الوقت - بعد توقف دام سنتين بسبب ظروف جائحة فيروس كورونا والأزمة الدبلوماسية التي شهدتها العلاقات المغربية الاسبانية، أعلن الخميس الماضي أنه سيتم الاستئناف الكامل للحركة العادية للأفراد والبضائع بشكل منظم بين موانئ المغرب واسبانيا، بما فيها الترتيبات المناسبة للمراقبة الجمركية وللأشخاص على المستوى البري والبحري.
وأكد المغرب وإسبانيا فتح مرحلة جديدة من الشراكة بينهما على "أسس أكثر صلابة" واستئناف التعاون في مجالات عدة بعد أزمة دبلوماسية طويلة، وفق بيان مشترك أعقب محادثات بين الملك محمد السادس ورئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز.
وتباحث رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في الرباط الخميس (الثامن من نيسان 2022) مع الملك محمد السادس لتأكيد المصالحة بين البلدين، في خطوة أتاحها تغيير مدريد موقفها إزاء نزاع الصحراء الغربية لصالح الرباط.
وقال بيان مشترك أعقب هذه المباحثات إن البلدين "يدشنان اليوم مرحلة جديدة (...)على مبادئ الشفافية والحوار الدائم والاحترام المتبادل".
ووصف رئيس الوزراء الإسباني اللحظة بأنها "تاريخية". وجاءت تلبية لدعوة من الملك محمد السادس الذي استضافها حول مائدة إفطار أقيمت "على شرف ضيف جلالته الكريم"، في مؤشر إلى أهمية الزيارة بالنسبة للمغرب.
وجدد البيان أيضا التأكيد على أن إسبانيا تعتبر "المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل النزاع" حول الصحراء الغربية. وكان تبني مدريد هذا الموقف الجديد منتصف آذار، متخلية بذلك عن حيادها التقليدي، قد فتح الباب أمام تطبيع علاقاتها مع المغرب. وذلك بعد أزمة دبلوماسية حادة استمرت زهاء عام.
وأكد الطرفان التزامهما معالجة المواضيع ذات الاهتمام المشترك "بروح من الثقة والتشاور، بعيدا عن الأعمال الأحادية أو الأمر الواقع". وأعلن البيان المشترك عن خارطة طريق "دائمة وطموحة" لتجسيد المرحلة الجديدة في علاقات البلدين.
ومن أول "أهدافها استئناف حركة نقل البضائع بشكل طبيعي في المعابر الحدودية لسبتة ومليلية"، وفق ما أوضح سانشيز في مؤتمر صحافي ليل الخميس. وكان المغرب أوقف منذ العام 2019 تدفق البضائع من هذين الجيبين الإسبانيين، الواقعين على ساحله الشمالي، حيث تعتبر هذه التجارة تهريبا. واستمر الإغلاق مع جائحة كوفيد ليشمل أيضا تنقل الأشخاص.
وتضمنت خارطة الطريق أيضا "إعادة الربط البحري للمسافرين بين البلدين". ويشهد هذا الربط وتيرة مكثفة خلال عملية المهاجرين المغاربة المقيمين بأوروبا، والتي استثنى منها المغرب الموانئ الإسبانية الصيف الماضي، في عز الأزمة بينهما.
كما أعلن الطرفان "إطلاق وتعزيز التعاون في مجال الهجرة" التي تعد ملفا رئيسيا في علاقات البلدين. فالمغرب منطلق لمعظم المهاجرين غير النظاميين الذين يصلون إسبانيا من منافذ متعددة، ويٌتهم من عدة مراقبين باستعمال هذا الملف كورقة ضغط.
إضافة إلى تفعيل مجموعة مشتركة تعنى بموضوع تحديد المياه الإقليمية على الواجهة الأطلسية، التي يتجاور فيها المغرب وجزر الكناري الإسبانية. وعموماً، ستتم "إعادة تفعيل التعاون القطاعي في جميع المجالات"، بما فيها الاقتصاد والتجارة والطاقة. ويرتبط الجاران بعلاقات تجارية قوية، فهي الشريك التجاري الأول للمملكة.
