الوقت- بينما واجه النظام السعودي ومحمد بن سلمان في العامين الماضيين أوقاتاً عصيبةً بسبب انتشار كورونا وتصاعد الأزمة الاقتصادية، فإن المعارضة الداخلية المتزايدة لاستمرار الحرب في اليمن قد زادت من الاستياء الاجتماعي في الآونة الأخيرة.
وعلی الرغم من أن المواطنين السعوديين قد انتقدوا بشدة في الماضي السياسة العدوانية لحكام الرياض في مواجهة الحرب في اليمن، لكن في الوضع الراهن، وفي ظل الهزائم الكبيرة التي لحقت بالسعودية في حرب 7 سنوات ضد اليمن، والتكاليف الباهظة لاستمرار هذه المعركة العبثية، فإن عملية احتجاجات المواطنين من جهة، وعملية قمع المعارضة الداخلية من جهة أخرى، آخذة في الارتفاع.
محمد بن سلمان، وعلى الرغم من محاولاته في تقديم نفسه للجيل الجديد کشخصية مقبولة، ومدافعة عن الحريات الاجتماعية وسياسات التنمية، وكذلك على الرغم من جهوده المبذولة للإبقاء على الإجراءات القمعية ضد المعارضة طي الكتمان، ولكنه فشل في إقناع الرأي العام المحلي والدولي بمسايرة سياساته المتطرفة.
في هذه الأثناء، من القضايا التي لفتت انتباه الناشطين الإعلاميين والسياسيين في الآونة الأخيرة، هي موقف السعوديين من حرب اليمن، والذي أصبح روايةً ذات شقين. فمن ناحية، هناك المواطنون المناهضون للحرب، ومن ناحية أخرى السياسات القمعية لمحمد بن سلمان.
تصاعد موجة المعارضة الداخلية للحرب اليمنية
قضية معارضة المواطنين السعوديين للحرب في اليمن ليست قضيةً أثيرت للتو، بل الاحتجاج على السياسات العدوانية في هذا البلد، والذي أثير بشكل جديد منذ بداية الحرب، دائماً ما تم تجاهله من قبل السعوديين.
في الواقع، في عام 2015، تجمعت عائلات الجنود السعوديين أمام قصر اليمامة بالعاصمة الرياض، احتجاجًا على إرسال أبنائهم للحرب على اليمن، مطالبين بإنهاء الحرب اليمنية، الأمر الذي واجه القمع والرقابة الحكومية.
ثم اعتُقل معارضو الحرب ضد اليمن لاحقًا بأمر من محمد بن سلمان، ونُقلوا إلى السجن. وخير مثال على ذلك اعتقال رجل الدين السعودي "الشيخ الراضي" الذي نفى في خطابه الشهير الحرب وأدانها، ووقف إلى جانب الشعب اليمني. كما تم في السنوات الأخيرة اعتقال جميع الصحفيين الذين دعوا إلی إنهاء الحرب.
كما كشفت وسائل الإعلام مؤخرًا عن تنامي حالة الاستياء من استمرار الحرب اليمنية بين الجيش السعودي. وورد أن العديد من الجنود السعوديين أشعلوا النار في زيهم العسكري احتجاجاً على الحرب.
حتى أن كل الأدلة تشير إلى أن هؤلاء الجنود ما زالوا يخوضون الحرب اليمنية لأسباب مالية فقط، أو خوفًا من المحاكمة العسكرية والسجن والتعذيب. وبعض هؤلاء الجنود يخجلون من المشاركة في الحرب ضد الشعب العربي الأصيل.
وبين الحين والآخر، يتم نشر مشاهد حرق بطاقات الهوية السعودية أو الزي الرسمي أو الشارات العسكرية على وسائل التواصل الاجتماعي، وكلها تظهر اشمئزاز الشعب السعودي من السياسات العدوانية للحكام السعوديين.
تكثيف القمع الداخلي من قبل محمد بن سلمان
التقارير الاستخباراتية المنشورة عن الوضع في السعودية، تشير إلى أنه في أعقاب انتشار القهر والفساد والفقر والبطالة بين المواطنين السعوديين، وخاصةً الشباب في هذا البلد، بدأت تحركات عديدة مؤخرًا في خلق دوائر من التمرد المدني ضد الحكومة.
وقد أدى ذلك بمحمد بن سلمان إلى تقوية جهازه القمعي أكثر من أي وقت مضى. کما يعاني الناشطون السعوديون حالياً من السياسات المهتزة للحكومة السعودية، وارتكاب جرائم مختلفة داخل وخارج السعودية.
احتجاجات الشعب السعودي من جميع الطوائف ضد النظام السعودي آخذة في التوسع والانتشار. عندما وصل محمد بن سلمان إلى السلطة وعطشه الشديد للعرش، كان الاهتمام بالسياسات القمعية لولي العهد أكثر تركيزًا على الإجراءات المتخذة للإطاحة بالأمراء المعارضين في العائلة المالكة.
