الوقت_ بالتزامن مع التصعيد الصهيونيّ المتصاعد بفرض حصار خانق لتجويع وتعذيب سكان قطاع غزة المحاصر منذ سنوات، بيّنت حركتا حماس والجهاد الإسلاميّ مؤخراً، أنّ ما أعلنته تل أبيب من تسهيلات لصالح قطاع غزة “خطوة غير كافيّة”، وطالبتا بإنهاء تشديد حصار القطاع بشكل كامل، وتسعى المقاومة الإسلامية وبالأخص حماس إلى استثمار نتائج المعركة العسكرية الأخيرة مع العدو الصهيونيّ لإنهاء الحصار الإسرائيليّ لقطاع غزة، لكن هذا الأمر لا يسير بشكل جيد بسبب التعنت الإسرائيليّ في ربط قضيّة إعادة إعمار قطاع غزة وفك الحصار عنها بتسوية قضية أسرى الجنود الصهاينة الأربعة لدى الحركة، والذي أسر 2 منهم خلال الحرب العدوانيّة على غزة صيف عام 2014 أما الآخران فدخلا غزة في ظروف غامضة.
إنهاء الحصار
من المعروف أنّ تل أبيب تريد إقحام ملف إعادة 4 أسرى ومفقودين لدى حماس في غزة كشرط لفك أو تخفيف الحصار وإعمار القطاع المتضرر بشدة جراء عدوانها الأخير في مايو/ أيار المنصرم، والذي تسبب بسقوط أكثر من 275 شهيداً فلسطينيّاً، نصفهم تقريباً من الأطفال والنساء، وإصابة ما يقارب 9000 آخرين، ناهيك عن الخراب الذي خلّفه العدوان الغاشم، فيما أعلن الناطق باسم "حماس"، حازم قاسم، أنّ الحركة تجري اتصالات مكثفة مع وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار مع الكيان الصهيونيّ لإلزامه بإنهاء حصار غزة.
وتعقيباً على إعلان سلطات العدو المجرم، الجمعة الفائت، عن القليل من التسهيلات لصالح القطاع تشمل السماح بإدخال ألف عامل من غزة إلى داخل الأراضي المحتلة ومنح تصاريح تنقل إلى 350 تاجراً لأول مرة منذ نحو عام ونصف، إضافة إلى حديث إعلام العدو أنّه سيتم السماح بتصدير كافة أنواع البضائع والمنتجات من القطاع المحاصر مثل ما كان عليه الحال قبل الحملة العسكريّة الصهيونيّة، إلى جانب توسيع الصادرات إلى غزة، بما في ذلك المعدات لقطاعي المواصلات والاتصالات، وإدخال البضائع والمعدات لصالح المشاريع الإنسانيّة، قال قاسم بحسب تصريحات للصحافيين، إنّ “التسهيلات التي يتحدث عنها الاحتلال لقطاع غزة غير كافية وهي خطوات لا تتجاوب مع مطالب إنهاء الأزمة الإنسانية في القطاع”.
والدليل على ما ذكره الناطق باسم حماس، هو أنّ العدو الباغي يواصل منع دخول المرضى من قطاع غزة لمستشفيات الضفة المحتلة والداخل المحتل للعلاج، في جريمة أخرى تضاف إلى جرائم الحرب الأخيرة التي تسببت فيها الآلة العسكريّة للكيان خلال هجومها الذي استمر 11 يوماً، والتي استهدف المواطنين ومنازلهم والأبراج السكنيّة والبنى التحتيّة والمؤسسات الصحيّة والتعليميّة وخطوط المياه والكهرباء وتمديدات الصرف الصحيّ، في إجرام ممنهج من قبل الكيان الصهيونيّ العنصريّ الذي لم يترك نوعاً من "جرائم الحرب" إلا واستخدمه ضد أصحاب الأرض والمقدسات، بدءاً من تعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم أو إعدامهم، ومروراً بالجرائم الموجهة ضد المدنيين والتعدي على ممتلكاتهم الشخصية وتهجيرهم قسريّاً، وليس انتهاءاً عند التعذيب والإبادة الجماعيّة، في ظل غياب فاضح لمحاسبة قادة الاحتلال على ما اقترفوه ويقترفوه من جرائم ضد الإنسانيّة في قطاع غزة، وإهمال كافة دعوات التحقيق في جنايات العدو المستبد.
