الوقت - أعلنت حركة طالبان الأفغانية، السبت، أن وفداً رفيع المستوى بقيادة القائم بأعمال وزير الخارجية، التقى وفداً أمريكياً في الدوحة خلال زيارة لقطر تستغرق يومين.
تعدّ هذه أول زيارة خارجية لمسؤولين من طالبان، وكذلك أول زيارة رسمية لمسؤولين من الجانبين، منذ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أواخر الشهر الماضي.
يظهر من تصريحات مسؤولي الجانبين بشأن قضايا التفاوض، أن واشنطن وطالبان تسعيان إلى الوفاء بالوعود الثنائية في اتفاقية الدوحة 2020.
وفي هذا الصدد، قال أمير خان متقي، القائم بأعمال وزير الخارجية في حكومة طالبان المشكلة حديثًا، إن الجانبين ناقشا فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، ودعا مسؤولو طالبان الولايات المتحدة إلى الإفراج عن الأصول المجمدة للبنك المركزي الأفغاني.
وأضاف إن وفد طالبان دعا الولايات المتحدة إلى احترام سيادة المجال الجوي لأفغانستان وعدم التدخل في شؤونها، وأكد أن التركيز ينصب على المساعدات الإنسانية، وتنفيذ جميع بنود اتفاق الدوحة الذي تم التوصل إليه في فبراير 2020.
تواجه حكومة طالبان حاليًا مشاكل اقتصادية كبيرة، حيث قال البنك الدولي إن خفض المساعدات الدولية لكابول، أدى إلى خسارة 75 بالمائة من عائدات الحكومة. كما أن نظام الرعاية الصحية في أفغانستان على وشك الانهيار، حيث يهدد النقص الحاد في الغذاء استمرار الظروف المعيشية الطبيعية.
واشنطن تسعى للحفاظ على سمعتها وتعزيز استراتيجية الخروج
في أعقاب الانسحاب المهين لقوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من أفغانستان، تعرض البيت الأبيض لانتقادات واسعة محليًا ودوليًا(من قبل الحلفاء الأوروبيين)، بسبب الفشل الاستراتيجي للشعارات الأولية حول استمرار الظروف المستقبلية المستقرة في كابول تحت سيطرة الحكومة الأفغانية والجيش الأفغاني(بينما سقطت كابول فجأةً في أيدي طالبان)، وبسبب الأحداث التي أدت إلى الانسحاب غير الآمن للقوات الأمريكية.
وفي هذه الظروف، وعلى الرغم من إصرار البيت الأبيض المتكرر على عدم الاعتراف بحكومة طالبان الجديدة، فإن أهم هدف للمسؤولين الأمريكيين من فتح قنوات دبلوماسية مع طالبان، هو ضمان تنفيذ البرامج المخطط لها مسبقاً، لإلحاق أقل قدر من الضرر وبالتالي النقد الداخلي لاستراتيجية إدارة بايدن في أفغانستان.
وفي هذا الصدد، من الضروري الانتباه إلى أن كيفية الخروج من أفغانستان، بعد إنفاق مليارات الدولارات وآلاف القتلى والجرحى من الأفغان والقوات الأجنبية، يُنظر إليها علی أنها أكبر هزيمة في تاريخ الولايات المتحدة ودليل على تراجع الهيمنة الغربية.
المهمة الهامة للوفد الأمريكي هي أخذ الضمان بشأن انسحاب المواطنين الأمريكيين من أفغانستان، وبالتالي الحصول علی ضمان طالبان بأنها ستمنع القاعدة من العمل في أفغانستان.
ليس هناك شك في أن عدم قدرة المواطنين الأمريكيين على مغادرة أفغانستان بأمان، يمكن أن يوجه ضربةً قاضيةً للدوائر الانتخابية للديمقراطيين وبايدن في المستقبل. حيث أمر بايدن بسحب القوات الأمريكية، بينما حتى البيت الأبيض ليس لديه أرقام دقيقة عن عدد المدنيين المتبقين في أفغانستان، الذين يسعون لمغادرة هذا البلد.
وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "نيد برايس" في مؤتمر صحفي الخميس، إن هذه الوزارة على اتصال بـ "عشرات الأمريكيين في أفغانستان الذين يريدون المغادرة". لكنه أضاف إنه من الصعب تحديد العدد الدقيق للمواطنين الأمريكيين المتبقين.
وأعلن المسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، إن "استمرار المرور الآمن للمواطنين الأمريكيين وغيرهم من الأجانب والأفغان الذين لدينا التزام خاص تجاههم بمغادرة أفغانستان، هو إحدی الأولويات القصوى لهذا الاجتماع".
من ناحية أخرى ، فإن التحركات الدبلوماسية الأمريكية، بما في ذلك زيارة نائب وزير الخارجية ويندي شيرمان المتزامنة لباكستان، باعتبارها واحدةً من أكثر الجهات الفاعلة نفوذاً في أفغانستان والتي لها علاقات وثيقة مع طالبان، تنبع من مخاوف الولايات المتحدة بشأن تنامي النفوذ الروسي والصيني في أفغانستان.
يعتقد العديد من المحللين أنه بالإضافة إلى قبول الهزيمة في أفغانستان، فإن مغادرة أفغانستان تهدف إلى التركيز بشكل أكبر على شرق آسيا والصين.
لقد شرعت الصين في استراتيجية طموحة لتعزيز هيمنتها الاقتصادية العالمية، من خلال إنفاق مئات المليارات من الدولارات لتوسيع شبكتها التجارية من خلال مشروع "حزام واحد طريق واحد"، وبالطبع فإن التحديات الأمنية في وسط وغرب آسيا، ستكون إحدى العقبات التي تحول دون تحقيق هذه الأهداف الطموحة.
