الوقت- أعاد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى نقطة البداية وذلك من خلال تصريحات استفزازية فاجأت كل الأوساط السياسية والشعبية في كل من الجزائر وفرنسا أيضاً، كما كشفت هذه التصريحات مدى هشاشة العلاقات الثنائية التي تحيط بها العديد من الملفات المسمومة والقنابل الموقوتة والتي من الممكن أن تنفجر في أي لحظة.
الرئيس الفرنسي هو من بدأ حينما أعلن تخفيض التأشيرات الممنوحة للجزائريين إلى النصف، الخطوة التي ردت عليها الجزائر باستدعاء السفير الفرنسي في الجزائر لتبليغه الاحتجاج الرسمي إلا أن الرد الفرنسي على احتجاج الجزائر كان على لسان ماكرون شخصياً حينما خرج بتصريحات تعتبر في العرف الدبلوماسي تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة.
ماكرون ولأول مرة منذ تربعه على دفة قصر الإيليزي قبل أكثر من أربع سنوات، لم يتجرأ على توصيف السلطات الجزائرية بتلك العبارات التي تلفظ بها خلال لقائه بـ18 شاباً من أصول جزائرية ومن أحفاد “الحركي” و”الأقدام السوداء”، في إطار حملته الانتخابية غير الرسمية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في أوائل العام المقبل.
الرئيس الفرنسي استخدم عبارات غير مسؤولة، عندما وصف السلطات الجزائرية بـ”النظام السياسي العسكري”، كما تعمد زرع الفتنة بين مكونات صناع القرار في الجزائر، من خلال التفريق بين المكون المدني والعسكري، وهي سابقة قد تكون لها تبعات خطيرة على العلاقات الثنائية مستقبلاً.
وكان من الواضح من خلال كلام الرئيس الفرنسي، أن مشروعه الموسوم بـ ”تهدئة صراع الذاكرة”، والذي أوكله للمؤرخ الفرنسي، بنجامان ستورا، لم يؤت أكله لحد الآن، وهو الذي راهن عليه منذ انتخابه في عام 2017، لأن الطرف الجزائري لم يساير الخطوات الفرنسية التي بقيت من جانب واحد، وأبدى تحفظاً عن المشروع وعما قام به ستورا على صعيد الذاكرة، وهذا الملف يعتبر ملفاً حساساً جداً بالنسبة للجزائريين.
ما يعزز هذه القراءة، هو وجود قناعة لدى الرئيس الفرنسي بأن ملف الذاكرة، أو بالأحرى هزيمة فرنسا عسكرياً وأخلاقياً أمام الجزائر في حرب مدمرة، يغذي أنفة وطنية غير قابلة للتنازل أو للمساومة، تحت أي مبرر كان، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمستعمرة السابقة، التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة لسحب هذه الورقة من الطرف الجزائري.
الأخطر من كل هذا، هو انحدار الرئيس الفرنسي إلى مستوى سحيق من الانحراف في النقاش، بشكل جعله يشكك حتى في وجود أمة جزائرية قبل الاحتلال الفرنسي في عام 1830، وكأن الجزائر كانت أرضاً مستباحة، عندما راح يتساءل: “هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟
إن هذا السؤال هو تصريح تفوح منه رائحة اللامسؤولية من مسؤول يرغب في استرضاء شرذمة من اليمينيين، من أجل البقاء في قصر الإيليزي، ولو على حساب قيم الجمهورية الفرنسية، ومبادئ الاحترام المتبادل بين الدول.
الماكر ماكرون لم يتوقف عند هذا الحد، بل راح يقارن بين الاحتلال الفرنسي بالوجود العثماني في الجزائر، وهي مقارنة في غير محلها، لأن تبعات الاحتلال الفرنسي تتحدث عن نفسها (1.5 مليون شهيد جزائري في سبع سنوات فقط)، في حين أن كتب التاريخ لم تسرد للجزائر وللعالم جرائم الوجود التركي في الجزائر، والذي له ما له وعليه ما عليه.