وفي الوقت الذي يفرض فيه العدو المجرم، قيوداً صارمة جديدة منذ انتهاء العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزة ويمنع تنقل المرضى، في تعدٍ صارخ على حقوق الإنسان خاصة بعد ما ارتكبه العدو السفاح من جرائم في غزة، والتي لا يمكن أن تصفها الكلمات من هول الظُلم والاستبداد الذي تخطى جرائم الحرب بأشواط، ذكر قاسم أن الحركة تتواصل مع الوسطاء خاصة في مصر لرفع الحصار وإنهاء كل ما تم فرضه منذ أيار/مايو الماضي، على إثر جولة التصعيد العسكريّ الأخيرة مع المحتل، حيث إنّ قطاع غزة لا يزال مغلقاً أمام العاملين في المجال الإنسانيّ والحالات الطبية بسبب الإجرام الصهيونيّ رغم الانتقادات الدوليّة التي لا تصل لمستوى العدوان الإسرائيليّ.
إرهابٌ إسرائيليّ
نوّه الناطق باسم حركة الجهاد الإسلاميّ، طارق سلمي، إلى أنّ "إرهاب الاحتلال الصهيونيّ وعدوانه المتمثل في الحصار ومنع الإعمار يأتي في سياق محاولة التغطية على فشله الأمنيّ والعسكريّ وابتزاز الشعب الفلسطينيّ والضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة"، وذلك عقب الحرب الأخيرة التي شنّتها قوات الاحتلال على قطاع غزة المحاصر، والتي تركت العدو في صدمة من نتائجها على مختلف المستويات بعد الرد الحازم للفصائل الفلسطينيّة، في ضربة قوية وجهتها حماس والفصائل الفلسطينيّة للمحتل الصهيونيّ القاتل، في انتصار كبير للفلسطينيين باعتراف الإعلام العبريّ نفسه.
وتجمع فصائل المقاومة على أنّ الهدف من التطاول والاعتداء الإسرائيليّ، هو التستر على هزيمة العدو وتقليل الانهيار الكبير بعد انتصار المقاومة في معركة "سيف القدس"، التي اعتبرها الصهاينة حتى نصراً كبيراً للمقاومة، بالرغم من محاولة إخفاء ذلك من بعض المسؤولين، حيث حمل الانتصار رسائل تحدٍّ كبيرة، بالأخص في العاصمة الفلسطينيّة المحتلة، لردع عمليات اقتحام المسجد المبارك من قبل الصهاينة المتشددين، وصدّ محاولات سلب منازل الفلسطينيين.
وفي ظل تأكيد فصائل المقاومة الفلسطينيّة على أنّ محاولة فرض أيّ معادلات جديدة من قِبَل الاحتلال على الفلسطينيين باتت وراء ظهورهم، خاصة في ظلّ محاولة العدو القاتل فرض معادلة جديدة بشأن العديد من الملفات، قال سلمي: "إن تشديد حصار غزة إرهاب لن نستسلم أمامه بل سنواجهه ونتصدى له، والمقاومة لن تسمح للاحتلال باتخاذ الحصار وسيلة لإخفاء فشله، فالحصار إمعان في العدوان"، ويسعى الكيان الصهيونيّ أكثر فأكثر لتغييب كافة القرارات الدوليّة بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحته لأرواحهم، إضافة إلى خرقه الفاضح لكل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان.
