الوقت - تتصدر صادرات الوقود الإيراني إلى لبنان لحل أزمة هذا البلد، عناوين الصحف في الشرق الأوسط ووسائل الإعلام الغربية التي تغطي الأحداث في المنطقة؛ حدثٌ أثر على عدة ملفات في المنطقة فجأةً.
كان خبر بدء حركة سفن الوقود الإيرانية إلى لبنان، الذي أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في كلمة ألقاها في مراسم عاشوراء، نقطة أمل لأبناء هذا البلد الذين تضاعفت مشاكلهم المعيشية وأزمة الوقود في بلادهم، بعد إعلان إلغاء دعم الوقود من قبل "رياض سلامة" محافظ المصرف المركزي اللبناني ورجل الولايات المتحدة الأول في لبنان.
رحَّب اللبنانيون بهذا القرار بغض النظر عن طائفتهم أو مكونهم العرقي، وفي الوقت الذي لم تتخذ فيه الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية أي خطوات لمساعدة اللبنانيين على الرغم من ادعاء هذه الدول دعم لبنان، أصبح وقود إيران طوق نجاة اللبنانيين.
بصرف النظر عن التداعيات بعيدة المدى لإرسال الوقود الإيراني إلى لبنان من خلال الآلية المحددة، يمكن رؤية تأثير هذا الإجراء في الموقف السريع للأمريكيين والغرب؛ حيث قالت "دوروثي شيا" السفيرة الأمريكية في بيروت، بعد وقت قصير من سماعها نبأ توجه السفن الإيرانية إلى لبنان، إن الولايات المتحدة مستعدة لتسهيل استيراد الغاز من مصر والكهرباء من الأردن إلى لبنان، لمنع الوقود الإيراني من دخول لبنان.
لكن النقطة اللافتة للنظر هي أن استيراد الغاز من مصر إلى لبنان يجب أن يتم عبر الأراضي السورية، وهو أمر غير ممكن دون موافقة الحكومة السورية، ويجب على الولايات المتحدة أن تتفق مع دمشق على القيام بذلك، الأمر الذي يتطلب تخفيف العقوبات ضد سوريا أو إلغاء قانون قيصر بالكامل.
التحدي الكبير للولايات المتحدة والکيان الإسرائيلي أمام السفينة الإيرانية
بناءً علی ذلك، فإن الأمريكيين في وضع متناقض، فمن ناحية، ينوون منع استيراد الوقود الإيراني إلى لبنان، ومن ناحية أخرى يريدون استمرار العقوبات ضد سوريا.
في السياق نفسه، فضَّل الکيان الصهيوني، الذي يعتبر إلى جانب الولايات المتحدة أحد أكبر متضرري تصدير الوقود الإيراني إلى لبنان، التزام الصمت في الوقت الحالي، ولم ينطق حتى بتهديداته المعتادة ضد السفن الإيرانية، لكن خوف الصهاينة وقلقهم من هذا العمل يمكن رؤيته بوضوح في التقارير الإعلامية وتعليقات خبراء الکيان.
قراءة الإعلام والخبراء الصهاينة لتصريحات السيد حسن نصر الله حول تحرك السفن الإيرانية إلى لبنان، وکذلك تحذير الأمين العام لحزب الله من أي هجوم على هذه السفن، هي أن أي تحرك ضد السفن الإيرانية، إضافةً إلى الرد الإيراني، سيقابل برد فعل من حزب الله، ونتيجةً لذلك تصعيد للصراع على الحدود الشمالية.
من ناحية أخرى، فإن صمت الکيان الإسرائيلي على وصول سفن الوقود الإيرانية إلى بيروت، بغض النظر عن حقيقة أنه يثبت للمجتمع الصهيوني والدول الأخرى خواء جميع التهديدات السابقة، فإنه يزيد من شعبية حزب الله في لبنان ويوسع نفوذ إيران في لبنان؛ وهذا يعني فشل كل مشاريع واشنطن وتل أبيب ضد المقاومة اللبنانية.
يمكن دراسة النتائج الإيجابية المبكرة لتصدير الوقود الإيراني إلى لبنان من خلال الأبعاد التالية:
- على الصعيد الداخلي، أعرب اللبنانيون، بغض النظر عن مناطقهم أو مكوناتهم، وحتى أولئك الذين ينتمون إلى انتماءات معادية لحزب الله، عن ارتياحهم لواردات الوقود من إيران، على أمل أن يساعد ذلك في حل أزمة الغذاء والدواء والسيطرة على الوضع الاقتصادي في لبنان.
