الوقت- عندما فشل "بنيامين نتنياهو" في تشكيل ائتلاف لمجلس الوزراء في عدد من الانتخابات المبكرة المتتالية التي عقدت في عام 2019، شكل ائتلافًا مع خصومه في انتخابات 2020، وبالخدعة نفسها التي استخدمها ضد "بني غانتس"، انهارت حكومته في أقل من 4 أشهر، والآن، ومع انعدام الثقة الذي نشأ بين مؤيدي "نتنياهو" ومعارضيه، لن يكون هذا الاخير قادرًا على مواصلة حياته السياسية لأنه لا يمكن لفصيل أن يثق به. وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، "بنيامين نتنياهو"، اختار خلال الفترة السابقة التصعيد ضد الفلسطينيين بالقدس والأقصى والحرب على قطاع غزة، لتصدير أزماته الداخلية التي يمكن تلخيصها في محاكمته بتهم فساد، وفشله بمهمة تشكيل الحكومة، وسعيا منه لإحباط محاولات "كتلة التغيير"، برئاسة "يائير لبيد"، تشكيل حكومة والإطاحة به.
ووسط تعقيدات مفاوضات تكليف "نتنياهو" بتشكيل الحكومة، وتعقيدات المباحثات التي وصلت طريقاً مسدوداً، بسبب تعنت تحالف "الصهيونية الدينية" الرافض لتشكيل أي حكومة صهيونية إسرائيلية بدعم عربي ولو حتى من الخارج، افتعل "نتنياهو" أزمة باب العامود بالقدس القديمة، في محاولة منه للتقليل من تداعيات أزمة الحكم على مستقبله السياسي.
وربط محللون وسياسيون بين فشل "نتنياهو" في تشكيل الحكومة والتصعيد بالقدس والأقصى وحي الشيخ جراح، ومحاولته افتعال حالة طوارئ تمكنه من البقاء على كرسي رئاسة الوزراء فترة أطول، وإحباط المعسكر المناوئ له من تشكيل أي حكومة بديلة، والسعي لاستغلال الوقت للذهاب إلى انتخابات خامسة. ومع تواصل المأزق السياسي، وتجدد الاستماع لإفادات شهود الإثبات في ملفات الفساد، وانتهاء مهلة التكليف دون نجاح "نتنياهو" في تشكيل حكومة، صعد رئيس الحكومة الانتقالية من المعركة بالقدس، بعد أن تراجعت شرطة الاحتلال وقدمت تنازلات في باب العامود وأزالت الحواجز الحديدية بعد 12 يوما من المواجهات.
مسيرة "نتنياهو" السياسية
يحمل "بنيامين نتنياهو" الرقم القياسي في توليه لمنصب رئيس الوزراء، وهو أعلى منصب تنفيذي في الكيان الصهيوني. ومع 13 عاما كرئيس للوزراء في هذا الكيان، تجاوز "نتنياهو"، "بن غوريون" ولكن مع هذا الفارق، وجب عليه أن يودع الساحة السياسية بينما هو لا يريد ذلك ولا سبيل للاستمرار أمامه ولهذا فقد خلق العديد من المشاكل للحكومة الإسرائيلية وتسبب في نشوب الكثير من الخصومات السياسية خلال الفترة الماضية، الأمر الذي دمر كل ما كان لديه من ثقة ودعم، والآن لا أحد يثق به.
الساحة الداخلية للكيان الصهيوني
داخل الكيان الصهيوني، جمعت الحكومة التي تم تشكيلها الآن مجموعة من المعارضين ضد "نتنياهو"، وكان هدف هذه المجموعة الوحيد هو معارضة "نتنياهو". وهنا تجدر الاشارة إلى أن هذه الحكومة بها مجموعة من التناقضات التي تتراوح بين اليسار الاشتراكي واليمين الصهيوني المتطرف. لكن هذه الحكومة نفسها وبدافع فقط من عدم وصول "نتنياهو" إلى السلطة، تمكنت من تمرير مشروع قانون الميزانية الذي تم تعليقه لمدة ثلاث سنوات داخل أروقة الكيان الصهيوني.
الساحة الخارجية للنظام الصهيوني
على الصعيد الخارجي، لم يفِ "نتنياهو" بأي تحالف له باستثناء تحالفه مع "ابن سلمان"، الذي هو نفسه في وضع مماثل لـ"نتنياهو"، وحتى الأمريكيون ليسوا مستعدين للعمل مع "نتنياهو" ولا يثقون به. وقد كان نتنياهو غاضبًا خلال فترة رئاسة "باراك أوباما" حيث وقف أمام حالتين كان أوباما ينوي إنهاءهما خلال فترة رئاسته. ورفض "نتنياهو" رفضا قاطعا "لعملية التسوية" في ادارة "اوباما" وجعل "اوباما" عدوه الحقيقي بمعارضته الشديدة للملف النووي الايراني، وهي القضية الثانية لـ"اوباما".
