الوقت- جاء وزیر الدفاع الأمریکي آشتون كارتر لينطق بإسم الضعف الأمريكي. هكذا يمكن بإختصار توصيف تصريحات وزير الدفاع الأمريكي الأخيرة. من تبريرٍ لدعم الإرهاب الى مهاجمةٍ للتعاظم الروسي، وصولاً لتحريضٍ العرب على إيران مروراً بالحديث عن تسليح ودعم الدول المحيطة بالصين و عبَّر كارتر عن حجم تراجع نفوذ واشنطن، لتضطر لإستخدام الحرب بالوكالة. في حين يبقى وصفه لخطر موسكو بأنه أكبر من خطر داعش محط جدل. فماذا في كلام كارتر الأخير؟ وما هي دلالاته الإستراتيجية؟
كلام كارتر الأخير
قال وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر إن روسيا تصب البنزين على النار في سوريا، و وصفها بأنها دولة مفسدة لترتيب النظام العالمي، على حد وصفه. وأضاف كارتر في خطاب له أمام منتدى ريغان القومي للدفاع يوم السبت، أنه على الرغم من أن تنظيم داعش يشكل تهديداً للقيم الأميركية، فإن روسيا تشكل ضرراً أكبر على واشنطن. وتعهد بردع ما سماه العدوان الروسي في العالم بكل أشكاله، سواء أكان عبر البحر أو الجو أو في الفضاء الإلكتروني، بحسب تعبيره. وأوضح أن واشنطن تحدّث ترسانتها النووية وتستثمر في وسائل فائقة التطور مثل الطائرات بلا طيار والقاذفات البعيدة المدى والليزر والحرب الإلكترونية والمدافع الكهرومغناطيسية، ملمحاً لوسائل عسكرية جديدة مفاجئة لا يمكنه توصيفها حالياً.
التحليل والدلالات
لا شك أن مقاربة الصراع الدولي الذي يحصل في العالم لا سيما بين الأقطاب أمريكا وروسيا والصين بالإضافة الى القطب الجديد إيران، يأخذنا الى فهم طبيعة وقواعد الإشتباك الدولي. فبين المصالح التي قد تجمع الأطراف أحياناً، قد تكون الخلافات سبباً لحربٍ تختلط بين البرودة والسخونة، لكنها تتجاوز مرحلة الخطر. في حين لا بد من إستثناء طهران من قاعدة معيار المصلحة أو سياسة المصالح، لسبب أن أصل علاقاتها تحكمه مبادئ ثابتة حتى بإختيار الأطراف وطبيعة العلاقة معهم. ولأن الصراع المُحتدم اليوم يدور بين واشنطن وموسكو، نُسلط الضوء على الجانب الذي يتعلق بهذا الإطار في تصريحات كارتر. مع الإشارة الى أن الصراع بين واشنطن والصين قائمٌ لكنه دون مستوى الصراع الأمريكي الروسي. كما أن الصراع بين واشنطن وطهران تاريخي تحكمه قواعد أخرى. فماذا في تصريحات كارتر، وإعتباره موسكو خطراً أكبر من داعش؟
- تعتبر تصريحات كارتر تغيراً استراتيجياً في السياسات الأميركية لمواجهة الدور العسكري الروسي. ولعله قد يُنزل الطرف الأمريكي الى الميدان بشكلٍ مباشر. وهنا لا بد من الإشارة الى أن كلام كارتر جاء بعد إعلان الرئيس الأميركي عن إرسال عشرات الجنود الأميركيين إلى سوريا في مهمة مفتوحة. وهو الأمر الذي تجنبته واشنطن في السنوات الخمس الأخيرة .
- لكن تعاظم النفوذ الروسي وعدم أهلية الأطراف التي تُدير الحرب بالوكالة لا سيما الدول الخليجية وتركيا، الى جانب فشل الدعم المباشر لداعش في تهديد التعاظم الروسي، جعل واشنطن تجد نفسها مضطرةً لتحضير أرضيةٍ تلزمها في حال قررت النزول الى الميدان مباشرةً وتبرير قتال موسكو. فكلام كارتر الذي يدل على حجم الضعف في نفوذ أمريكا في المنطقة، يدل من جهةٍ أخرى على أن واشنطن لا تنظر إلا لمصالحها.
- فداعش كانت تُؤمِّن جزءاً وفيراً من مصالح أمريكا والغرب الى جانب أنها كانت ورقة في خيوط اللعبة السياسية. بل يمكن القول أنها كانت الورقة الأخيرة لواشنطن في المنطقة. لكن أمريكا اليوم تجد نفسها أمام واقعٍ جديد. فالتحالف الذي أنشأته لم يعد يستطيع ترسيخ حضوره في الميدان السوري نتيجة حضور موسكو مباشرةً. وهو الأمر الذي يفرض التنسيق معها. كما أن كافة حلفاء واشنطن ومن ضمنهم الكيان الإسرائيلي يغرقون في تهديداتٍ جيوسياسية وعسكرية داخلياً وخارجياً.
إن الحديث عن واقع المنطقة أمرٌ يقود لمسائل قد تكون خطيرةً من الناحية العسكرية. فمستقبل العالم اليوم لم تعد تُديره حروبٌ باردة يمكن من خلالها ان تتوافق الأطراف على تقاسم النفوذ. فقد وصلنا الى مرحلةٍ أصبح فيها حضور طرفٍ يعني زوال الآخر. وهو الحال بين موسكو وواشنطن. في حين يتساءل العديد من المراقبين عن ماهية تصريحات كارتر. فالرجل لا يمكن أن يتكلم إلا كوزير دفاع. وهنا وفي ظل إعتباره موسكو خطراً أكبر من داعش، فهل يُبرر كارتر لأي عملٍ عسكريٍ ضد موسكو حمايةً لمصالح واشنطن؟ سؤال سيبقى رهن مستوى الحماقة الأمريكية.