وباتت هذه المصالحة ممكنة بعدما أعلنت مدريد تأييد خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لحل النزاع حول الصحراء الغربية. ويقترح المغرب منح المنطقة الصحراوية الشاسعة التي يسيطر على نحو 80 بالمئة من مساحتها، حكما ذاتيا تحت سيادته كحل وحيد للنزاع. بينما تطالب جبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر المجاورة بإجراء استفتاء لتقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة.
وأعلن البلدان، عقب اجتماع الخميس، في بيان مشترك أن “الرحلات البحرية بين البلدين ستعود على الفور وبشكل تدريجي حتى فتح جميع الخطوط”.
يذكر أنه أغلق المغرب حدوده الجوية والبرية والبحرية في 13 آذار 2020 بسبب أزمة فيروس كورونا، وفي حزيران 2021 أعاد فتح اتصالاته البحرية مع مينائي سيت (فرنسا) وجنوة (إيطاليا)، مستثنيًا موانئ إسبانيا في وسط أزمة دبلوماسية بين الرباط ومدريد.
واندلع الخلاف بين البلدين في نيسان 2021 بسبب دخول زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي للاستشفاء في إسبانيا، وما تلاه من تدفق نحو 10 آلاف مهاجر غير نظامي إلى مدينة سبتة، في ردة فعل مغربية على ذلك.
من خلال ما سبق نجد أنه من الناحية السياسية، يُعَدّ التحول الذي طرأ في موقف إسبانيا من قضية الصحراء المكسب الأبرز للمغرب في سبيل حل النزاع الدائر منذ 46 سنة، إذ حاز على تأييد لطرحه من بلد مؤثر داخل الاتحاد الأوروبي، يضاف إلى الدعم الذي عبرت عنه ألمانيا لذات الطرح في كانون الأول الماضي، والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء أواخر 2020.
من جهة أخرى، للعلاقات مع الرباط أهمية استراتيجية لمدريد، إذ يمثّل المغرب بوابة اقتصادية لأوروبا نحو العمق الإفريقي.
واقتصادياً، يأتي قرار فتح المعابر البرية على مستوى ثغرَي سبتة ومليلية المحتلين كقُبلة حياة للساكنة المغربية المتاخمة لهما، التي تعرف احتقاناً كبيراً منذ إغلاق تلك الحدود بسبب الأزمة الدبلوماسية والجائحة الصحية قبلها، ما انفجر بسببه احتجاجات شهدتها مدينة الفنيدق (شمالي البلاد) السنة الماضية.
وحسب الإحصائيات، يعيش نحو مليون مغربي من هذا النشاط التجاري غير المشروع، بينهم 300 ألف امرأة حسب مصادر غير رسمية، وحسب المصادر الرسمية المغربية 3500، يشتغلن "نساء بغلات" (حسب الاصطلاح الإعلامي)، يحملن ويهرّبن السلع من المدينتين المعفاتين من الضرائب لبيعها لمتاجر المغاربة. ويسجل هذا النشاط رقم معاملات يتعدى 2.7 مليار دولار سنوياً.
والمكسب في هذا النطاق كذلك لتجار الثغرين المحتلين، الذين سيجدون منفذاً من هذا الخناق الاقتصادي المشدَّد. لكن الربح الاقتصادي الأكبر لإسبانيا يكمن في حركة العبور الموسمية للجالية المغربية بأوروبا لقضاء الصيف في بلادهم، التي تُعَدّ موانيها الأكثر جذباً لهذه الحركة، لقربها الجغرافي وبالتالي انخفاض أسعار النقل البحري.
وفي سنة 2019 زار المغرب نحو 3 ملايين مغربي مغترب ونحو 800 ألف مركبة عبرت من المواني الإسبانية. وحسب الأرقام الإسبانية، تُدِرّ تلك العملية الموسمية، المعروفة بـ"مرحباً"، عائدات تزيد على مليار و150 مليون يورو سنوياً، بما يجعل إسبانيا الرابح الأساسي من هذه العملية.