الوقت - وصل وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى العاصمة السعودية الرياض في 12 ديسمبر 2021، بهدف إطلاق آلية سياسية بين القاهرة ودول مجلس التعاون.
وحسب وزارة الخارجية المصرية، سيحضر وزراء خارجية دول مجلس التعاون والأمين العام للمجلس "نايف الحجرف" إطلاق هذه الآلية.
على الرغم من أن هذه الآلية تسعى في الظاهر إلى إنشاء منصة مناسبة للتعاون الثنائي بين القاهرة والسعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر وسلطنة عمان كأعضاء في مجلس التعاون، ولكن بالنظر إلى الأبعاد والعواقب المحتملة لهذه الخطة، فيمكننا التحدث عن قضايا أكبر في مجال المعادلات السياسية وتوازن القوى في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا.
تصدرت مصر العالم العربي في فترة ما بعد الستينيات، نتيجةً لسياسات القومية العربية لجمال عبد الناصر، لكن هذا الدور تضاءل بشكل كبير في عهد خلفائه، بمن فيهم أنور السادات وحسني مبارك.
وعلى الرغم من أن القاهرة فقدت ريادتها في العالم العربي بسبب تنازلات وخيانات قادة ما بعد عبد الناصر، إلا أن المجتمع المثقف والمتحضر المصري كان بلا شك قادرًا على الاستمرار في قيادة العالم العربي ثقافيًا من خلال المفكرين والمثقفين.
وفي الوضع الحالي أيضًا، يمكن اعتبار جهود القاهرة لإنشاء آلية خاصة للتعاون مع دول مجلس التعاون نتيجةً لأسباب خاصة، تشمل مجموعةً من العوامل الداخلية والإقليمية وعبر الإقليمية.
كذلك، في السعي وراء معرفة هذه الأسباب، لا شك في أنه من الأهمية بمكان الانتباه إلى إمكانات مصر وقدراتها في تنفيذ مثل هذا الموقع وهذا الدور.
إمكانات مصر وأسباب لعبها دور عبر إقليمي في الخليج الفارسي
فيما يتعلق بإمكانيات مصر لإحياء موقعها التقليدي في الخليج الفارسي ولعب دور عبر إقليمي في هذه المنطقة، يمكن ذكر عدة محاور مهمة.
الفراغ الناجم عن الانسحاب الأمريكي من المنطقة ودعم واشنطن للقاهرة لإحياء "ميسا" سرًا: في السنوات الأخيرة، تسببت الإشارات والإجراءات الأمريكية لتحويل تركيزها إلى شرق آسيا، في قلق كبير لدی الدول العربية. فالدول العربية قلقة للغاية من أن التوازن الأمني في المنطقة بعد انسحاب الولايات المتحدة سيتغير بما يضرها ويصبّ في مصلحة خصومها. وفي هذا الصدد، رحبت الدول العربية بدخول جهات فاعلة مثل فرنسا والصين وبريطانيا إلى المنطقة.
لكن وصول أي من الفاعلين لا يتماشى مع رغبات ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية؛ لأن سلطات واشنطن لا تسعى بأي حال من الأحوال إلى تمكين منافسيها من خلال استغلال الدولارات النفطية للدول العربية. ولذلك، في ظل الوضع الراهن، يبدو أن مصر تحاول إيجاد آلية جديدة في العلاقات مع الدول العربية بدعم مباشر وشامل من الأمريكيين.
في الواقع، يحلم جو بايدن، مثل إدارة ترامب، بـ "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" أو "الناتو العربي" أو "ميسا"، يتكون من جبهة عربية-عبرية لمواجهة القوة الإيرانية أو التركية في المنطقة.
وهذا يشير إلى أن الإمكانية الأولى لمصر تتمثل في دعم الولايات المتحدة لها في ممارسة القوة عبر الإقليمية في الخليج الفارسي، والتي، بالطبع، رحبت بها حكومة عبد الفتاح السيسي.
