الوقت- من المهم جدًا بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، كلاعب إقليمي، دراسة الجوانب المختلفة لأزمة سد النهضة. لأن القضية الرئيسية في هذه الأزمة هي "المياه".
الماء مادة حيوية ومسألة جيوستراتيجية. لذلك، يجب على جمهورية إيران الإسلامية أن تتابع وتراقب تحولات أزمة المياه في القرن الأفريقي ومنطقة النيل.
والمسألة الثانية التي يمكن أن تكون مهمةً بالنسبة لجمهورية إيران الإسلامية، هي تحليل القضايا المتعلقة بجغرافية الموارد المائية(الجغرافيا السياسية للمياه) في العالم والمناطق المجاورة. ووفقًا للباحثين، يمكن أن تكون هاتان المسألتان حيويتين واستراتيجيتين للغاية بالنسبة لجمهورية إيران الإسلامية.
والمسألة الثالثة هي أزمة سد النهضة التي حدثت في منطقة تقع على طول الامتداد الجيوستراتيجي والجيوسياسي للخليج الفارسي.
والبعد الرابع أن السودان ومصر من بين دول العالم الإسلامي، لذا فهذه الدول مهمة للجمهورية الإيرانية في أبعاد مختلفة. وفي الواقع، مصر والسودان جزء من الأمن القومي للعالم الإسلامي.
من ناحية أخرى، فإن الکيان الصهيوني، بصفته العدو الأول والاستراتيجي لإيران في العالم وفي منطقة غرب آسيا، له حضور واضح وفاعل في أزمة سد النهضة بأبعاد وطرق مختلفة.
والقضية السادسة هي أمن القرن الإفريقي ووادي النيل. إن أي حدث في هاتين المنطقتين الحيويتين سيكون له تأثير مباشر على حوض البحر الأحمر وقناة السويس. ونحن نعلم أن البحر الأحمر وقناة السويس هما الطريقان الرئيسيان لنقل النفط والبضائع إلى دول حول العالم، ويتم تصدير جزء من صادرات إيران النفطية والصناعية عبر هذه الممرات المائية.
وفي ضوء ما تقدم، من الضروري أن تولي جمهورية إيران الإسلامية اهتمامًا خاصًا بأزمة سد النهضة والتوترات المائية التي نشأت بين مصر والسودان وإثيوبيا، ومتابعة هذه القضية بجدية.
أزمة سد النهضة
منذ أن بدأت إثيوبيا بناء سد النهضة، أثيرت قضية حقوق مصر والسودان المائية في نهر النيل. وقد جرت المفاوضات حول هذه القضية على مستويات مختلفة، كان آخرها في كينشاسا (العاصمة الكونغولية) تحت رعاية الاتحاد الأفريقي. ولکن انتهت هذه المفاوضات دون أي نتيجة.
الموضوع المهم هنا هو التوتر بين العضوين المؤسسين للاتحاد الأفريقي، مصر وإثيوبيا. وأمن الاتحاد والقارة الأفريقية بشكل عام مهم بالنسبة لنا، لأن أي تصعيد للتوتر أو الصراع بين البلدين سيكون له تأثير سلبي على الأمن العالمي.
دور الفاعلين الإقليميين والعالميين
قد لا ترغب بعض الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية، وحتى مصر والسودان وإثيوبيا نفسها، في حدوث نزاع عسكري في القرن الأفريقي، ولكن هناك بعض العناصر والجهات الفاعلة الإقليمية وحتى العالمية التي من مصلحتها نشوب صراع عسكري في القرن الأفريقي.
هذه الحرب في مصلحة مصانع ومصدري السلاح، وإذا انتهت هذه الحرب، ستسارع الشركات الاقتصادية الكبرى إلى توقيع عقود مربحة بحجة إعادة بناء البلدان المتضررة.
علی أية حال، إن أي صراع عسكري بين مصر والسودان وإثيوبيا يضر بالتنمية الوطنية لأفريقيا، مما يتسبب في استمرار فقر هذه القارة وجعل الدول الأفريقية أكثر اعتمادًا على الولايات المتحدة والغرب.
إتحاد البحر الأحمر
جدير بالذكر هنا أنه قبل سنوات قليلة عقدت اجتماعات دبلوماسية إقليمية، وتقرَّر تشكيل "اتحاد البحر الأحمر".
تم تقديم الاقتراح الأولي لتشكيل هذا الاتحاد من قبل مصر، ولكن السعودية هي التي استخدمت هذا الاقتراح.
دعا هذا الاقتراح إلى أن يصبح البحر الأحمر منطقة سلام، لكن التوترات المائية بين مصر والسودان وإثيوبيا تتعارض مع الجهود الدبلوماسية لجميع دول المنطقة قبل ثلاث سنوات؛ أي تشكيل اتحاد البحر الأحمر وتحويل هذه المنطقة إلى منطقة سلام.
