الوقت - لطالما كانت سوريا لاعباً مهماً وحاسماً في التطورات في فلسطين، بسبب موقعها الجيوسياسي الحساس بالقرب من حدود الکيان الصهيوني، وکانت مختلف المجموعات الفلسطينية تنظر إلی دمشق باعتبارها المركز العربي لدعم الجهاد والكفاح المسلح ضد الاحتلال.
لكن مع اندلاع الأزمة الداخلية في سوريا منذ عام 2011، والتي كان لها تأثير مدمر على طبيعة العلاقات بين دمشق والفصائل الفلسطينية، اتبعت بعض الجماعات الفلسطينية سياسةً خاطئةً تجاه دمشق، بسبب سوء الفهم ونقص الخبرة السياسية ووقوعها في فخ الحسابات الخاطئة، إلا أنه في السنوات الأخيرة ومع نجاح الشعب السوري في القتال الطويل والمكلف ضد الإرهابيين والجبهة الدولية للأعداء، ونتيجةً لعودة سيادة الحكومة المركزية على معظم أنحاء البلاد واستقرار الأوضاع الأمنية، نجد تدريجياً عودة العلاقات بين دمشق والجماعات الفلسطينية.
وفي هذا الصدد، وفي خطوة مهمة، أعلنت حركة فتح في الأيام الأخيرة عن إرسال وفد دبلوماسي إلى دمشق. وبحسب موقع النشرة اللبناني، من المتوقع أن ينقل الوفد الفلسطيني خلال اجتماعه مع الرئيس السوري بشار الأسد، رسالةً من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وقالت مصادر فلسطينية مطلعة، إن جبريل الرجوب الأمين العام للجنة المركزية لحركة فتح يترأس الوفد.
وحسب هذه المصادر، فإن وفد فتح يسعى في هذه الزيارة إلى ثلاثة أهداف، هي: أولاً، نقل رسالة عباس إلى الرئيس السوري حول الموقف الرسمي من التطورات في فلسطين والإجراءات التي تتخذها السلطة الفلسطينية، وثانياً: المشاركة في حفل الذكرى السابعة والخمسين لتأسيس هذه الحركة في دمشق، وثالثاً: عقد سلسلة لقاءات مع الفصائل الفلسطينية، ولا سيما الجماعات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، من أجل التحضير لاجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله.
في هذه الأثناء، بالإضافة إلى أهداف حركة فتح، كانت مسألة عودة دور سوريا في التطورات في فلسطين والمنطقة، فضلاً عن تهديدات الکيان الصهيوني، من الجوانب المهمة الأخرى لهذه الزيارة.
الأجواء السياسية المواتية للزيارة
لا شك أن إحدی أهم القضايا التي أحاطت بزيارة وفد فتح إلى سوريا ولقائه بدمشق، هو الدافع المشترك لإعادة بناء العلاقات المتضررة في السنوات الأخيرة.
بدأت هذه العملية منذ زمن طويل، وكانت نقطة التحول في هذا التطور هي إرسال رسالة محمود عباس إلى بشار الأسد في تموز(يوليو) من العام الماضي (2020).
وعلى الرغم من أن السعي لتعزيز الجبهة الدولية لدعم فلسطين كان دائمًا جزءًا من السياسة الخارجية للسلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية الأخرى، ولکن لا يمكن تجاهل المتغير الرئيسي للعداء بين الدول الخليجية والحكومة السورية بعد الأزمة الداخلية في تعتيم العلاقات بين الفصائل الفلسطينية ودمشق.
وعليه، فإن انفراج علاقات العالم العربي، وخاصةً الدول الخليجية، بقيادة السعودية والإمارات مع الحكومة السورية خلال العام الماضي، قد مهَّد الطريق للسلطة الفلسطينية لإقامة العلاقات وإعادة الاتصال مع دمشق.
في المقابل، كان أداء النظام السوري، الذي لطالما وضع قضية فلسطين كمحور استراتيجي في سياسته الخارجية وفي مواجهة الکيان الصهيوني المحتل كأهم عدو له، فعالاً للغاية في خلق المناخ السياسي الملائم لعودة التحالف الفلسطيني-السوري.
