الوقت - تركيا، التي ناورت مرارًا وتكرارًا بورقة اللاجئين السوريين في السنوات الـ 11 الماضية لكسب فوائد سياسية واقتصادية من الغرب وسوريا، أعدَّت مرةً أخرى خطةً جديدةً لسوريا.
وفي هذا السياق، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحاته الأخيرة، في إشارة إلى وجود اللاجئين السوريين على الأراضي التركية: "أبوابنا مفتوحة أمامهم وسنواصل استضافتهم، ويمكنهم العودة إلى وطنهم متى شاؤوا".
وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي قال فيه أردوغان في وقت سابق، إن أنقرة لديها خطة لإعادة مليون لاجئ سوري طواعيةً، ويتم تنفيذ هذا المشروع بالتعاون مع المجالس المحلية في 13 منطقة، بما في ذلك اعزاز وجرابلس وتل أبيض في سوريا.
تظهر مثل هذه التصريحات أن تركيا لم تغير بعد سياستها تجاه سوريا، وتواصل اتباع سياساتها الطموحة في سوريا. وعلى الرغم من ادعاءات السلطات التركية، فإن الخطة الجديدة لن تتم بسهولة ولا يمكن تنفيذها في الوضع الحالي.
ذلك أن المجالس المحلية في شمال سوريا وسلطات جنوب تركيا لم تصدر حتى الآن مثل هذا التصريح، وهم قلقون من أي أزمات قد تحدث أثناء تنفيذ هذه الخطة. لأن البنية التحتية لهذا البرنامج لم تكتمل بعد، ونقل مئات الآلاف من اللاجئين إلى شمال سوريا سيزيد من انعدام الأمن أكثر، بدلاً من المساعدة في تخفيف الأزمة.
تحديات ترحيل اللاجئين
بما أن ترحيل اللاجئين يتم دون التنسيق مع الحكومة السورية الشرعية، فإن تنفيذه لن يخلو من تحديات.
إن استمرار إصرار المسؤولين في أنقرة على سياساتهم السابقة تجاه دمشق بعد 11 عامًا، لن يغير شيئًا، ولهذا السبب ما دامت سلطات أنقرة تتخذ أي إجراء في سوريا دون موافقة دمشق، فلن يعالج ذلك آلام الشعب السوري.
وبالنظر إلى أن المسؤولين الأتراك أوضحوا مؤخرًا أن موقفهم تجاه الحكومة السورية هو نفسه كما كان من قبل، فلا يمكن توقع انفتاح في العلاقات بين البلدين في المستقبل القريب.
وعلى الرغم من أن صعود المعارضة الداخلية لسياسات أردوغان في سوريا في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام المقبل، من المرجح أن يدفع أردوغان لتغيير سياساته في سوريا، كما فعل مع السعودية والإمارات، لكن في الوقت الحاضر لا أمل في تطبيع العلاقات بين الجانبين.
من ناحية أخرى، هناك العديد من التحديات في نقل اللاجئين. فمع عودة اللاجئين السوريين، سيتم تشجيع الدول الأوروبية التي كانت تفكر في إعادة اللاجئين إلى سوريا منذ سنوات، على الاستمرار على المسار التركي، والعودة المفاجئة لملايين السوريين في وقت لا تزال فيه البلاد تعاني من أزمة اجتماعية ستخلق ظروفًا صعبةً لسوريا.
کذلك، نظرًا لأن اللاجئين السوريين غادروا بلادهم منذ سنوات عديدة، فلن يكون من السهل امتلاك الأرض وبناء المباني التي سيعيشون فيها، ويمكن أن يغير ذلك التركيبة السكانية لشمال سوريا.
لأن اللاجئين في تركيا هم من مناطق مختلفة من سوريا، ولن تمنح المجالس المحلية في شمال سوريا تصاريح بناء لهؤلاء اللاجئين غير الأصليين، وهو ما يمكن أن يخلق أزمات جديدة في هذه المنطقة.
ونظرًا لأن تركيا تعتزم إرسال اللاجئين إلى المناطق التي توجد بها جماعات إرهابية تحت سيطرة أنقرة، فمن غير الواضح ما إذا كان هؤلاء اللاجئون سيكونون على استعداد للعيش في مناطق يسيطر عليها إرهابيون.
إن عودة اللاجئين السوريين في ظل الوضع الراهن حيث تواجه الحكومة السورية أزمةً ماليةً، تتطلب مساعدةً عالميةً، وفي هذا الصدد يجب على الأمم المتحدة والغرب رفع العقوبات المفروضة على دمشق، حتى تتمتع سوريا باستقبال ملايين النازحين السوريين. لأنه من دون التمويل، سيؤدي وجود لاجئين جدد في سوريا إلى مزيد من عدم الاستقرار وانعدام الأمن، أكثر من علاج الآلام والمعاناة.
كما أشار بشار الأسد، في لقاء عقده مؤخرًا مع رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى مشاكل عودة اللاجئين دون تنسيق مع دمشق، وقال إن المساعدات الإنسانية يجب أن تركز على تحسين حياة المواطنين السوريين.
وشدد الرئيس السوري على أن المساعدات الإنسانية يجب أن تسهم في تهيئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين إلى مناطقهم، مثل إعادة بناء البنية التحتية لشبكة الكهرباء والمياه.
خفض تكاليف الغذاء
يحاول أردوغان التخلص من أزمة اللاجئين السوريين، من خلال الاستفادة من الصراع بين الغرب وروسيا في أوكرانيا.
لأنه مع أزمة الغذاء في العالم التي نشأت مع بداية الحرب في أوكرانيا، وعدم وجود أفق واضح لإنهائها، يحاول مسؤولو أنقرة تقليل جزء من تكاليف الغذاء عن طريق نقل اللاجئين إلى سوريا.
وبسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأيام الأخيرة، فرضت تركيا قيودًا على تصدير السلع وتعتزم الحد من تأثير هذه الأزمة إلى حد ما، ويمكن أن يكون نقل اللاجئين السوريين فعالاً في هذا الصدد. ذلك أن وجود ملايين اللاجئين السوريين في تركيا قد يؤدي إلى تفاقم نقص الغذاء في البلاد، ونشوء أزمة اجتماعية واضطراب في المستقبل.
النوايا السياسية
أردوغان، الذي يرى رئاسته في خطر بسبب الوضع الاقتصادي في تركيا، والذي أثار موجةً من الاحتجاجات، يحاول حل أزمة اللاجئين.
وفي الأشهر الأخيرة، ومن أجل البقاء في السلطة لبضعة أيام أخرى، قام أردوغان بحل الخلافات مع السعودية والإمارات، وحتى الکيان الصهيوني، من أجل زيادة مؤيديه في المنطقة.
ولذلك، يحاول حزب العدالة والتنمية، بصفته الحزب الحاكم في تركيا، إخراج قضية اللاجئين السوريين من أيدي المعارضة السورية التي زادت تصريحاتها الاستفزازية ضد اللاجئين.
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا العام المقبل، تحولت قضية ترحيل اللاجئين السوريين الآن من قضية إنسانية إلى قضية سياسية، ويحاول كل من أردوغان وخصومه استغلال هذه القضية بشكل مختلف، كما أنه مع نهاية الانتخابات وانتصار أردوغان وحزبه فيها، قد تُنسی قضية ترحيل اللاجئين.