- إضافة إلى ذلك، فإن نجاح السيد حسن نصرالله في إنقاذ اللبنانيين من أزمة المحروقات، قدَّمه مرةً أخرى كمنقذ لكل اللبنانيين وزعيم يعمل بجد لحل أزمات البلاد؛ کما اتضح للجميع الوجه الحقيقي لبعض السياسيين اللبنانيين المنخرطين في مشارکة الولايات المتحدة محاصرة لبنان وإثارة الفتنة داخل البلاد.
- كذلك، فإن استيراد المحروقات من إيران، سيکسر احتکار الشركات الكبيرة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة ومرتزقتها داخل لبنان، والتي تحتجز السوق اللبنانية وتحدد سعر البضائع كما يحلو لها، بغض النظر عن أوضاع الناس المعيشية الصعبة.
- لم ينجح حزب الله في كسر معادلة مجرد التفاعل مع الدول التابعة للولايات المتحدة في لبنان فحسب، بل خلق أيضًا معادلةً جديدةً يمكن بموجبها أن يتجه اللبنانيون إلى الشرق لحل أزمتهم الاقتصادية، وعلى رأسه جمهورية إيران الإسلامية؛ ومن ثم يمكن للبنان أن يعمل بحرية في التجارة والاقتصاد ويخرج تدريجياً عن السيطرة الأمريكية.
- هذا القرار، إضافة إلى السفارة الأمريكية وأدوات واشنطن داخل لبنان، مثل رئيس الوزراء السابق سعد الحريري وزعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذين بدؤوا في اتخاذ مواقف معادية لإيران وحزب الله لجذب الاهتمام الأمريكي والسعودي، كشف عن الوجه الحقيقي لبعض الدول الخليجية المتورطة في حصار لبنان.
- من ناحية أخرى، كما ذكرنا، أجبرت صادرات إيران من الوقود إلى لبنان الولايات المتحدة على استيراد الغاز من مصر إلى لبنان عبر الأراضي السورية. وفي هذا الصدد، سافر وفد وزاري لبناني(السبت 4 أيلول) إلى سوريا لأول مرة منذ عشر سنوات، لوضع الأسس لخطة نقل الكهرباء من الأردن إلى لبنان لتخفيف أزمة الكهرباء في لبنان.
الأبعاد الاستراتيجية لزيارة الوفد اللبناني إلى سوريا
- كانت زيارة الوفد اللبناني لسوريا للتفاوض على استيراد الغاز خطوةً غير مسبوقة، تظهر أن الأمريكيين اضطروا عن غير قصد إلى تخفيف الضغط على دمشق وبيروت. وقد أكد الرئيس السوري بشار الأسد خلال اللقاء استعداده لتقديم کل أنواع الدعم للأشقاء اللبنانيين.
- يشار إلى أن القرار الأمريكي استيراد الغاز من مصر إلى لبنان عبر الأراضي السورية، وهو ما دفع الوفد اللبناني للسفر إلى دمشق لبحث الموضوع، جاء بعد قرار حزب الله استيراد الوقود من إيران، وأثبت أن المقاومة كسرت هذا الحصار.
- هذا الأمر سيمهد الطريق لحزب الله لمضاعفة جهوده لكسر الحصار الجائر الذي تفرضه الولايات المتحدة على لبنان. وقد يؤثر ذلك حتى على محادثات ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وحتى الشركات الإيرانية قد تستخدم لاستخراج الغاز والنفط من لبنان.
- يمكن لهذه الخطوة أيضًا أن تمهد الطريق لدول مثل روسيا وإيران والصين للاستثمار في لبنان، وإخراج الاقتصاد اللبناني من السيطرة الغربية.
- إجراء المقاومة هذا، بعد الهزيمة المهينة للولايات المتحدة في أفغانستان، حطَّم الهيمنة الأمريكية، ويمكن أن يكون حافزًا للشعوب الأخرى في المنطقة للخروج من سيطرة واشنطن.
إضافة إلى ما سبق، فقد أدت آلية استيراد الوقود الإيراني إلى لبنان، والتي تم تنفيذها بالتعاون مع الأطراف الثلاثة الرئيسية لمحور المقاومة، وهي إيران وسوريا ولبنان، إلى خلق معادلة كسرت حصار ثلاث دول بضربة واحدة، وفقاً لما قاله السيد هاشم صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله.
وأخيراً، فإن مساعدة إيران للبنان في تجاوز الأزمة، في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة وأدواتها علناً لإغراق اللبنانيين في أزمات أخرى، توضح للشعب اللبناني من هو الصديق والعدو الحقيقي.