على سبيل المثال، أمر بشار الأسد بإعادة إعمار مخيم اليرموك الفلسطيني، للحفاظ على وجود المخيم ومواجهة المؤامرات للقضاء على حق العودة وتدمير وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللائجين الفلسطينيين "الأونروا".
طريق إنقاذ فتح يمر من دمشق
إن حرکة فتح، بصفتها أقدم وأعرق جماعة سياسية فلسطينية في النضال من أجل تحرير القدس، بدأت التحرك نحو تحسين العلاقات مع الحليف التاريخي القديم للفلسطينيين، بينما تعاني هذه المجموعة من أزمة الشرعية وتراجع التأييد الشعبي على الساحة الداخلية، وعلى الصعيد الدولي أيضًا، وبعد خيانة الدول العربية الداعمة لجبهة التسوية في تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، تلاشت عملياً المصداقية الدولية لعقيدة السلطة الفلسطينية القائمة علی التسوية.
لكن في حين أن فتح تواجه مثل هذا الوضع الصعب، وحتى أن هذه الأزمات أدت إلى تأجيل متكرر للانتخابات العامة بذرائع مختلفة خوفاً من خسارة الانتخابات، قام محمود عباس في خطوة متناقضة بزيارة وزير الدفاع الإسرائيلي غانتس، وقوَّض موقف فلسطين الدولي للضغط على الصهاينة.
من جهة أخرى، يشيد القادة الصهاينة بالتعاون الأمني المستمر بين فتح وتل أبيب لقمع المناضلين الفلسطينيين، وخاصةً حماس في الضفة الغربية، باعتباره إنجازًا كبيرًا، وهو مستمر حتی يومنا هذا رغم كل الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين.
وعليه، فإن الانطباع بأن الاقتراب من سوريا خطوة تكتيكية للضغط على الصهاينة لإحياء محادثات التسوية، أو لدق أجراس الإنذار للدول التي تدعم التسوية، هو التصور الرئيسي لسلوك قادة الفتح.
وفي مثل هذه الظروف، يمكن القول إن الأهداف التكتيكية لم تعد تملك القوة للتأثير على الصهاينة للتراجع، وبعد عدة سنوات يجب على السلطة الفلسطينية أن تدرك أن الطريق لدعم القضية الفلسطينية وتطلعات الفلسطينيين يمر عبر سوريا، والاعتماد على تل أبيب والجامعة العربية والسعودية وغيرها، ليس فقط عديم الجدوى بل تضييع للوقت، ويمهد الطريق أمام تنفيذ المخططات العدائية للکيان الصهيوني. ولذلك، يجب على هذه المنظمة السعي لتعويض أخطائها الماضية.
ودفع فهم حماس لهذه الحقيقة(بعد إدراك خطأ إمكانية الاعتماد على تركيا)، الحرکة إلى تحسين العلاقات مع دمشق في وقت أبكر بكثير من السلطة الفلسطينية، بل والإعلان عن إجراء هام واستراتيجي تمثَّل في التخلي عن أيديولوجية الإخوان كسياسة فكرية وسياسية لهذه الحرکة.
وقد تجلت ثمار هذا التقارب في وقت أبكر بكثير مما كان متوقعاً خلال حرب الـ 11 يوماً في غزة، حيث أكد طلال ناجي، أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في مقابلة مع قناة الميادين الإخبارية: "إن سوريا ساعدت حماس والجهاد في غزة بصواريخ كورنيت المضادة للدبابات، ويجب على حماس أن تعترف بخطئها تجاه سوريا من أجل سد الفجوة مع دمشق".
للخروج من المستنقع الذي يواجهونه، يجب على قادة فتح اتباع سلوك حماس وإحياء سياسة النضال والانتفاضة، بالاعتماد على القوى المتحمسة والشابة للشعب في جميع أنحاء فلسطين المحتلة والضفة الغربية.