وخلال تلك الفترة الغى رئيس الحكومة الإسرائيلية مؤتمراً صحفياً مع وزير الدفاع الأمريكي "اشتون كارتر" في اللحظات الأخيرة عندما توجه الأخير إلى المنصة المعدة لذلك. هذا التصرف والسلوك السياسي يدلل على حالة التحدي بل كسر العظم الذي يقودها بنيامين نتنياهو ضد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالنسبة للاتفاق النووي مع إيران لأن المعركة بين الطرفين قادمة في الكونغرس الأمريكي إذ سيضغط اللوبي الصهيوني باتجاه عدم المصادقة على الاتفاق من قبل الكونغرس ويحرج الرئيس الأمريكي أمام شعبه والعالم.
ولقد أزال رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، صورة تجمعه بالرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، كان يضعها في صدر حسابه على تويتر، في انفصال فيما يبدو عن حليف سياسي يواجه مساءلة محتملة. وظلت الصورة لـ"نتنياهو" وهو يجلس بجانب "ترامب" خلال اجتماع بالبيت الأبيض تحتل هذا الموقع الرفيع على حساب "نتنياهو" الرسمي كعلامة على العلاقات الوطيدة بين الزعيم الإسرائيلي المحافظ، والرئيس الجمهوري الذي يتمتع بشعبية في إسرائيل.
وخلال الايام الماضية هاجم الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، أقرب حلفائه، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "بنيامين نتنياهو"، لقيامه بتهنئة "جو بايدن" بفوزه بالانتخابات الرئاسية، قائلا: "اللعنة عليه". وقال الصحفي "باراك رافيد"، إن "ترامب انتقد نتنياهو مرارا وتكرارا خلال مقابلتين لكتابي، "سلام ترامب: اتفاقيات أبراهام وإعادة تشكيل الشرق الأوسط"، مشيرا إلى أن "القشة الأخيرة بالنسبة لترامب في علاقته مع نتنياهو، كانت عندما هنأ نتنياهو بايدن على فوزه في الانتخابات".
وردا على هذا الهجوم، أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، "بنيامين نتنياهو"، بيانا رد خلاله على "تصريح مهين" من قبل الرئيس الأمريكي السابق، "دونالد ترامب". وجاء فيه، إنه "يشيد بأنشطة الرئيس (السابق) ترامب العظيمة المساهمة في مصلحة دولة إسرائيل وأمنها". وأضاف البيان: ""نتنياهو يقدر بشكل كبير أهمية التحالف القوي بين إسرائيل والولايات المتحدة، ولذلك كان من المهم بالنسبة له أن يهنئ الرئيس الجديد".
نقطة واحدة للخروج
والآن نال "نتنياهو" تنازلاً صامتاً لمغادرة الساحة السياسية بهدوء. لقد تغير "مندلبليت"، المستشار القانوني للقضاء الإسرائيلي في الحكومة التي قادت قضايا فساد عائلة "نتنياهو"، ومن المقرر أن يحل محله شخص جديد. "مندلبيت" هو الرجل الذي تابع بجدية الدعاوى القضائية الأربع التي تم رفعها ضد "نتنياهو" وزوجته. ولقد كان لديه دافع غير مكتمل في هذا المجال وأظهر أنه قادر على هزيمة "نتنياهو". الآن لم يعد من المفترض أن يكون في المنصب، ما يعني أن "نتنياهو" لديه فرصة للتنفس، فرصة قد تخلق الوهم في ذهنه بأنه وجد مرة أخرى فرصة للتحرك نحو السلطة.
تنبيه وتحذير بنهاية الدعم
لكن حادثة أخرى حدثت لـ"نتنياهو" وعائلته تظهر أن التنازلات المقدمة لـ"نتنياهو" لم تكن مصادفة، حيث كانت مجرد فرصة للتنحي بهدوء. وفي الأيام الأخيرة، توقف فريق حماية عائلة "نتنياهو" عن عمله، والآن ليس لدى عائلة "نتنياهو" حارس شخصي. ويمكن تفسير هذه الخطوة بأن "نتنياهو" لم يعد يفكر كثيرا في العودة إلى السلطة وأنه يستعد لخروجه السلمي من الساحة السياسية دون الرجوع اليها في المستقبل.
المسؤولون الصهاينة السابقون
إن الوضع الذي واجهه العديد من المسؤولين الصهيونيين في الكيان الصهيوني، مثل "موشيه كتساف وإيهود أولمرت"، قد أظهر أنه إذا لم يستغل "نتنياهو" الوقت الممنوح له للتنحي والفرصة الممنوحة له، فسوف ينتهي مستقبله السياسي بالفشل ولهذا يجب أن يتعلم "نتنياهو" من الماضي ويفعل الشيء الصحيح، أو يكون في وضع "أولمرت وكاتساف" نفسه.