إلى أنها أكملت الاستعدادات لمواجهة الهجوم التركي المرتقب. وحذّرت من الدخول في حرب طويلة الأمد، وأبدت أيضاً استعدادها للتنسيق مع قوات النظام السوري لصد العملية التركية وحماية الأراضي السورية، وسط تأكيدات من تركيا أن عمليتها ستكون في إطار القانون الدولي، كالمعتاد، وأن ما يهمها هو حماية وحدة سوريا وأمن الحدود التركية.
ويصرّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إنجاز شريطه الأمني في شمال سوريا، على طول الحدود وبعمق 30 كيلومتراً. هو الآن يستعد لما يشبه الخطوة الأخيرة في مشروعه هذا تتويجاً لسلسلة عمليات ذات أسماء موحية، "درع الفرات" و"غصن الزيتون" و"نبع السلام" و"درع الربيع". جميع هذه الأسماء "اللطيفة" خُصّصت للهجمات داخل سوريا، في مطاردات لا تنتهي لحزب العمال الكردستاني، وكان "المخلب" ذلك الاسم.
ويقول أردوغان "لا نريد أن يزعجنا أحد" في منطقتنا الأمنية السورية. وهذا لن يتم إلا بعد القضاء على الإرهابيين. والإرهابيون في التعريف التركي هم الاكراد الذين يقاتلون تحت راية "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ويقيمون علاقات متينة مع القوات الأميركية شرق سوريا وتعاوناً لم ينقطع مع القوات الروسية، وهذا ما جعل الروس والأميركيين المشتبكين في صراع دولي حول أوكرانيا "يتفقان" على مطالبة الأتراك بإعادة النظر في نواياهم العسكرية بشأن هجوم جديد.
لكن أردوغان الذي يستعد لانتخابات رئاسية العام المقبل لا يبدو مهيئاً للتراجع عن خططه. فعملية من هذا النوع ستحسّن موقعه في تلك الانتخابات في ظروف صعوبات تركيا الداخلية الاقتصادية والمالية، وتعقيدات المناخ الدولي حول أوكرانيا، التي تزيد حاجة الأميركيين والروس معاً إلى تركيا، واضطرار روسيا إلى سحب بعض قواتها من سوريا إلى ساحة المعارك الجديدة في أوكرانيا، عوامل تدفع تركيا إلى اعتبار الفرصة سانحة للتوسع في سوريا، التي تحولت بعد عقد من الاقتتال والتدخلات الخارجية إلى ساحة تجارب واقتسام.