الوقت- منذ ما يزيد علی خمسة وثلاثين عاما ولازالت أمريكا تستمر بتهديداتها العسكرية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، دون أن تجرأ علی تنفيذ هذه التهديدات، ليس في الوقت الراهن الذي أصبحت فيه إيران القوة العسكرية الاولی في منطقة الشرق الاوسط فحسب، لا بل حتی خلال العقود الثلاثة الماضية التي كانت فيها إيران تستورد معظم ما تحتاجه للدفاع عن شعبها من الخارج. حيث كرر وزير الدفاع الأمريكي «اشتون كارتر» مؤخرا خلال لقاء صحفي مشترك مع وزير الحرب الاسرائيلي «موشيه يعالون»، بان الرئيس الأمريكي «باراك اوباما» طلب منه أن يبقي الخيار العسكري مطروحا علی الطاولة لمواجهة إيران، في حال استلزم الأمر ذلك، بالرغم من نجاح المفاوضات النووية مع إيران، التي أدت الی إبرام اتفاقية مشتركة بينها وبين السداسية الدولية. فما فحوی هذه التهديدات الأمريكية ضد إيران، بالرغم من تقدم المفاوضات النووية، واقترابنا من موعد رفع العقوبات المفروضة علی إيران بشكل كامل؟
لا شك أننا لا نريد إنكار هذه القضية، أن لامريكا قوة عسكرية هائلة لايمكن الاستهانة بها، فهي تعتبر القوة العسكرية الاولی علی مستوی العالم، لكن ما نود الإشارة الیه هو أن إيران أيضا باتت تمتلك من الأسلحة محلية الصنع ما يمكنها من الدفاع عن نفسها بكل جدارة، أمام القوة العسكرية الأمريكية. هذه القوة التي باتت تمتلكها إيران هي التي تمنع واشنطن من شن أي عدوان عليها كما فعلت في فيتنام وأفغانستان والعراق. فواشنطن تعرف جيدا أن جميع قواتها وحاملات طائراتها في الشرق الاوسط باتت الیوم في مرمی الصواريخ الإيرانية، حيث ستكون هذه القوات الأمريكية عرضة لاطلاق الآلاف من الصواريخ الإيرانية، رخيصة الثمن وهائلة الدمار بسبب إنتاجها محليا.
وفي هذا السياق ثمة من يعتقد أن الهدف من تهديد إيران بالخيار العسكري من قبل الأمريكيين، هو الاستمرار بالعمل علی مشروع تخويف المنطقة من دور إيران، وكذلك عرقلة دخول الإستثمارات الاجنبية لإيران حتی إذا ما تم رفع العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها حالیا. وذلك بسبب أن واشنطن لا تريد للإقتصاد الإيراني أن يتعافي بشكل كامل بعد تنفيذ الإتفاق النووي بين الاطراف الموقعة علیه. حيث أن التهديدات العسكرية الأمريكية ستخيف الشركات الكبری من استثمار أموالها داخل إيران خاصة في مجال الطاقة والبترول. وتريد واشنطن أن تبقی إيران معزولة في العالم، رغم أنها الیوم ورغم جميع العقوبات الإقتصادية المفروضة علیها، تعتبر لاعبا بارزا في قضايا الشرق الاوسط. وهذه المساعي لعزل إیران دوليا واقليميا من قبل أمريكا تاتی بسبب معرفة واشنطن أنه في حال استعادة إيران جميع علاقاتها مع المجتمع الدولي وخرجت من أزمتها الإقتصادية الراهنة، فانه سوف يصبح بوسع طهران دعم حلفائها الإقليميين في سوريا والعراق ولبنان والیمن وفلسطين بشكل أكبر.
وإذا ما نظرنا الی تصريحات المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين والسعوديين والبحرينيين تجاه إيران، وزعمهم حول أن إيران تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي، فاننا نجد أن ما يقوله مسؤولو هذه الدول بالاضافة الی الكيان الإسرائيلي، في هذا السياق، أنها مزاعم متشابهة الی حد كبير. حيث سمعنا وزير الخارجية البحريني، «خالد بن أحمد آل خليفه» يقول الأمس إن «الدعم الإيراني للتخريب في الدول العربية يمثل تهديداً كبيراً للمنطقة مثله مثل تنظيم داعش» علی حد زعمه. وفي هذا السياق قال وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» أيضا (السبت) في مؤتمر أمني في العاصمة البحرينية المنامة، إن السعودية تأمل في أن تستغل طهران العائدات المالیة التي ستتدفق علیها بعد رفع العقوبات الإقتصادية، «في التنمية الإقتصادية لا في السياسات العدائية»، وهذه التصريحات الأمريكية والسعودية والبحرينية، تتطابق تماما مع يقوله علی الدوام «نتانياهو»، بان رفع العقوبات الإقتصادية عن إیران سيمكنها من استثمار أموال أكثر في مجال دعم الإرهاب، علی حد زعمه، فما هذا التشابه الغريب بين جميع هذه الوجهات تجاه إيران؟
وفي ظل هذه التهديدات المتواصلة من قبل أمريكا والكيان الإسرائيلي، فان إيران أيضا تواصل تأكيداتها علی أنها ليست فقط قادرة علی ردع هذه التهديدات فحسب، بل بامكانها تسوية العديد من المدن الإسرائيلية بالارض، في حال تعرضت لاي إعتداء من قبل تل أبيب أو واشنطن. حيث أكد وزير الدفاع الإيراني اللواء «حسين دهقان» اليوم في رده علی التهديدات الأمريكية والإسرائيلية الاخيرة ضد بلاده، أن طهران كانت وستظل مستعدة للرد علی الممارسات الخبيثة للكيان الإسرائيلي وأمريكا. وفي الاسابيع الماضية كشفت إيران عن إحدى المدن الصاروخية دون الفصح عن مكانها، حيث تقع في عمق 500 متر تحت الأرض والجبال، وبداخلها عدد غير معروف من الصواريخ (ربما تكون المئات أو الالاف من الصواريخ). وفي هذا السياق أكد اللواء «أمير علي حاجي زاده» قائد القوة الجوفضائية في الحرس الثوري الإيراني، في حديثه مع التلفزيون الإيراني حول هذه المدن الصاروخية، أنه حتی في حال تم إكتشاف بعضها عبر الاقمار الصناعية، فان ذلك ليس مبعثا للقلق لان هذه المدن الصاروخية منتشرة في شتی المحافظات الإيرانية.
وختاما لهذا الحديث فاننا نعتقد أنه علی أمريكا أن تكف عن تهديداتها الفارغة لإيران، لأنها تعرف جيداً وأكثر من أي دولة اخری القدرات العسكرية الإيرانية والرد الإيراني المزلزل علی أي إعتداء محتمل. كما علی دول المنطقة التي تعزف علی وتر الخصومة والعداء تجاه إيران، أيضا أن تستبدل العداء بالتعاون البناء مع طهران، لان هذه الدول تعرف جيدا أن إيران حريصة علی أمن المنطقة ولم تكن في يوم من الايام قد اعتدت علی جيرانها، بل هي الیوم تدافع عن شعوب المنطقة أمام خطر داعش والكيان الإسرائيلي، بعيدا عن الإتهامات الزائفة التي تتهم إيران بانها تحتل 4 دول عربية.