الوقت- عقب تأكيده قبل أيام أنّ الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة لا يمكن أن تتخلى عن واجبها تجاه القدس والمسجد الأقصى، دعا وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، دول منظمة التعاون الإسلاميّ التي تضم 57 دولة إسلاميّة إلى إصدار قرار يتم من خلاله إطلاق صفة "الفصل العنصريّ" على الكيان الصهيونيّ، ووضع جرائمه على قائمة "التطهير العرقيّ"، وتأتي المطالبة الإيرانيّة تلك، بعد أشهر على تصريحات منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية، وهي مركز إسرائيليّ غير حكوميّ مختص بحقوق الإنسان في الأراضي التي يحتلها العدو الصهيونيّ الغاصب، والتي أشارت إلى أنّ حقوق الفلسطينيين أقل من حقوق اليهود في المنطقة بأكملها بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، وأنّهم يعيشون تحت أشكال مختلفة من السيطرة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة وقطاع غزة والقدس الشرقيّة وداخل الأراضي المحتلة نفسها.
لم يأت الوزير الإيرانيّ بصفة جديدة للكيان العنصريّ لكنه وعلى ما يبدو يريد إلقاء الضوء على حقيقة الكيان الغاصب للأراضي العربيّة وزرعها أكثر في نفوس العرب والمسلمين، وخاصة أنّ الإسرائيليين أنفسهم يتحدثون عن منهجيّة الكيان العدوانيّة على أصحاب الأرض والمقدسات، وقد ذكرت تقارير إسرائيليّة أنّ فلسطين منطقة جيوسياسيّة واحدة تحكمها حكومة واحدة (جيوسياسيّة: السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الوصول إليه)، وأوضحت أنّ هذه ليست ديمقراطيّة بجانب احتلال، بل "أبرتهايد" (نظام فصل عنصريّ) بين النهر والبحر.
وأكبر دليل على واقعيّة دعوة المسؤول الإيرانيّ، هو ما قاله مدير منظمة بتسليم الإسرائيليّة قبل بضعة أشهر، حغاي العاد، والذي تحدث أنّه من خلال تقسيم المناطق واستخدام وسائل سيطرة مختلفة، يخفي الكيان الصهيونيّ حقيقة أنّ ما يقارب الـ 7 ملايين يهودي و7 ملايين فلسطينيّ يعيشون في ظلّ نظام واحد ذي حقوق غير متساوية إلى حد كبير، مضيفاً "نحن لا نقول أنّ درجة التمييز التي يجب أنْ يتحملها الفلسطينيّ هي نفسها إذا كان أحد مواطني الكيان الاسرائيليّ أوْ إذا كان أيّ أحد آخر محاصراً في غزة، النقطة المهمة هي أنّه لا يوجد معيار واحد يتساوى فيه الفلسطينيّ واليهوديّ بين النهر والبحر أي في فلسطين المحتلة".
وقد جاءت الدعوة الإيرانيّة في ظل وصول الإجرام الصهيونيّ إلى درجة لا يمكن تخيلها، حيث أدانت إيران بشدة عدوان الكيان الغاشم على أرض فلسطين والقدس الشريف وغزة الأبية، والذي أدى إلى استشهاد العشرات من المدنيين من النساء والأطفال، وتدمير العديد من المباني السكنية والمنازل والبيوت المأهولة، الأمر الذي يشكل انتهاكا فاضحا لمبادئ حقوق الإنسان والقوانين الدوليّة.
ويتعرض الكيان الصهيونيّ لانتقادات دائمة حول خروقات حقوق الإنسان التي تتم في الأراضي المحتلة الموجهة ضد الفلسطينيين أو الإسرائيليين، بما يشبه نظام “أبرتهايد" أو الفصل العنصريّ تذكيراً بنظام الحكم الأبيض والفصل العنصريّ في جنوب إفريقيا الذي انتهى عام 1994، فيما تُعرِّف المحكمة الجنائية الدوليّة "الأبرتهايد" بأنّه نظام مؤسسيّ لقمع وهيمنة منهجيين من قبل مجموعة عرقية واحدة، وفي السنوات الأخيرة مع ترسيخ الكيان الغاصب لاحتلاله الضفّة الغربيّة، تبنّى كتّاب إسرائيليون، وجنرالات سابقون وساسة معارضون لحكومتها اليمينيّة مصطلح “أبرتهايد” بشكل متزايد.
ووضع ظريف خلال الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلاميّ يده على الجرح كما يقول المثل العربيّ، حيث أكّد أنّ "القتل الجماعيّ للأطفال الفلسطينيين يتم اليوم بعد التطبيع المزعوم مع الكيان الصهيونيّ المجرم الذي أظهر من جديد أن التعامل السلمي معه لا يؤدي سوى إلى تشديد قساوته، في ظل تحركات صهيونيّة مخادعة لبث الفرقة بين المسلمين وتهميش الشعب الفلسطينيّ.
وبالتزامن مع تكثيف الهجمات الصهيونيّة على الفلسطينيين، بعد فشل محاولات سلب ديارهم في العاصمة الفلسطينيّة المحتلة، دعا الوزير الإيرانيّ إلى تأسيس منظمة رقابية دولية تعنى برصد دقيق وتوثيق للجرائم التي يمر بها الشعب الفلسطينيّ المظلوم وإعداد تقارير حولها بهدف تسليم القائمين عليها للعدالة، وذلك مع تصاعد أعداد شهداء وضحايا العدوان العسكريّ للكيان على قطاع غزة المحاصر، والذي طال عشرات الأطفال والشيوخ والنساء، ناهيك عن الدمار الكبير في البنية التحتية.
نتيجة لما ذُكر، وكما جاء على لسان الوزير الإيرانيّ نفسه، فإنّ العدو الصهيونيّ الإرهابيّ لا يفهم سوى "لغة المقاومة"، وللشعب الفلسطيني كامل الحق في الدفاع عن نفسه والصمود بوجه غطرسة هذا الكيان العنصريّ، الذي حول حياة أبناء فلسطين إلى مأساة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.