الوقت - كتب الوزير التونسي السابق عبد اللطيف المكي على صفحته في موقع فيسبوك، مخاطبا بودن “استقيلي إكراما للمرأة وانحيازاً لشعبك. إن تاريخ حظر التجمعات كان يمكن تأخيره مدة يوم أو يومين ولكنكم قصدتم منع الاحتفال بذكرى الثورة، كما أنك مسؤولة عن توجيه الأمن ضد المواطنين، فأنت رئيسة وزير الداخلية، كما أنك مسؤولة عن الاعتداءات ضد المتظاهرين واعتقالهم. لا يمكنك التذرع بأنك تنفذين التعليمات لأن بإمكانك الرفض، ولو أدى ذلك إلى الاستقالة”.
وقبل أيام، دعا جوهر بن مبارك عضو حراك “مواطنون ضد الانقلاب” بودن إلى الاستقالة من منصبها ”احتراما لنفسها ولأعضاء حكومتها”، معتبرا أنها “تدير المعركة دون اقتدار وتزج بحكومتها في معارك سياسية خاسرة”.
ودخلت نجلاء بودن التي كلّفها الرئيس التونسي قيس سعيّد بتشكيل الحكومة ، التاريخ في تونس، كأول امرأة تتولي قيادة الحكومة في البلاد، بعد سيرة مهنية حافلة بالتدريس في الجامعة التونسية والعمل الإداري في وزارة التعليم العالي.
وعلى خطى الرئيس قيس سعيّد الذي انتقل من التدريس بمدارج الجامعات إلى قصر قرطاج دون أي دعم سياسي، لم تنخرط بودن التي ولدت عام 1958 في محافظة القيروان وسط تونس، في الحياة السياسية، وهي من الشخصيات المستقلة بأتمّ معنى الكلمة، حيث لم يعرف لها أي انتماء سياسي لا قبل ثورة 2011 ولا بعدها، حيث كرّست حياتها المهنية في التدريس كأستاذة تعليم عالٍ في المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس العاصمة، في اختصاص علوم الجيولوجيا.
ودخلت نجلاء بودن مقر رئاسة الحكومة بالقصبة، مثقلة بأزمات اقتصادية واجتماعية تعيشها البلاد، وسط إجراءات استثنائية، تغذيها تجاذبات وصراعات سياسية وفساد ينخر جميع مؤسسات الدولة، وستكون مهمتها إنقاذ تونس من هذا الوضع وتحسين الخدمات العامة للتونسيين، وتحمل على عاتقها تحدٍّ لإثبات قدرة المرأة التونسية على تولي المناصب العليا في البلاد.
هذا ودعت حركة النهضة لتوحيد المعارضة، حيث عبّرت، عن “استعدادها للحوار مع كافة الأطراف الوطنية المناهضة للانقلاب وتدعوها إلى الالتقاء على أرضية مشتركة وتنسيق جهودها في طرح بدائل سياسية واقتصادية واجتماعية تعجل باستعادة المسار الديمقراطي وتحقق استقرارا سياسيا ضروريا لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي، بما يساهم في تحسن الأوضاع المعيشية للمواطنين وينقذ البلاد من الدكتاتورية والإفلاس المحقق”.
كما طالبت، في بلاغ أصدرته السبت بـ”وقف أعمال العنف ضد المتظاهرين والتعدي على الحريات وخاصة حرية التعبير وإطلاق سراح الموقوفين وتمكين الهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب والمحامين من الوصول إليهم ومعاينة حالتهم، كما تندد بسياسة الاختطاف التي تعد ميزة أساسية لمنظومة الانقلاب الحالية”.
وهنا يطرح السؤال التالي، إلى أي مدى يمكن للحركة أن تستفيد من المساحة المشتركة مع رافضي قرارات رئيس الجمهورية قيس سعيد ؟ وهل يمكن لتلك الجهات السياسية أن تلتقي مع "حركة النهضة" على الرغم من الاختلافات الجوهرية معها؟
تعمل "حركة النهضة" على الاستفادة من اتساع دائرة معارضي الرئيس سعيد، وسط تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، من أجل العودة إلى المشهد السياسي من خلال تحالفات جديدة مع أحزاب تختلف معها أيديولوجياً، وتلتقي معها في الراهن السياسي الذي تمرّ به تونس.
وفي السياق، يستبعد الأمين العام لـ"حزب التكتل من أجل العمل والحريات" خليل الزاوية، التواصل مع "حركة النهضة"، معتبراً أن "ما حدث قبل 25 يوليو (تموز) 2021، أسهمت فيه هذه الحركة مساهمة كبيرة، من خلال مظاهر الفساد السياسي وترذيل الممارسة السياسية وتدنّي الخطاب داخل البرلمان، علاوة على دعمها حكومة هشام المشيشي على الرغم من فشلها في إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية والاستجابة لمطالب التونسيين".
