الوقت - في أعقاب الانتفاضة الأخيرة للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، یواجه الکیان الإسرائيلي تحدياً أمنياً في الأراضي المحتلة، ولکي تعمّ الانتفاضة الشعبية ضد المحتلین کل شرائح الناس، وتصبح الأحزاب والفصائل الفلسطينية متسقةً مع الناس، بحیث یواجه أمن الإسرائیلیین تحدياً خطيراً، ویعیش الکیان أزمةً خطيرةً في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية، ویتعرض لضغوط دولية أيضاً، ولکي یخضع الکیان الإسرائیلي لمطالب الشعب الفلسطيني إطفاءاً لانتفاضته، يجب علی الفلسطينيين بمن فیهم الشعب والأحزاب السياسية، أن یواصلوا مقاومتهم إلى جانب الدول العربية والإسلامية، ویذلّلوا العقبات المقبلة من طریقهم.
وتجدر الإشارة إلى أن اندلاع الانتفاضة الوطنية الفلسطينية كما هو الحال مع الانتفاضتین السابقتین، له أرضیات داخلية وخارجية کما يلي:
-
الدعم العام والشامل: إن تشكيل واستمرار أي ظاهرة مثل الانتفاضة العامة، یعتمد على مدی الدعم الشعبي في مختلف المجالات، وهذا مبدأ ینطبق علی أي تطلع سياسي. والآن نظراً للدعم الشعبي للفلسطينيين تجاه الانتفاضة، فقد تشكلت أرضيةٌ خصبةٌ في هذا الصدد.
-
المشاركة الفعالة: في المجال السياسي، لتشكيل تطور مثل الانتفاضة العامة، يجب أن یتحول الدعم الشعبي إلى المشاركة النشطة للشعب والفصائل الفلسطينية.
إن أساس المشاركة الشعبية، هو المشاركة العامة للشعب في المسائل المتعلقة بهم، وتکون المشاركة في شكلین هما المشاركة التلقائية أو العفوية، والمشاركة المحفَّزة أو المعبَّئة، والانتفاضة بحاجة إلی كلا النوعين من المشاركة، وترتبط المشاركة العفوية بالثقافة العامة، وتتطلب المشاركة المحفَّزة النشاطَ الإعلامي والدعائي الواسع من قبل التيارات والفصائل الفلسطينية والدول الإسلامية.
والیوم أیضاً نشهد المشاركة العامة المتزایدة في الساحة الفلسطينية، حیث ینشط مختلف شرائح المجتمع، بما في ذلك النساء والرجال، الصغار والكبار، رجال الدين ورجال الأعمال والموظفين، في مجال المقاومة ضد الصهيونية.
-
تزاید التطرف بين الصهاينة: في السنوات القليلة الماضية ولأسباب مختلفة مثل انعدام الأمن المتواصل، استمرار الأزمة الاقتصادية وارتفاع نشاط الجماعات المتطرفة، فقد أخذت الأفكار الراديكالية والمتطرفة بين الصهاينة والمستوطنين منحیً متزایداً، وخاصةً في المناطق التي تقع بالقرب من الفلسطينيين.
بحیث شهدنا في السنوات القليلة الماضية إقبال الإسرائیلیین علی الأحزاب اليمينية المتطرفة مثل حزب الليكود في الانتخابات الأخيرة، وهو الأمر الذي مهّد الطريق لحدوث مزيد من الاشتباكات بين المجتمع الإسلامي والصهاينة.
-
تصعيد غير مسبوق للعنف من قبل الصهاينة: من الأرضیات الأخری لقیام الانتفاضة، هي تصعيد صهيوني غير مسبوق لأعمال العنف في التعامل مع الفلسطينيين. وعلى الرغم من أن الصهاينة یستخدمون العنف ضد الفلسطينيين بشکل دائم، ولكن یزداد هذا العنف بشكل ملحوظ في بعض الحالات، بحیث نشهد في كل يوم وعبر وسائل الإعلام أعمال العنف هذه، في شكل إطلاق النار المباشر على المتظاهرين العزل أمام الكاميرات، والاعتداءات الوحشية علی منازل الناس وإضرام النار فیها.
