الوقت- كلنا نتذكر الدعوة القضائيّة التي وجّهتها الإعلامية في قناة الجزيرة غادة عويس، ضد ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في المحاكم الأمريكيّة أواخر العام المنصرم، واتهمتهما حينها بالوقوف خلف حادثة اختراق هاتفها، ونشر صور شخصيّة لها قبل نحو 6 أشهر من تلك الدعوة، وذكرت عويس أنّ ابن سلمان ظنّ أنّ سياسة شراء الذمم، والترهيب يمكن لها النجاح، إلا أن ذلك الأمر خاطئ، مشيرة إلى أنّهم وليا العهد اعتقدا أنّه لا يمكن محاسبتهما، ويمكنهم مواصلة عهودهما الاستبداديّة، وذلك بسبب تقديم المذيعة تقارير تنتقد السعودية، ما اعتبر رسالة واضحة للغاية وجهت إلى الصحفيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ومؤخراً، عادت مذيعة الجزيرة لتشن هجومها مجدداً على ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان، معلنة رفضها التنازل عن القضية التي رفعتها ضده في المحاكم الأمريكيّة على خلفية تشويه سمعتها ومحاولة اختراق هاتفها والتجسس عليها، وذلك رغم عودة المياه إلى مجاريها بشكل إعلاميّ بين الدول الخليجيّة والنظام الإخوانيّ في قطر قبل أشهر، وإعادة الدوحة إلى الحضن الخليجيّ بعد مقاطعة دامت لسنوات.
وفي الوقت الذي يصف فيه متابعون، قناة الجزيرة وإعلامييها بـ "أداة قطر لتصفية الحسابات"، أوضحت غادة عويس في تغريدة لها عبر تويتر، أنّها "ترفض التنازل عن القضية التي رفعتها سابقاً ضد محمد بن سلمان، مؤكّدة أنّها لن تصمت على جرائمه"، بعد أن تفوقت السعودية على جيرانها واحتلت المرتبة الأولى في القمع والاستبداد وصنفت كمملكة للقمع والحكم الاستبداديّ، وحلّت في المرتبة الأخيرة على مستوى دول الخليج في مؤشر المشاركة السياسيّة في ظل حظر التنظيمات السياسيّة والحريات العامة.
وفي هذا الشأن، وجّهت الإعلامية اللبنانيّة البارزة حديثا لابن سلمان بقولها: "انشر ما شئت من صور واكذب ما شئت واقذف ما شئت وافترِ ما شئت"، مشدّدة على أنّها لن أتصمت بل ستبقى تسأل "أين الجثة" في إشارة إلى جريمة اغتيال الصحافيّ السعوديّ المعروف، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول عام 2018، حيث قامت واشنطن بنشر تقرير قبل مدة خلص إلى أنّ ولي العهد السعودي أجاز عملية اغتيال الصحافي، والتي أصبحت قضية رأي عام دوليّ، عدا عن كونها قضية شغلت معظم دول العالم وكشفت اللثام عن حقيقة النظام الحاكم في بلاد الحرمين، وقد جاء في التقرير الأمريكيّ أنّ ابن سلمان أي الحاكم الفعليّ في السعودية، أجاز العملية في تركيا، لاعتقال أو قتل المعارض السعوديّ.
كذلك، بيّنت عويس أنّها ستبقى تطالب بالحرية للناشطة السعوديّة المعروفة، لجين الهذلول، والتي أطلقت السلطات السعودية سراحها قبل نحو شهرين، عقب سنتين ونصف السنة من الاعتقال، وأثار هذا القرار علامات استفهام كثيرة، حيث إنّ الهذلول لا تزال ممنوعة من السفر، وحُكم عليها بالسجن لمدة 3 سنوات مع وقف التنفيذ تقريباً، بتهم تعرّف نشاطها في مجال حقوق المرأة على أنها جرائم بموجب ما تُسمى "أنظمة الإرهاب" في المملكة، وهذا يعني أنّ السلطات السعودية تستطيع إعادتها إلى السجن في أيّ وقت إذا قررت التحدث أو استئناف نشاطها.
