الوقت- بعد ست سنوات ونصف من الحرب السعودية العبثية التي شنتها على اليمن من أجل إعادة ما تسميه الرياض "الشرعية"، يبدو أن المملكة تعيش أزمة مرتبطة بعقم إجراءاتها وعدم تمكنها من اجتراح حلول جذرية للتحول في مسار العدوان. ست سنوات ونصف والسعودية تتخبط في رمال اليمن، لا هي قادرة على حسم المعركة عسكرياً لصالحها، وتحقيق أهدافها المعلنة والخفية من وراء الحرب، ولا رضخت لإرادة الشعب اليمني، وللقوى التي تدافع عنه، على وقع الهزائم والانتكاسات التي تمنى بها يومياً، بل زادت تعنتاً وصلفاً، وذهبت للتنفيس عن فشلها في محاولة إيلام الشعب اليمني من خلال المجازر اليومية والغارات المكثفة. منذ شهور والجيش اليمني واللجان الشعبية يتحدثون عن تحرير الحديدة، وهم يومياً يحرزون تقدماً جديداً دون أي قدرة، من قبل السعودية وحلفائها، على وقف هذا التقدم. حيث تمكنت قوات حكومة صنعاء من تحرير معظم مديريات محافظة الحديدة.
ومع احتدام المعارك قرب مدينة مأرب وتحرير العديد من المديريات، حصل ما هو خارج كل التوقعات في فرار وانحدار لقوات تحالف العدوان السعودي على اليمن من الساحل الغربي في الحديدة، دون سابق انذار او اي اشارة حتى لمرتزقتهم وذيولهم في العدوان على الشعب اليمني. وخلق الإنسحاب المباغت للقوات المدعومة امارتياً حالة من الارتباك في المشهد العسكري، وكانت حجة الانسحاب حسب ما قال تحالف العدوان السعودي على اليمن بأنه جاء من اجل تموضع في مناطق محكومة باتفاق دولي في اشارة لاتفاق ستوكهولم، وهي وفق بيانها تقوم بإعادة انتشار محددة. من جهتها قالت حكومة "هادي" المستقيلة، بانها لا صلة لها بما يجري بحسب بيان الفريق الحكومي بالجنة تنسق اعادة الانتشار الذي اكد ان الانسحاب تم دون معرفتها ودون تنسيق مسبق معها. مصادر يمنية أكدت أن كل محافظة الحديدة باتت مطهرة بالكامل، باستثناء مديرية الخوخة، وأن انسحاب قوات التحالف السعودي من الساحل الغربي يأتي بسبب القلق الأمريكي والإماراتي من تطورات الوضع.
كما كشفت تلك المصادر اليمنية، إن انسحاب قوات التحالف السعودي من الساحل الغربي لمحافظة الحديدة يأتي بسبب القلق الأمريكي والإماراتي من تطورات الوضع في محافظة مأرب، التي تقع في الشمال الشرقي للعاصمة صنعاء. وأفادت المصادر، بأن تحالف العدوان السعودي انسحب من المنطقة الساحل بعد علمه بأن تحرير الساحل هو "استراتيجية ما بعد تحرير مأرب". وأشارت المصادر نفسها إلى أن "قوى التحالف تريد ترتيب وضعها الآن في الجنوب، استباقاً لهزيمة عسكرية ساحقة"، كاشفة أن "التحالف سحب كل قواته بما فيها قوات طارق صالح، وألوية العمالقة من الساحل باتجاه عدن". كما لفتت إلى أن "الجيش واللجان الشعبية سيطروا على الساحل تماماً، والمواجهات تدور حالياً في الخوخة وحيس".
المصادر اليمنية أوضحت، أن التقدم الذي أحرزه الجيش واللجان الشعبية في الساحل الغربي بلغ 700 كيلومتر، مؤكدة أن "كل محافظة الحديدة باتت مطهرة بالكامل، باستثناء الخوخة التي يتوقع تحريرها خلال الايام القادمة". ويوم الجمعة الماضي تحدثت مصادر، أن قوات تحالف العدوان السعودي انسحبت كلياً من عشرات المواقع جنوبي وشرقي مدينة الحديدة، غربي اليمن. وكانت القوات المشتركة التابعة للسعودية والإمارات في الساحل الغربي لليمن، قد أعلنت قبل عدة أيام، عن "إخلاء المناطق المحكومة باتفاق السويد، لكونه يبقيها مناطق منزوعة السلاح وآمنة للمدنيين الذين وُقِّع الاتفاق بحجة حمايتهم وتأمينهم". يأتي ذلك، بعد أن تمكنت القوات المسلحة اليمنية من تحرير مركز مديرية الجوبة في محافظة مأرب، قبل أيام، بينما أعلن مشايخ المديرية وأعيانها ووجهاؤها وقوفهم إلى جانب عناصر الجيش واللجان الشعبية، حتى تحرير كل مناطق محافظة مأرب.
