الوقت_ لأول مرة منذ سنين، نظمت الطائفة اليهودية بالمغرب، احتفالا علنيا بإنشاء دولة لليهود على الأراضي الملسوبة في فلسطين أو مايعرف إسرائيليا بـ “عيد استقلال إسرائيل”، في مدينة مراكش، كنتيجة لتسلسل للأحداث منذ إعلان الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب عن التوصل إلى ما أسماه "اتفاقا تاريخيّا" لاستئناف العلاقات بين العدو الصهيونيّ والرباط في 10 ديسمبر/ كانون الأول عام 2020، مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الصحراء الغربيّة، وذلك بالتعاون مع المنظمة الصهيونية العالمية التي تأسست أواخر القرن التاسع عشر وسط تزايد العداء للسامية في أوروبا، ولاقت دعماً كبيراً من قبل الحكومات الأوروبيّة الغربيّة، وخاصة بعد أن وافق الصهاينة على إنشاء وطنهم اليهودي على أرض فلسطين العربيّة تاريخيّاً.
ذكرى استعمار
عقب الخيانة المغربية لفلسطين ولأهم قضيّة عربيّة وإسلاميّة وتحرريّة، أشارت الطائفة اليهودية الصغيرة في مدينة مراكش حسب الإعلام العبريّ إلى أن الوقت قد حان للتوقف عن إخفاء احتفالاتها بهذا اليوم في كل عام والاستفادة من ثمار اتفاقيات التطبيع التي أدخلت دول عربيّة عدة إلى حظيرتها منذ ما يزيد على عام، حيث إنّ اليهود موهومون باعتراف مفكريهم بأنّ فلسطين هي “أرض الميعاد” وأنّ اليهود هم “شعب الله المختار”، وأنّ القدس هي “مركز تلك الأرض”، وأنّها “مدينة وعاصمة الآباء والأجداد”، و”مدينة يهوديّة بالكامل”، بهدف الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أراضي الفلسطينيين بأقل عدد ممكن منهم، وقد شجعت الحركة الصهيونيّة التي دعمت حدوث تلك المناسبة، هجرة يهود أوروبا الجماعيّة إلى أرض فلسطين بشكل كبير جداً خلال النصف الأول من القرن العشرين.
وبالاستناد إلى أنّ القادة الصهاينة في القرن العشرين كانوا على دراية كاملة بأنّ تطبيق المشروع الصهيونيّ سيؤدي حتماً إلى عملية تطهير عرقيّ وتهجير قسريّ للسكان الأصليين أي الفلسطينيين، أثار الاحتفال غضب مناهضي التطبيع مع عدو العرب والمسلمين الأول، حيث حذرت هيئات حقوقية مغربية من التغول الصهيوني وصهينة ما تبقى من المكون اليهودي في المغرب بالتعاون مع المنظمة الصهيونية العالمية.
وعلى الرغم من قدم الوجود اليهوديّ في المغرب، إلا أنّ الإعلام العبريّ أصر على وصف طائفة اليهود المغاربة بـ”الجالية"، في الوقت الذي لا يكف فيه الاحتلال المجرم عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، في مساع حثيثة من قبل قوات العدو في فلسطين للهيمنة على مقدرات البلاد بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لمصلحة الإسرائيليين اليهود، لخدمة الرواية الصهيونيّة المخادعة حول احتلال فلسطين، وبالتالي تحقيق المشروع الصهيونيّ في إنشاء الدولة العبريّة المزعومة على تراب فلسطين عبر عمليات تطهير عرقيّ كاملة وتهجير قسريّ جماعيّ للسكان الأصليين، مثل تلك التي رافقت إنشاء وطنهم اليهوديّ على أرض فلسطين.
