الوقت - وصل ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد، إلى باريس في 15 سبتمبر 2021، في زيارة رسمية للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وتأتي الزيارة بعد أن سافر وزير الخارجية الفرنسي "جان إيف لودريان" ووزيرة الدفاع "فلورنس بارلي" إلى الإمارات في 23 أغسطس، لبحث الوضع في أفغانستان ومسألة إجلاء المواطنين والدبلوماسيين الأجانب.
كانت الإمارات وفرنسا لاعبين رئيسيين في مختلف القضايا الإفريقية في السنوات الأخيرة، وكانت نقطة التحول في هذا التعاون هي الأزمة الليبية، وكذلك مواجهة السياسات التركية في هذه المنطقة.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما هي أهداف زيارة محمد بن زايد لباريس؟ وما هي دوافع ماكرون لاستقبال ولي عهد الإمارات؟
تطوير العلاقات الثنائية بين أبوظبي وباريس
الهدف الأول والأکثر متاحاً فيما يتعلق بزيارة محمد بن زايد إلى فرنسا، هو تعزيز التعاون الثنائي والعلاقات بين البلدين.
في الوضع الحالي، تستضيف أبو ظبي القاعدة العسكرية الفرنسية الدائمة التي تسمى "الظفرة". کما أن الإمارات هي أيضًا ثالث أكبر مشتر للأسلحة الفرنسية في جميع أنحاء العالم، ويبدو أن محمد بن زايد يسعى الآن إلى زيادة المشتريات العسكرية من باريس.
بالطبع، الجدير بالذكر أن العلاقات بين فرنسا والإمارات لا تقتصر على العلاقات العسكرية والاستراتيجية، بل إن العلاقات بين البلدين قد توسعت بشكل غير مسبوق في مجال العلاقات الثقافية والعلمية، مع إنشاء متحف اللوفر، فرع جامعة السوربون، بأبوظبي.
في الواقع، شهدت باريس وأبو ظبي حوارًا ثقافيًا إماراتيًا فرنسيًا بدأ في أوائل عام 2018 واستمر حتى يونيو 2019. وتم خلال هذه الفترة متابعة بعض البرامج الثقافية الفرنسية في الإمارات، والبرامج الإماراتية في فرنسا، وأهمها برنامج الأسبوع الثقافي الإماراتي في باريس والذي أقيم في أكتوبر 2018 بمشاركة عدد من الفنانين من كلا البلدين.
وبشكل عام، يبدو أنه في الوقت الحاضر وأثناء زيارة بن زايد لباريس، يسعى البلدان للمناقشة والتشاور في مختلف المجالات مثل تعزيز التعاون في مجال التعليم، والمنظمة الدولية للفرنكوفونية(الناطقة بالفرنسية)، والثقافة والاقتصاد والاستثمار، والطاقة والبيئة والصحة والتعاون الفضائي والأمن، والتعاون العسكري ومكافحة المنافسين المشتركين.
التقارب في السياسات الإقليمية مع التركيز على معارضة محور الإخوان بقيادة تركيا
يميل محمد بن زايد، من جهة، وإيمانويل ماكرون من جهة أخرى، إلى التقارب والتعاون في السياسة الخارجية حول عدو ومنافس مشترك، هو المحور الإخواني بقيادة تركيا ورجب طيب أردوغان.
على مدى العامين الماضيين، تصاعدت الخلافات بين فرنسا وتركيا كعضوين في منظمة حلف شمال الأطلسي(الناتو) إلى أعلى مستوى ممكن، حول قضايا واسعة النطاق مثل أنشطة ترکيا للتنقيب عن النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط، حضور أنقرة في ليبيا، أزمة ناغورنو كاراباخ، خلافات تركيا مع اليونان وقبرص ومصر، فضلاً عن الخلاف حول مناهضة ماكرون للإسلام ومقتل مدرس تاريخ في ضواحي باريس.
حتی في مرحلة ما، تصاعدت التوترات بين البلدين إلى درجة انطلقت شائعات حول نشر منظومة فرنسية مضادة للطائرات في المناطق التي تخضع لسيطرة الخليفة حفتر في ليبيا.
في الوضع الحالي، أصبحت تركيا مشكلةً كبيرةً بالنسبة لفرنسا، التي لا تريد علاقات وثيقة ومكثفة مع ترکيا في الناتو وقبولها كعضو في الاتحاد الأوروبي، ولا لديها القدرة على تجاهل هذا البلد. وقد أدى ذلك إلى تعاون باريس مع حلفائها في مواجهة سياسات أنقرة وإردوغان الإخوانية. وفي الوقت نفسه، فإن أحد الأعداء اللدودين للإخوان المسلمين في غرب آسيا هو محمد بن زايد والإمارات.