لكن في الأشهر الأخيرة، اجتاحت موجة من القمع كل شرائح المجتمع، بما في ذلك الشخصيات الثقافية والأمراء ورجال الدين وحتى الأطفال والنساء، وأثارت تصرفات آل سعود تحركات جديدة داخل وخارج البلاد ضد النظام.
وفي هذا الصدد، نرى أن "حمزة الشاخوري"، عضو قيادة حركة "الخلاص" في السعودية، وفي مقابلة مع موقع "الخنادق"، أفاد بأن "لقاء المعارضة السعودية في شبه الجزيرة قد أرعب الإعلام ونظام آل سعود".
وقال عضو قيادة حركة الخلاص بخصوص أوضاع سجون آل سعود، إن أوضاع السجون والمعتقلات مؤلمة للغاية، ويكفي إلقاء نظرة سريعة على إدانات منظمات حقوق الإنسان بشأن تزايد اعتقال النساء والشباب والناشطين وعلماء الدين وكافة الطوائف في مختلف المناطق، لنرى كيف روَّج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للقمع والفساد.
يستخدم آل سعود اتهامات واهية للتستر على أي اعتقال للمعارضين، بما في ذلك عصيان القانون والتآمر على البلاد وخلق حالة من انعدام الأمن في السعودية.
کما أن سجل آل سعود الأسود قد انكشف للجميع، لدرجة أنه بعد اغتيال المنتقد السعودي جمال خاشقجي، شوهت صورتها دولياً. وقبل اغتيال خاشقجي أيضًا، كانت هناك إعدامات جماعية، وخاصةً في منطقتي القطيف والأحساء.
ويأتي هذا الوضع بينما استخدم محمد بن سلمان في السنوات القليلة الماضية جميع أنواع الأساليب والإجراءات لقمع المجتمع المدني وخصومه السياسيين، ومنها:
- اعتقال عدد كبير من الأمراء السعوديين، وأهمهم الأمير محمد بن نايف ولي العهد السابق، والأمير أحمد بن عبد العزيز شقيق الملك. وقد تمت هذه الاعتقالات في مارس 2020.
- اعتقال أبناء "سعد الجبري" المسؤول الأمني السعودي الذي فر إلى الخارج وهدد بفضح محمد بن سلمان. وقد اعتقلت قوات الأمن السعودية بأمر من محمد بن سلمان، "سارة" (20 عامًا) وعمر (21 عامًا) للضغط على والدهما، ومنعته من المغادرة.
- قتل عبد الله الحامد، الناشط القانوني السعودي المعتقل، في 24 أبريل/نيسان في السجن.
- قتل "عبد الرحيم الحويطات" لمعارضته بيع منزله الواقع في مخطط نيوم. وقع الحادث في 15 أبريل، وكل الأنظار کانت تتجه في هذه الجريمة على مساعدي محمد بن سلمان.
- تسميم وقتل الناشط المعارض لمحمد بن سلمان صالح الشيحي. أعلن نبأ وفاة الشيحي في 20 يوليو/ تموز، وزعم أنه توفي داخل أحد المستشفيات.
- استمرار الاعتداءات في مناطق الشيعة وخاصةً القطيف والعوامية، واحتجاز الرجال والنساء ورجال الدين في هذه المناطق. وفي 9 ديسمبر/كانون الأول، حاصرت قوات الأمن السعودية ودمرت مسجد الإمام الحسين(ع) في منطقة الزارة جنوب مدينة العوامية الشيعية. هذا المسجد هو نفس المسجد الذي کان الشهيد الشيخ نمر باقر النمر يلقي فيه خطاباته ضد نظام آل سعود، ويؤم المصلين.
- الوضع الحرج للناشطة السعودية "لجين الهذلول" التي اعتقلت في 2018، لدفاعها عن حقوق المرأة في القيادة فقط. دخلت لجين في إضراب عن الطعام مطلع سبتمبر 2020 احتجاجًا على المعاملة اللاإنسانية للمسؤولين السعوديين، ولمنعها من زيارة أسرتها. وفي 25 نوفمبر/ تشرين الثاني، أحال المسؤولون السعوديون الهذلول إلى محكمة الإرهاب. كما ذكرت صحيفة إندبندنت البريطانية أن الناشطات المحتجزات في السجون السعودية تعرضن للتحرش الجنسي والتعذيب.
- في 14 ديسمبر 2021، أطلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حملةً جديدةً لاعتقال المسؤولين السعوديين، بهدف قمع وإضعاف المعارضين المحتملين، بحجة محاربة الفساد تحت اسم "ميني ريتز".