ومن الجدير بالذكر، أنّ الحركة الصهيونيّة دأبت على مزاعمها فانطلت بدعة القدس على العالم الغربيّ، الأمر الذي قاد في نهاية المطاف الرئيس الأمريكيّ السابِق، دونالد ترامب إلى الادعاء بأنّ القدس هي عاصمةٍ أبديّة للشعب اليهوديّ، وأمر بنقل سفارة واشنطن في الكيان إلى القدس المُحتلّة، دعماً للمنهج الإسرائيليّ المتطاول على حقوق الشعب الفلسطينيّ ومقدساته وثرواته، ناهيك عن سرقة وتخريب الآثار الفلسطينيّة، باعتبارها تشكل جزءاً من الهوية الثقافيّة والحضاريّة لفلسطين، كما أن الحكومات الصهيونيّة المتعاقبة منذ يوم 14 مايو/ أيار عام 1948، عندما صُنع هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادتها قيد أُنملة، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب على كل المستويات، بعد أن فرض المستعمرون هذا الكيان على العالم وعلى المنطقة.
وفي هذا الصدد، إنّ احتفال المشاركين بإقامة العلاقات بين "إسرائيل" والمغرب التي أتاحتها اتفاقيات الخيانة، وتأدية الأغاني العبرية والنفخ في البوق والرقص إضافة إلى إقامة الصلاة في الكنيس ورفعت أعلام المحتل الصهيوني، لا يعدو عن كونه دعما حكوميا مطلقا من المغرب لكيان الاحتلال اللقيط الذي بني منذ ولادته على مبدأ التطهير العرقيّ والتاريخيّ من خلال المجازر التي ارتكبتها عصابات الصهاينة ضد أصحاب الأرض ومقدساتهم إضافة إلى عمليات بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة كأدلة ثابتة وواضحة على ممارسات الصهيونيّة الاستعماريّة.
إهانة المغاربة
يعلم الجميع أنّ الشارع المغربيّ عبر بكل قوة عن رفضه العارم لإقامة علاقات مع الكيان الصهيونيّ المجرم، منذ أن أعلنت تل أبيب والرباط استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد توقفها عام 2000، فيما أعربت عشرات الأحزاب والجمعيات من تيارات مختلفة عن رفضها لزيارة وفود العدو إلى بلادهم، وأكّدت جمعية مناهضة التطبيع مع العدو مراراً، أن أيّ تطبيع مع الكيان الصهيونيّ هو اعتداء على مشاعر الشعب المغربيّ، وإهانة لا يمكن تغطيتها بأيّ حديث عن المصلحة الوطنيّة.
ويأتي هذا الاحتفال في ظل تحذيرات من العديد من الهيئات السياسية والنقابية في المغرب من التطبيع المتزايد بين المغرب و"إسرائيل"، والتي حذرت من وجود أجندة صهيونية عالمية في المغرب تستهدف الدولة والمؤسسات والمجتمع، حيث إن التغول الصهيوني في المغرب في إطار أجندة صهينة ما تبقى من المكون اليهودي في المغرب، والدليل وجود محاولات سابقة للموساد من أجل صهينة اليهود المغاربة.
وإنّ ما يجري في مدينة مراكش المغربية التي باتت أشبه بـ“قاعة حفلات” لاحتفال الكيان الصهيوني في ذكرى قيامه، كأنّها إهانة واضحة وصريحة للشعب المغربيّ الرافض للصهاينة وعدوانهم، بعد أن أصبح المغرب رابع دولة تدخل حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع الصهاينة، بعد الإمارات و البحرين والسودان، في فترة تسارعت فيها وتيرة التطبيع من بعض الدول والأنظمة تنفيذاً للإملاءات الامريكية، رغم أنّ المغاربة يرفضون بشكل مطلق خيانة فلسطين والقدس ولا تغريهم أراضي الغير ولا الاعترافات غير الشرعيّة بسيادة المغرب على الصحراء الغربيّة التي تحتل الرباط جزءاً كبيراً منها.
وإنّ المؤسسات الحكوميّة في المغرب باتت تعتبر الكيان دولة شقيقة في مراسلاتها الادارية، وضيف شرف في المغرب، لكنها لن تنجح في جعل الأكاذيب الأمريكيّة والصهيونيّة تنطلي على الشعوب في البلدان التي طبعت أنظمتها العميلة، بل ستكون المسمار الأخير في نعشها بسبب اتساع الفجوة بين الحكومات العميلة وشعوبها المقاومة، لأنّ الوقوف مع فلسطين ضد الاحتلال الصهيونيّ ليس من أجل الدفاع عن فلسطين فقط، بل من أجل الدفاع عن أنفسنا من الاختراق التطبيعيّ، الذي يسعى العدو من خلاله إلى التسلل للمنظومة الإعلاميّة والتعليميّة في بعض الدول العربيّة لتزييف الوعيّ وجعل الرواية الصهيونيّة المخادعة هي السائدة، ومحاولة دفن القضية الفلسطينية وإرغام الشعوب والأجيال على القبول بهذا الظلم التاريخيّ غير المسبوق.