وحول هذا السياق، أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد "يحيى سريع"، قبل عدة أيام، عن إسقاط طائرة تجسس من صنع أمريكي جنوبي مأرب. وقال العميد "سريع" في تغريدة له على "تويتر" إن "دفاعاتنا الجوية تمكنت من إسقاط طائرة تجسسية من نوع (سكان إيغل) أمريكية الصنع، أثناء قيامها بأعمال عدائية صباح يومنا هذا في أجواء منطقة الجوبة بمحافظة مأرب". وفي السياق نفسه، اعتبر نائب وزير الخارجية في حكومة صنعاء "حسين العزي"، أن تحرير مأرب سيعزز فرص السلام الاستراتيجي. وقال "العزي" إن "تحرير مأرب سيعزز فرص استعادة السلام، وفي المنظور الاستراتيجي للسلام الدائم والشامل، سيكون أيضاً مفيداً جداً لأمن اليمن والجوار معاً، باعتبار أن مأرب لن تبقى منطلقاً لتهديدات القاعدة في المستقبل". ميدانياً، أفاد مصدر عسكري يمني في الساحل الغربي عن إحباط الجيش واللجان محاولة تسلل لقوات التحالف السعودي جنوبي مديرية حَيْس جنوب الحديدة ، قوات الجيش واللجان تصدت لقوات التحالف السعودي جنوب مديرية "حيس" وأجبرتها على التراجع وأفشلت محاولة تقدمها باتجاه مواقع الجيش واللجان جنوب الحديدة .
ولقد رصدت مصادر ميدانية 130 خرقاً لقوات تحالف العدوان السعودي في جبهات الحديدة خلال الـ24 ساعة الماضية، واستحداث تحصينات قتالية في الجبلية و6 غارات لطائرات التحالف على حيس والجبلية، بالإضافة الى 3 غارات لطائرات تجسس قتالية على حيس و تحليق 25 طائرة حربية في اجواء الفازة والجبلية وحيس و الجاح والتحيتا. وفي المقابل، شنت مقاتلات تحالف العدوان السعودي 3 غارات على مديرية حرض الحدودية في محافظة حَجَّة شمال غرب البلاد، وغارة على منطقة الجَنَد بمديرية التعزية شمالي شرق محافظة تعز جنوب غرب اليمن. وكانت طائرات التحالف السعودي قد شنت أكثر من 90 غارة على محافظات مأرب والحديدة وحجة وتعز خلال الساعات الـ48 الأخيرة
إن توسيع الجيش اليمني واللجان وانصار الله سيطرتهم على الساحل الغربي، يشكل لهم انتشارا حيويا من الناحية العسكرية والاستراتيجية، فهو يحمي مناطق تعز ومداخل صنعاء الغربية ويحمي الحديدة وطريق صنعاء ويعطيهم نقطة ارتكاز على الساحل الغربي باتجاه المخا وباب المندب. اضف الى ذلك ان هذه النقطة الحيوية تقوي معركة الجيش واللجان اليمنية الاستراتيجية نظرا لاهمية باب المندب وسواحل اليمن الغربية على البحر الاحمر. اللافت أن المبعوث الاممي الى اليمن زار قبيل عملية انسحاب قوات التحالف العربي مدينة المخا وعقد اجتماع هناك مع "طارق صالح" قائد قوات الساحل الغربي في الوقت الذي قامت حركة "انصار الله" بقصف تجمع قوات "طارق صالح" في معسكر الدفاع الجوي في المدينة بثلاث صواريخ بالستية . ولم يعلن المبعوث الاممي او أي طرف ان ثمة اتفاق حصل، او ان الأطراف موافقة على بدء تنفيذ اتفاق "السويد". إلا أن بيان تحالف العدوان يبرر الانسحاب من محيط الحديدة بانه تنفيذا للاتفاق، ومازال الغموض يلف تلك الجبهة، ويبقى السؤال ماذا بعد الانسحاب. بالطبع السعودية هي الخاسر الاكبر لانها كانت رائدة العدوان وهي التي اخذت على عاتقها انطلاقا من عملية عاصفة الحزم انهاء ما اسمته الوضع الشاذ الانقلابي في اليمن واعادة شرعية هادي، طبعا هذه الاهداف هي التي ادّعت بها، ولكن اهدافها الحقيقية كانت في السيطرة على اليمن وتثبيت هيمنتها على قراره السيادي الرسمي واغتصاب ثروات اليمن. واليوم، هي تعاني من تداعيات هذه الهزيمة وهذا المغطس الذي اوجدت نفسها فيه، ولم تعد تبحث عن انتصار داخل الميدان اليمني بعد ان اصبح هذا الامر مستحيلا، بل تبحث فقط عن مخرج يحفظ قليلا من ماء وجهها ومن موقعها الذي تدعي انها تشغله على صعيد المنطقة.