في السنوات القليلة الماضية، دفع الدعم الأمريكي الخاص لمواقف الحكومة المصرية في أزمات مثل ليبيا والسودان وغيرهما، القاهرة لمحاولة معالجة الفراغ الأمني الناجم عن الانسحاب الأمريكي من المنطقة. وفي الواقع، تسعى واشنطن إلى الاستفادة من إمكانات مصر الخاصة لإحياء خطة الناتو العربي، أو "ميسا".
الشرعية والصورة المواتية لمصر في الخليج الفارسي: تتمتع القاهرة، على عكس العديد من الجهات الفاعلة والقوى الإقليمية وعبر الإقليمية، بقوة جذب عالية على مستوى الدول الخليجية. وهذا يعني أن مصر ليس لديها الكثير من الاحتكاك والعداء مع الأطراف المتصارعة في المنطقة، وأن قوتها الإيجابية أكبر من قوتها السلبية.
القاهرة، على سبيل المثال، على عكس العديد من البلدان الأخرى في المنطقة، ليس لديها صراع سياسي مع نظام بشار الأسد في سوريا والقوى الإرهابية الموجودة في هذا البلد، وأقامت دائماً علاقات جيدة مع كلا الجانبين.
أيضًا، في بلد مثل اليمن، الذي حوَّل كل القوى الإقليمية إلى قطبين متنازعين، تتمتع القاهرة بعلاقات جيدة مع كل من أنصار الله وقوات عبد ربه منصور هادي. حتى في العام الماضي، لعبت مصر دور الوسيط والميسر للمفاوضات بين حكومة صنعاء والإمارات والسعودية.
على صعيد آخر، فإن مصر، على الرغم من قيادتها للجبهة المناهضة للإخوان في المنطقة، على طريق تهدئة التوترات مع حكومة رجب طيب أردوغان الإخوانية في الأشهر الأخيرة.
قدرات مصر العسكرية والديموغرافية في العالم العربي: لطالما عُرفت مصر بأنها القوة الأولى في العالم العربي. وعلى الرغم من ضعف هذا الموقع بعد خيانة أنور السادات للقضية الفلسطينية والثورة الشعبية عام 2011، ولكن لا تزال مصر تُعرف بأنها القوة العسكرية الأولى في العالم العربي، وأيضًا أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان.
کذلك، خلق عدد سكان مصر البالغ 82 مليون نسمة إمكانات خاصة لهذا البلد من حيث القوى العاملة. كما أن مصر هي تاسع أقوى جيش في العالم. ومع 1132 مقاتلة، تمتلك مصر أقوى قوة جوية في العالم العربي، وهي على قدم المساواة مع تركيا من حيث القوة العسكرية.
وإضافة إلى القدرات العسكرية والديموغرافية، تتمتع مصر بقدرات جيوسياسية خاصة من خلال السيطرة على قناة السويس، ولها مكانة خاصة في العالم في مجال الترانزيت ونقل الطاقة.
ومع ذلك، واجهت مصر أزمةً اقتصاديةً كبيرةً في السنوات التي تلت عام 2009، وتسبب هذا الوضع في وصول الميزانية العسكرية للبلاد إلى ملياري دولار سنوياً.
وفي الوقت الحالي أيضًا، يبدو أن عبد الفتاح السيسي بحاجة، من ناحية، إلى توسيع العلاقات مع الدول الخليجية من أجل إعادة بناء اقتصاد مصر المتأزم وتعزيز مكانتها التقليدية في العالم العربي، عن طريق إنشاء آلية خاصة.
ومن ناحية أخرى، تراهن الدول الخليجية بشكل خاص على دعم القاهرة الأمني وتعاونها في الوضع الذي سيعقب انسحاب قوات الاحتلال الأمريكية من المنطقة، ولذلك، يمكن تقييم آلية التفاوض بين مصر والدول الخليجية على أنها رغبة مشتركة.