اللافت للأمر في كلام الرئيس الفرنسي، أنه يبحث عن “أطراف داخلية جزائرية تتماشى مع كلامه وتؤيده”، للوقوف أمام التقارب الجزائري التركي الذي بات يزحف على حساب الإرث الفرنسي المتهالك، ولكن هذا يبقى "أمل في خانة الوهم"، لأن الجزائر تميز جيداً بين الصديق والعدو، ولا تنتظر أي نصيحة من أحد.
الرد الجزائري السريع
الرد الجزائري لم يتأخر، فقد تم استدعاء سفير الجزائر بباريس، محمد عنتر داود “من أجل التشاور”، وفق ما جاء في بيان لرئاسة الجمهورية، قال إن حيثيات الاستدعاء سيصدر لاحقاً. غير أن توقيت الاستدعاء يؤشر على أن المسألة تتعلق بالتصريحات المستفزة التي صدرت عن الرئيس الفرنسي وأوردتها الصحيفة السالف ذكرها.
ولم تتوان الجزائر في الرد على الرئيس الفرنسي بإجراءات "تأديبية"، حيث أعلنت عن إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية المتوجهة إلى منطقة الساحل، وهو ما كشف عنه ناطق باسم هيئة الأركان العامة الفرنسية، الكولونيل باسكال إياني، أن الحكومة الجزائرية حظرت على الطائرات العسكرية الفرنسية التحليق فوق أراضيها.
حملة انتخابية مبكرة
الخطوات الفرنسية تجاه الجزائر، هي( لمغازلة اليمين الفرنسي ) الذي ينادي دائماً بترحيل المهاجرين المغاربة وعودتهم الى بلدانهم ، وأن ما يقوم به ماكرون هي لأغراض انتخابية.
وترى بعض أحزاب اليمين المتطرف في فرنسا، أن قرار تقييد منح التأشيرات، يهدف إلى استقطاب ناخبيها في الانتخابات القادمة، وتساءل البرلماني اليميني، (ورلين برادي) عن مغزى هذه الخطوات ، مع اقتراب الانتخابات الفرنسية، مضيفاً في تصريحات صحفية أن الحكومة تتهافت في الوقت الحالي لإظهار قدر أكبر من الصرامة والسلطة والجميع يعرف ذلك.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يواجه معضلات داخلية تتعلق بالبطالة والاقتصاد، و لم يحقق الكثير مما وعد به الفرنسيين، ومن ثم فهو يسعى إلى مغازلة جمهور الناخبين، بقضايا تدغدغ مشاعرهم، فيما يتعلق بالمرحلة الاستعمارية، واستغلال قضايا المهاجرين لفرنسا، آملاً في كسب أصوات ناخبي الأحزاب اليمينية المتطرفة، والتي تركز خطابها تقليدياً على تلك القضايا.
حقد دفين تجاه العرب
لم يعد يخفى على أحد الحقد الدفين في صدر ماكرون تجاه العرب والمسلمين خاصة بعدما شهدنا منه بعد حادثة الصور المسيئة للنبي محمد(ص) وها هو مجدداً يصمت دهراً وينطق كفراً ويزيح الستار عن حقده الدفين تجاه بلد المليون شهيد، بلد العز والفخر والأمجاد.
ويبدو للوهلة الأولى أن ماكرون أُصيب بتلوث عقلي يجعله يهذي، أو أنه أثقل من شرب الخمر الذي أفقده القدرة على التمييز فيما ينطق به ، فأي وقاحة هذه ؟! وأي مجافاة للحقيقة ؟! وصلت إليها فرنسا، ولكن كما كان التحرير من الاستعمار الفرنسي ضربة موجعة لهم ونصراً مبيناً لنا ستبقى الجزائر قلب الأمة العربية النابض ورمز من رموز مقاومة الاحتلال ، وسيذهب ماكرون إلى مزبلة التاريخ ، وستظل الجزائر، بلد المليون شهيد قلعة من قلاع الحرية الصامدة في وجه المعتدين.