آبي أحمد وتطورات القرن الأفريقي
القضية التالية هي صعود أبي أحمد إلى السلطة في إثيوبيا. لقد منحنا صعوده لمنصب رئيس الوزراء في هذا البلد الأمل في أن يقوم آبي أحمد بتسوية مشاکل منطقة القرن الأفريقي، لأنه أنهى نزاع أديس أبابا مع أسمرة وعقد السلام مع إريتريا.
کما حلَّ رئيس الوزراء الإثيوبي مشاكل بلاده مع جيبوتي، ولذلك كان هناك أمل في أن القرن الأفريقي يتجه نحو السلام والاستقرار، لكن التوترات الأخيرة بين مصر وإثيوبيا تسببت في قلق العالم.
السيناريوهات العسكرية والأمنية
أدى فشل المفاوضات حول أزمة سد النهضة إلى ظهور سيناريوهات أمنية وعسكرية، ولكن هل يمكن تنفيذ هذه السيناريوهات؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى النقاط التالية، التي يُعتقد أن هذه العوامل تعيق تنفيذ السيناريوهات الأمنية والعسكرية، أو على الأقل تؤخر تنفيذ هذه السيناريوهات.
أولاً، مصر لديها مشاكل اقتصادية وأمنية، وإثيوبيا أيضًا لديها مشاكل مثل مصر. النظام السياسي والحكومة في إثيوبيا فيدراليان، ولكل ولاية حكومتها وبرلمانها الخاصين، وبالطبع فإن هذه الولايات ليست متكاملةً تمامًا. وبينما سعى آبي أحمد إلى تماسك هذه الولايات، ولکنه واجه مشاكل وعقبات على طول الطريق لم تسمح له بذلك.
يبلغ عدد سكان كلا البلدين المنخرطين في الأزمة حوالي 107 ملايين نسمة، لكن مصر تتفوق على إثيوبيا من حيث الأفراد والمعدات العسكرية. قبل عامين، شكلت مصر قوةً بحريةً جديدةً مخصصةً للبحر الأحمر.
كان المصريون قد تنبأوا بإمكانية نشوب صراع عسكري مع إثيوبيا، فشكلوا هذا الأسطول. وقبل خمس سنوات، أنشأت القاهرة أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط في شمال مصر، باسم محمد نجيب. وقد يتماشى إنشاء هذه القواعد مع تنبؤات المصريين بإمكانية اندلاع صراع عسكري مع إثيوبيا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مصر لا ترتبط بإثيوبيا برياً. وإذا اندلعت حرب بين البلدين، فستبدأ بضربة جوية. وأحدث مقاتلة مصرية هي من طراز ميغ-29.
بدورها قامت إثيوبيا أيضًا بتركيب نظام دفاع جوي روسي الصنع قوي للغاية، ومن المحتمل أن يتم إسقاط أي مقاتلة تقترب من هذا النظام. علی أية حال، إذا اندلعت حرب بين البلدين، فهي محدودة ولن تكون على الأرض.
ثانيًا، مصر والسودان وإثيوبيا ليست قادرةً اقتصاديًا على تحمل التكاليف الكاملة لحرب واسعة النطاق. والقضية هنا هي العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر وإثيوبيا.
هاتان الدولتان حليفتان إقليميتان لواشنطن، لذلك قد تمنع الولايات المتحدة اندلاع الحرب بين مصر وإثيوبيا، لأن شركات السلاح الروسية ستستفيد أكثر لأن المعدات العسكرية لمصر وإثيوبيا روسية الصنع.
الحل السياسي
يمكن للمصريين الضغط على إثيوبيا من خلال الأمم المتحدة لضمان أمنهم المائي. على سبيل المثال، من خلال المادة 36 من ميثاق مجلس الأمن، يمكنهم الضغط حتی لا تندلع نيران الحرب. ومن مهام مجلس الأمن منع الحرب.
وبهذه الطريقة، يمكن للقاهرة الضغط على أديس أبابا للاستجابة بشكل إيجابي لمطالب مصر والسودان. ومن المرجح أن ينجح هذا الحل، لأن أي حرب في إفريقيا تكلف الأمم المتحدة ومجلس الأمن والعالم بأسره.
ومن المحتمل أيضًا أن تمارس الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ضغوطًا اقتصاديةً على إثيوبيا، للامتثال لبعض مطالب القاهرة والخرطوم.
أزمة سد النهضة ستستمر. وفي العملية السياسية، قد يتراجع المصريون عن مواقفهم السابقة قليلًا، وسترفع إثيوبيا مستوى الاستجابة لمطالب القاهرة والخرطوم.