ويؤكد الزاوية أن "النهضة لوّثت المشهد السياسي في تونس بممارساتها التي اعتمدت أساساً على المحاصصة الحزبية والمصلحية الضيقة"، مضيفاً إنه "لا توجد أرضية مشتركة بالنسبة إلى حزب التكتل وإلى الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية الأخرى، على غرار الحزب الجمهوري والتيار الديمقراطي للتواصل مع هذه الحركة".
وإذ يلفت إلى "تناغم مواقف هذه الأحزاب في رفض التواصل مع حركة النهضة"، يشير إلى أن "حركة النهضة تريد استثمار هذه اللحظة السياسية لمصلحتها، وهو أمر مشروع في السياسة، إلا أنها لن تحقق ما ترغب به".
ولا تبدو صفوف الأحزاب المعارضة للإجراءات الاستثنائية للرئيس سعيد موحّدة، نظراً إلى الاختلافات الأيديولوجية الحادة بينها، على الرغم من اتفاقها على أن الإجراءات الاستثنائية هي انقلاب على الدستور.
في المقابل، يعتبر رئيس "حزب التحالف من أجل تونس" سرحان الناصري أن "هناك أحزاباً تعمل على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة"، لافتاً إلى أن "حركة النهضة تستغلّ هذه الأحزاب من أجل استرجاع مكانتها السياسية في المشهد الراهن". ويشدد على أن "وجودها السياسي في تونس انتهى، بإعلان الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021".
ويضيف الناصري إن "الأحزاب التي تلهث وراء حركة النهضة، وتسعى إلى التحالف معها وإلى تكوين جبهة سياسية معارضة للمسار التصحيحي، ستمكّن الشعب التونسي من فرصة معرفة حقيقة ومعدن تلك الأحزاب"، مؤكداً أن "حركة النهضة دمّرت النسيج الحزبي في البلاد على غرار نداء تونس وأحزاب المؤتمر والتكتل وقلب تونس".
ويشير رئيس "التحالف من أجل تونس" إلى أن "الأحزاب التي ستتقرّب من حركة النهضة لم تستخلص الدرس، وليست لديها نية إصلاح الأوضاع في البلاد، بل ترغب بالعودة إلى المشهد السياسي فحسب".
ويدعو الناصري هذه الأحزاب إلى "الكشف عن حقيقتها أمام التونسيين من أجل الفرز بين الأحزاب التي تعمل من أجل مصلحة الشعب وتلك التي تريد الانقلاب على إرادته، ومستعدة للتضحية بالأمن والاستقرار الاجتماعي، من أجل التموقع مجدداً في الساحة السياسية فحسب".
ويشدّد على أن هذه الأحزاب "لم تعُد تمثل خطراً على الشعب التونسي"، معتبراً إياها "حالة شاذة في العمل السياسي، وهي أحزاب أصولية لا يمكن أن تعود إلى الساحة السياسية".
من جهته، أكد سمير بن عمر، القيادي في حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، أن الحزب يساند كل مبادرة تهدف إلى مواجهة الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها رئيس الجمهورية، وأضاف أن الحزب على استعداد للتحالف مع كل القوى التي تناهض ما سماه الانقلاب، لافتاً إلى أن "المشاورات جارية في هذا الاتجاه من أجل تشكيل جبهة وطنية معارضة لإجراءات قيس سعيد الاستثنائية".
وكان عضو المكتب التنفيذي في "حركة النهضة" محمد القوماني صرّح بأن "هناك مشاورات متقدمة في اتجاه تحقيق اتفاقات سياسية وجبهة ديمقراطية لمواجهة الانقلاب"، مؤكداً "ضرورة التأسيس لمشروع إنقاذ لمنع انهيار الدولة وإفلاسها".
وكشفت لحظة 25 يوليو عن تباينات عميقة في الخريطة الحزبية في تونس. وعلى الرغم من أن الإجراءات الاستثنائية للرئيس سعيد تعارضها أحزاب عدة، إلا أنها لم تتمكّن من توحيد صفوفها لتشكل جبهة معارضة. كذلك، لم تستطِع الأحزاب المساندة لإجراءات يوليو توحيد صفوفها لتشكّل صفاً موحداً متماسكاً داعماً لرئيس الجمهورية، ما جعل النسيج الحزبي مشتّتاً وغيرَ قادر على فرض مشروع وطني يخدم المصلحة العليا للبلاد.