ومن الجدير بالذكر أنّ الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة يقومون بشكل دائم بالتعبير عن غضبهم من الظلم الكبير الذي يتعرضون له من سلطات العدو، عبر إطلاق البالونات الحارقة على ما يسمى "غلاف غزة"، لأنّ الكيان ومنذ 15 عاماً يقوم بتشديد الحصار بشكل أكبر على قطاع غزة، من خلال فرض حصار بريّ عبر إغلاق المنافذ ومنع حتى المرضى من الخروج للعلاج، وآخر بحريّ إما بمنع الصيد أو تقليل مساحته، ومؤخراً سمحت تل أبيب بفتح جزئيّ لمعابر قطاع غزة وإدخال الاحتياجات الإنسانيّة الأساسيّة مع إبقاء قيود واسعة على الواردات وعمليات التصدير بما في ذلك رفض إدخال منحة ماليّة قطريّة.
وفي وقت سابق، اشترك مسؤولون صهاينة إعادة إعمار غزة وتخفيف القيود المشددة على القطاع بالتوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع حماس تضمن عودة أفيرا منغيستو وهشام السيد ورفات الجنديين الإسرائيليين هدار غولدين وأورون شاؤول، اللذين لقيا مصرعهما في حرب 2014، وتؤكّد حركة حماس أنّ مبدأها هو "الأسرى مقابل الاسرى"، لأنّ إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال الغاصب أصبح يخضع لـ "صفقة تبادل" أكثر منه استجابة مطلبية لواقعهم الصعب، خاصة أنّ المعاناة التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون داخل سجون العدو تتفاقم يوماً بعد آخر على جميع المستويات، ويعتقل الكيان آلاف الفلسطينيين في سجونه، بينهم مئات المرضى والسيدات.
وما ينبغي ذكره أنّ الجرائم الصهيونيّة تزايدت مؤخراً بحق الفلسطينيين وبالأخص المرضى المحاصرين في قطاع غزة، بسبب صمت العالم والمنظمات الدوليّة المعنية بحقوق الإنسان على الانتهاكات البشعة للعدو الغاصب، وهذا ما يدفعه لارتكاب تلك الجرائم الوحشيّة بحق الأبرياء، في الوقت الذي يتعرض فيه الكيان الصهيونيّ لانتقادات دائمة حول خروقات حقوق الإنسان التي تتم في الأراضي المحتلة الموجهة ضد الفلسطينيين، بما يشبه نظام “أبرتهايد" أو الفصل العنصريّ تذكيرًا بنظام الحكم الأبيض والفصل العنصريّ في جنوب إفريقيا الذي انتهى عام 1994، خاصة في السنوات الأخيرة مع ترسيخ الكيان الغاصب لاحتلاله الضفّة الغربيّة، وقد تبنّى كتّاب إسرائيليون، وجنرالات سابقون وساسة معارضون للحكومة اليمينيّة مصطلح “أبرتهايد” بشكل متزايد في السنوات الماضية.
بناء على ذلك، إنّ التطبيع المزعوم مع العصابات الصهيونيّة، أظهر من جديد أن التعامل السلميّ معها لا يؤدي سوى إلى تشديد عدوانها، وأنّ الأنظمة العربيّة المطبعة شريكة في جرائم العدو التي يمارسها بحق الأهالي المحاصرين في غزة وبالأخص المرضى والمصابين منهم، في ظل تحركات صهيونيّة مكثفة للتضييق على أصحاب الأرض والقضاء على حقوق الشعب الفلسطينيّ، وتصفية قضيتهم العادلة.
في النهاية، إنّ الشعب الفلسطينيّ ومقاومته، لن يخضعا للحصار الصهيونيّ، وسيواصلون طريق النضال والكفاح دفاعاً عن أبسط حقوقهم، وإنّ تمسك حماس والفصائل الفلسطينيّة بضرورة فك حصار غزة وإعادة إعمارها، ينبع من ضرورة وضع حد لمعاناة الأهالي داخل القطاع، وإفشال محاولات تل أبيب تدمير حياتهم وعزلهم عن أراضي بلادهم المحتلة، وإذا ما دعمت القاهرة موقف حماس ستضطر تل أبيب المهزومة في سيف القدس لتقديم التنازلات في تلك القضية.