وفي إهانة كبيرة للحاكم الفعليّ في السعودية، أصرت عويس على أنّها لن تسحب القضية المرفوعة ضده واصفةً إياه بـ "التافه"، في ظل الوضع المُستبد في السعودية التي لجأت سلطاتها إلى قوانين وأحكام فضفاضة ومعقدة الصياغة، وخاصة في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائيّة وجرائم الإنترنت وغيرها من القوانين لاحتجاز الأفراد بشكل تعسفيّ ومحاكمتهم ومعاقبتهم، وساوت بين الأنشطة السياسية السلميّة والتهديدات لأمن الدولة، وفرضت قيوداً شديدة على التجمعات العامة والمظاهرات، وحظرت وحلّت المنظمات غير الحكوميّة المستقلة وحبست مؤسسيها، وجماعات المعارضة السياسيّة، كما شنّت حملات على النقاد والنشطاء السلميين بالاعتقالات التعسفيّة والتعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، إضافة إلى المحاكمات التي لا تفي بمعايير المحاكمة العادلة والأحكام المطولة، وقامت بمضايقة أفراد عائلاتهم، وفرضت عليهم حظر السفر، ما جعل حياة أيّ شخص يرغب في التعبير السلميّ عن أيّ رأيٍ مستقل أمراً مستحيلاً، حيث إنّ معظم النشطاء السلميين في السعودية هم إما في المنفى أو مكمّمي الأفواه داخل وطنهم.
ومع اقتراب مملكة آل سعود من حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع العدو الصهيونيّ الغاصب للأراضي العربيّة، وادعاء وزير الخارجية السعوديّ، فيصل بن فرحان، خلال مقابلة مع قناة “CNN” الأمريكية، أنّ التطبيع مع العدو الأول للعرب والمسلمين سيحقق فوائد هائلة لمنطقة الشرق الأوسط كلها، وأنّه سيكون مفيداً للغاية اقتصاديّاً واجتماعيّاً وأمنيّاً، قالت مذيعة الجزيرة في تغريدة أخرى: “لو طبّع الكون ومجرّاته معها لن أعترف بإسرائيل".
وفي تأكيد جديد على أنّ "المصالحة الخليجيّة" أخذت بالفعل بعداً إعلاميّاً أكثر من كونه سياسيّاً، وأنّ ما حصل بين تلك الدول هو تخفيف لحدة التوتر ليس أكثر، ولا يعدو عن كونه "مصالحة إقليميّة" واسعة النطاق، أضافت عويس: "لو تصالح الكون ومجرّاته مع محمد بن سلمان لن أسحب القضية ضده”، حيث شككت تحليلات سياسيّة في أن تشهد المنطقة تكثيفاً مفاجئاً للتعاون بين الدول الخليجيّة التي فشلت حتى في جعل قدراتها العسكريّة متوافقة منذ 40 عاماً، والتي لها مصالح وسياسات متباينة تجاه القوى الخارجيّة.
وتفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعيّ بشدة مع تغريدات عويس، وأشادوا بموقفها، مؤكدين في الوقت ذاته على ضرورة استمرارها في محاكمة محمد بن سلمان، الذي لا يوفر جهداً في التجسس على حسابات المستخدمين وبالأخص على موقع التواصل الاجتماعيّ "تويتر"، واختراق حسابات لمعارضين، وكانت الرياض عبر عملاء لها داخل شركة تويتر، تمكنت من كشف آلاف الحسابات التي تنتقد النظام السعوديّ وأفراداً في عائلة آل سعود، وهو ما دفع العديد من النشطاء إلى رفع دعاوى ضد الانقلابيّ محمد بن سلمان، ومسؤولين استخباراتيين في المحاكم الأمريكيّة.
في الحقيقة، إنّ صراع الممالك الذي يصفه البعض بالـ"حرب الباردة" بين دول "مجلس التعاون الخليجي"، وعلى وجه الخصوص بين السعودية وقطر، لا يجعل المرء يصدق أنّ قضيّة عويس هي مُجرد قضيّة شخصيّة، وقد أظهرت السنوات الأخيرة حجم تشعب الخلاف بين الدولتين من خلال الإعلام السعودي والقطري، رغم أنّ تلك الخلافات المتجذرة حول التنافس على النفوذ الإقليميّ لم تكن وليدة اللحظة في كثير من القضايا.