“لا نكبة مع المقاومة، لأن المعركة على أرض فلسطين، ولا تطبيع مع الصهاينة في المغرب”، هذا ما قاله حقوقيون ومنظمات معادية للكيان تعتزم تنظيم وقفة شعبية يوم الأحد 15 أيار/ مايو 2022 أمام مبنى البرلمان المغربيّ، حيث يدرك الشعب المغربيّ جيداً حجم التكالب على فلسطين وداعميها من خلال الانجرار نحو اتفاقات العار لتمرير "صفعة القرن" التي تهدف إلى تصفيّة قضيّة الشعب الفلسطينيّ والعربيّ، والغوص في مشاريع التفتيت والتقسيم في المنطقة، وإنّ الموقف الشعبيّ المغربيّ مناصر بشدة للقضية الفلسطينية كما الفلسطينيين أنفسهم، وجميعهم يكررون جملة واحدة “الاحتلال الإسرائيليّ سيبقى عدواً مهما تلبس بلبوس السلام".
ويحذر آخرون من خلفيات ربط المكون اليهودي المغربي في الدستور الإسرائيليّ، وجعله “جالية إسرائيلية في المغرب"، في الوقت الذي يؤكّد فيه مناهضو التطبيع أنّ تلك الخيانة تتناقض مع النزاع الحقوقيّ والديني والروحيّ والأخلاقيّ، كما أنها تتم مع عدو يدنس مقدسات المغاربة ويحتل أولى قبلتهم ومسرى رسولهم يوميّاً، مؤكّدين على أنّه "لا يزال على أمتنا وبالأخص في المغرب إضافة إلى مناهضة التطبيع أن نسعى لتقديم الدعم اللازم للقضية الفلسطينية، وأن نكون سنداً للمقاومة في فلسطين متى قررت مواجهة العدو الصهيونيّ"، في ظل المساعي الصهيونيّة لإقامة الهيكل المزعوم، ومصادرة ممتلكات وأوقاف الفلسطينيين وهدم حارة المغاربة في القدس.
ويتساءل المغاربة عن السر وراء رفع علم الكيان الغاصب في المعابد اليهودية بالمغرب، وتبني الطائفة اليهودية لاحتفالات اسرائيلية خاصة، وتصرف رئيس مكتب الاتصال الاسرائيليّ في المغرب مع الطائفة اليهودية “كأنها طائفته بالمغرب”، رغم أنّ الحل الوحيد للقضية الفلسطينيّة هو إنهاء الاحتلال وزواله، وعودة اليهود إلى البلدان التي جاؤوا منها لاحتلال ديار غيرهم.
يُذكر أنّ حكومة المغرب طبعت بشكل غير رسميّ منذ العام 1986، عندما زار رئيس وزراء العدو حينها، المجرم شمعون بيريز، المغرب والتقى بالملك الحسن الثانيّ، لتعلن الرباط قبل عام وبكل وقاحة اعترافها الرسميّ بكيان الاحتلال الغاصب للأراضي العربيّة، مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الصحراء الغربيّة، في ظل رفض شعبيّ ودينيّ وحزبيّ عارم، فيما يؤكّد المغاربة وبالأخص النخبة المثقفة على وجوب أن تتفادى بلادهم لغم التطبيع الذي ألقت به الولايات المتحدة بمعية الكيان الصهيونيّ في المغرب، أولاً لخلق الشرعيّة لهذا الكيان اللقيط، ثانياً للتوسع في معركة التقسيم والتفتيت والنفوذ ونهب الثروات، ثالثاً لضرب الوحدة الداخليّة أكثر بين بعض الحكومات والشعوب العربيّة، وغيرها الكثير من المصالح التي سيكون المطبعون آخر المستفيدين منها وأول الخاسرين فيها.