ولكن هنالك عقبات خطيرة في طریق قیام الانتفاضة العامة واستمرارها، يمكن في أي لحظة أن تمنع الانتفاضة من السیر في الاتجاه المتصاعد أو حتى إطفاءها. وهذه العقبات تشمل:
-
الخلافات الداخلية بین الفلسطينيین: من الأمور التي كانت دائماً عقبةً في طريق تشكيل الانتفاضة، هي الخلافات بين القيادات والفصائل الفلسطينية؛ خاصةً أن هناك تیاراً بین الفلسطينيین، وبسبب إقامته لعلاقات واسعة مع الغرب والصهاينة، یحاول في البدایة ومن أجل الحصول على امتیازات، السیرَ مع الانتفاضة الشعبیة، ولكن بعد تحقیقه للمصالح، یقوم ببث الفرقة بين الفصائل، وبعد أن یری الشعب هذه الخلافات بین القادة والجماعات السياسية، سیتزعزع في استمرار طريقه، وهذا أمر یجب أن ینتبه إلیه الشعب والفصائل الفلسطينية بشکل جاد.
-
غیاب الاستراتيجية الواحدة والواضحة: كل تطور سياسي مثل الانتفاضة، ولمواصلة التحرك وتحقیق الهدف، بحاجة إلى استراتيجية واحدة وواضحة.
وعلى الرغم من أن بعض الفصائل مثل حماس والجهاد الإسلامي، قد وضعت استراتيجيتها كما في الماضي على أساس تصاعد موجة المقاومة وزيادة المشاركة في الانتفاضة، ووسائل الإعلام المقاومة تبذل جهوداً كبيرة في هذه العملية أیضاً، ولكننا لا نری استراتيجيةً خاصةً ومحددةً من قبل کافة الفصائل، وهذا يتطلب مزیداً من التنسيق والتعاون بین فصائل المقاومة.
-
إثارة الفتنة من قبل الصهاينة: العقبة الأخرى التي تهدد الانتفاضة الوطنية الفلسطينية، هي إثارة الفتن من قبل الصهاينة عبر أجهزة الأمن والتجسس. فالمخابرات والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، في هیئة الشاباك والموساد، لديها تاريخ طويل في الاستخبارات ومكافحة التجسس وكذلك في القوی الأمنية المتخصصة.
هذه الأجهزة وعبر استخدام شبكة التجسس والإعلام الواسعة النطاق، نشرت نطاق نشاطها بين بعض المسؤولين والجماعات الفلسطينية، وفي حال تبسيط التطورات، يمكنهم خلق الحواجز أمام الانتفاضة باستخدام هذه الامکانات نفسها، وفي هذا الصدد ينبغي علی الفلسطينيين متابعة التطورات بحذر شديد.
-
دعم العالم الإسلامي الواسع: عموماً إن التطورات الكبيرة مثل الانتفاضة ينبغي دعمها من قبل الحكومات الأجنبية. وفي هذا السیاق یمکن الإشارة الى الدعم في المجال السياسي وكذلك المحافل الدولية والإقليمية، والتمويل وتوفیر الأسلحة والسلع الأساسية والاستراتيجية للمجموعات الناشطة في هذا المجال.
وعلى الرغم من أن الانتفاضة مدعومةٌ من قبل بعض الدول المستقلة مثل جمهورية إيران الإسلامية وسوريا، ولكنها تحتاج إلى دعم أوسع من العالم الإسلامي، وخاصةً الدول العربية مثل السعودية ومصر والأردن، هذا في حين أننا نرى أن هذه الدول اتخذت في السنوات الأخيرة موقفاً سلبياً جداً تجاه القضية الفلسطينية.
-
التركيز على القضية الفلسطينية: خلال السنوات القليلة الماضية وبعد نمو الجماعات التکفیریة المسلحة في المنطقة، فإن كثيراً من قدرات الفلسطينيين مثل الموارد البشرية والقدرة العملیاتیة، بدل أن تُستخدم في سبیل القضية الفلسطينية، صُرفت لضرب الدول الإسلامية والعربية.
بحیث نرى أن المجموعات التکفیریة المسلحة وبعض الدول في المنطقة، قد اجتذبت الفلسطينيين وأدخلتهم في الحرب الدائرة في سوريا والعراق، وفي هذا الصدد یجب علی الفلسطينيین أن یركزوا اهتمامهم على فلسطين بدلاً من الصراعات الداخلية، کي تتحرّر هذه الأرض الإسلامية من الاحتلال في أقرب وقت ممكن.