في السياق نفسه، قال بايدن الشهر الماضي "نحن نقود بدبلوماسيتنا وتأثيرنا الدولي ومساعدتنا الإنسانية". ومع ذلك، فإن الاستمرار في لعب الدور في أفغانستان لمواجهة النفوذ الصيني والروسي، هو أمر تسعى واشنطن لتحقيقه من خلال احتياجات طالبان والضغط الاقتصادي والسياسي.
حاليًا، بالإضافة إلى حاجتها الاقتصادية للإفراج عن الأموال الأجنبية المجمدة في المنظمات الدولية، تسعى طالبان أيضًا للحصول على اعتراف دولي. وفي هذا الصدد، أعلن القائم بأعمال وزير خارجية أفغانستان، أن الوفد الأفغاني سيلتقي بممثلي الاتحاد الأوروبي في الأيام المقبلة، لمناقشة آخر المستجدات.
وأضاف ذبيح الله مجاهد السبت الماضي: "هدفنا هو عقد مزيد من الاجتماعات مع الأمريكيين وكذلك مع ممثلين أوروبيين في الأيام المقبلة، حتى نتمكن من مناقشة وجهات نظرهم ومقترحاتهم بشأن الوضع الحالي في أفغانستان". وقال "قلنا لهم مراراً إن وجود حكومة ضعيفة وغير مستقرة في أفغانستان ليس في مصلحة أحد".
منافسة الولايات المتحدة مع جبهة الصين وروسيا المنسقة
يحاول البيت الأبيض التأثير على التطورات في أفغانستان لصالحها وعلى حساب الخصوم، بينما اتخذت الصين وروسيا، من ناحية أخرى، مواقف منسقة للحفاظ على استقرار أفغانستان، من خلال العمل مع حكومة طالبان.
على سبيل المثال، قال جانج شوانج، الدبلوماسي الصيني رفيع المستوى، في کلمة أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لقد حان الوقت لعودة طالبان إلی المجتمع الدولي، وقبول القوات الأمريكية والقوات الغربية الأخرى مسؤولية جرائمها في أفغانستان.
كما عارضت روسيا الانسحاب الأمريكي غير المسؤول، مشيرةً إلى أن "هجرة الأدمغة" وخروج الخبراء الأفغان من البلاد، يشكلان تهديدًا للإدارة الحكومية وتحقيق أهداف التنمية.
وفي 30 آب / أغسطس أيضًا، امتنع الجانبان الروسي والصيني عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وسمحا بتبني قرار يحثّ طالبان على السماح للناس بمغادرة البلاد، وعدم تحويل أفغانستان إلی ملاذ آمن للإرهاب الدولي. وعلى الأرجح، سيستمر الجانبان في هذا الشكل من التنسيق على المستوى الدولي.
کما كان الوضع في أفغانستان على جدول أعمال قمة منظمة شنغهاي للتعاون(SCO) في دوشانبي، يومي 16 و 17 سبتمبر. حيث اتفق الأعضاء على أنه يجب أن يكون هناك نهج منسق تجاه أفغانستان بين أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون.
کذلك، دعت روسيا حركة طالبان إلى القمة الدولية الأولى منذ سيطرتها على أفغانستان، في إشارة إلى الاعتراف بحكومة طالبان وإزالتها من القائمة الوطنية للمنظمات الإرهابية في المستقبل القريب.
تم حظر حركة طالبان في روسيا في عام 2003 كمنظمة إرهابية. ومع ذلك، بدأت موسكو محادثات مع طالبان في منتصف العقد الماضي.
لكن في الولايات المتحدة، ليس هناك شك في أن الصين يمكن أن تلعب دورًا أكثر حسماً في مستقبل أفغانستان بالقياس إلی روسيا، بالنظر إلى قدراتها الاقتصادية الأكبر.
من الناحية الاقتصادية، ليس لدى روسيا الكثير لتقدمه مثل بكين، كما أن عدم الاستقرار لا يشجع المستثمرين الروس، ولهذا فإن الخطاب الروسي يدور تقريبًا حول القضايا الأمنية. بالطبع، يمكن للاتحاد الاقتصادي الأوراسي أن يلعب دورًا في سد هذه الفجوة لروسيا في المستقبل.
وفقاً لذلك، في نهاية زيارتهم إلى "تيانجين" في أواخر يوليو، أعرب ممثلو طالبان عن أملهم في أن تدعمهم الصين اقتصاديًا وماليًا. کما أن وسائل الإعلام الصينية متفائلة حاليًا بشأن مشاركة أفغانستان المحتملة في مبادرة الحزام والطريق الصينية(BRI).
وتأمل طالبان أيضًا في مساعدة الصين على حل مشاكلها الاقتصادية في المستقبل، من خلال استغلال موارد أفغانستان الطبيعية الهائلة على ما يبدو(مثل النحاس والليثيوم).
المخاوف الرئيسية للصين وروسيا هي تعزيز الإرهاب، وخاصةً تنظيم داعش في أفغانستان. الصين قلقة من تدفق الإرهاب إلى إقليم شينجيانغ عبر أفغانستان(مع وجود 76 كم من الحدود المشترکة)، والأهم من ذلك عبر طاجيكستان، وتخشى روسيا من انتشار التطرف في جمهوريات آسيا الوسطى والشيشان.
ونتيجةً لذلك، يرى القادة السياسيون الروس مثل بكين، أن الحكام الجدد في كابول هم طريق الاتصال الرئيسي لحماية مصالحهم الأمنية والسياسية والاقتصادية.