في الواقع، في السنوات التي تلت عام 2011، بدا أن تركيا والدول العربية، بقيادة السعودية والإمارات، يمكن أن تكون بينهما مجالات تعاون وتنسيق مع بعضهما البعض، لكن خلافًا للاعتقاد السائد فإن صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر بقيادة محمد مرسي قد دق ناقوس الخطر الأول للدول العربية.
لكن بعد انقلاب 2013 في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي، اندلعت مواجهة إقليمية كبرى بين العرب وتركيا. وهذا الاستقطاب لم يتضاءل في السنوات الأخيرة فحسب، بل اتخذ أيضًا أبعادًا أكثر تعقيدًا في مجالات مختلفة، مثل الأزمة الليبية.
فمن ناحية، الدول العربية المحافظة، المتأثرة بشدة بأفكار وسياسات ولي عهد الإمارات محمد بن زياد، تشعر بقلق عميق من وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في المنطقة. ومن ناحية أخرى، دعمت أنقرة جماعة الإخوان في شكل التعاون السياسي وحتى العسكري.
بشكل عام، يمكن القول إنه في السنوات الأخيرة، أصبح دعم جماعة الإخوان المسلمين أو معارضتها استقطابًا نشطًا وديناميكيًا على المستوى الإقليمي، وقد تجلت عناصره الأساسية في التطورات السياسية في تونس وليبيا ومصر وسوريا وغيرها.
وفي مثل هذه الأجواء، يبدو أن إيمانويل ماكرون ومحمد بن زايد سيتبعان استراتيجية التعاون في مجال السياسة الإقليمية، بالنظر إلی الأفكار والسياسات المشتركة لديهما والمعارضة لمحور الإخوان في المنطقة. وفي الوضع الجديد، فإن زيادة التعاون بين البلدين في سياق الأزمة في ليبيا وسوريا وحتى شرق البحر المتوسط أمر مرجح للغاية.
وفي هذا الصدد، يمكن أن تكون القوة المالية لدولة الإمارات والقوة الدبلوماسية والعسكرية لفرنسا، من أهم الضامنين لهذا التعاون الذي يركز على معارضة السياسات التركية.
جهود ماكرون لاستعادة الوضع التقليدي في غرب آسيا
على صعيد آخر، من المهم الإشارة إلى أن ماكرون وفرنسا يسعيان لاستعادة مكانتهما السابقة في المنطقة، من خلال العلاقات مع الدول الخليجية وغرب آسيا. وفي الواقع، تتوق باريس إلى إحياء الدور والموقع المؤثرين للحقبة الاستعمارية في غرب آسيا وشمال إفريقيا.
في السنوات الأخيرة، انخرطت فرنسا بسرعة في حروب عسكرية في إفريقيا - مثل ليبيا ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى - لكنها أصبحت مؤخرًا قوةً دبلوماسيةً في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من نجاح فرنسا في تأمين مصالحها الاقتصادية في غرب آسيا، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها بشكل كامل سياسيًا ببعض السياسات المتسرعة، كما هو الحال أمام سوريا وإيران.
وهكذا، في أواخر عهد فرانسوا هولاند وأوائل رئاسة إيمانويل ماكرون، حاولت باريس وضع سياسات أحدث على جدول الأعمال في أجزاء مختلفة من آسيا حسب الاقتضاء. ويكمن جوهر سياسات ماكرون في استعادة المجد الذي تصوره "شارل ديغول" سابقًا، لكن هناك بالتأكيد فوارق في تكتيكات ماكرون وبعض استراتيجياته.
من خلال دراسة بعض سياسات فرنسا الفاشلة في العقد الماضي، يسعى ماكرون للتعويض عنها من خلال تبني التعددية كسياسة عامة وناجحة، وذلك في شكل التحالف مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أجزاء مختلفة من العالم، وخاصةً في غرب آسيا.
في غضون ذلك، أدى انسحاب الولايات المتحدة من أوروبا والشرق الأوسط واللامبالاة بين الدول الأوروبية، إلى خلق فراغ جيوستراتيجي.
في الواقع، تبحث باريس عن طرق جديدة للحفاظ على استقلالها في السياسة الدفاعية وملء الفراغ الاستراتيجي، الناجم عن تراجع الاهتمام الأمريكي بأوروبا ومناطق أخرى مثل الشرق الأوسط. وکان ماكرون قد قال سابقًا إن القوى الإقليمية تعرف كيفية تحويل هذا الفراغ لصالحها.
وعليه، منذ صيف 2020، تحولت فرنسا بكل قوتها لمواجهة تركيا في ليبيا ومواجهة نفوذ طهران في لبنان. وفي ظل الوضع الجديد، أصبح التعاون مع الجيل الجديد من القادة العرب، وخاصةً محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، على أجندة ماكرون.