الوقت- أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يوم الخميس عزمه تأجيل أول انتخابات عامة فلسطينية منذ 15 عاما من أجل إضعاف الآمال في تشكيل حكومة شاملة في الأراضي الفلسطينية مرة أخرى في المستقبل القريب.
وبموجب الاتفاقات السابقة بين الفصائل الفلسطينية، كان من المقرر إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في شهري مايو ويونيو على التوالي، مما يسمح للفلسطينيين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى بعد انتخابات عام 2006 لانتخاب قادتهم. ومع ذلك، هناك إقبال غير مسبوق من الناس والجماعات السياسية على التصويت، حيث قام أكثر من 95٪ من البالغين المؤهلين بالتسجيل للتصويت حيث يوجد 36 قائمة برلمانية تتنافس على المناصب.
وألقى عباس في خطابه باللوم على الصهاينة في هذا الانسحاب الذي قال إنه لن يسمح لآلاف الفلسطينيين بالتصويت في القدس الشرقية.
وقال عباس "لن نجري انتخابات بدون القدس". حالما توافق اسرائيل سنجري انتخابات في غضون اسبوع ".
وفي انتخابات عام 2006، اتفق الطرفان على أن الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس الشرقية سيصوتون في مكاتب البريد الإسرائيلية. لكن هذه المرة، قال مسؤولون فلسطينيون إن الطلبات المماثلة والجهود أخرى لم يتم الرد عليها.
ومن ناحية أخرى، قال مسؤولون صهاينة إن السلطة الفلسطينية وحدها هي المسؤولة عن إجراء الانتخابات أو تأجيلها، واتهموا عباس باستغلال رفض الكيان إصدار الموافقة ذريعة لإلغاء الانتخابات.
معارضة شديدة من الفصائل الفلسطينية لتأجيل الانتخابات
هذا وعارضت الغالبية العظمى من أولئك الذين يعدون 36 قائمة ناخبين لخوض الحملة حجة عباس.
حيث قال نبيل عمرو، أحد قادة فتح ، "يمكن لأي شخص لا يريد إجراء انتخابات أن يجد بسهولة ذريعة للتأكد من عدم حدوثها".
وقال هاني خليل رئيس اللجنة السياسية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في غزة إن بعض المسؤولين يبحثون عن أعذار و "استغلوا قضية القدس كقضية مناسبة لتأجيل الانتخابات".
وقال أسامة الفرع، من قائمة المستقبليين التي يدعمها محمد دحلان، إن ما قامت به القيادة الفلسطينية هو نكسة كبيرة لكل الجهود التي بذلها الجميع.
وقال حمادة حمدة، الذي يدير منظمة غير حكومية مقرها غزة تدعم السجناء المفرج عنهم، كان على عباس الإصرار لأخذ النتيجة، وليس الاستسلام للإسرائيليين. ومن العار أن تخضع قرارات فلسطين المستقلة لموافقة إسرائيل."
وقال مصطفى البرقوتي رئيس حركة المبادرة "يجب ألا نعطي المحتلين حق النقض لوقف العملية الانتخابية".
وقال طلال أبو ظريفة، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية الفلسطينية، إن تأجيل الانتخابات ينتهك الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وإجراء الانتخابات هو مفتاح إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، سواء كانت منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية.
وفي هذه الأثناء، إلى جانب معظم الفصائل الفلسطينية ، وصفت حماس، أهم الجماعات المنافسة لحركة فتح، قرار تأجيل الانتخابات بأنه انقلاب: فقد قاطعت جلسة صنع القرار لأنها كانت تعلم بالفعل أن فتح والسلطة الفلسطينية تعتزمان القيام بذلك بسبب لحسابات اخرى لا تتعلق بالقدس.
ورغم إصرار حماس على إجراء التصويت في القدس الشرقية، إلا أنها ترفض هذا العذر الذي يتطلب موافقة وإذن الصهاينة.
عباس قلق من خسارة الانتخابات
مما لا شك فيه أن الكيان الصهيوني يبذل قصارى جهده لمنع إجراء الانتخابات في الوضع الراهن، ومنع حماس من الوصول إلى السلطة في الضفة الغربية، وإبقاء نار الفتنة بين الفلسطينيين. وصرحت حماس بأنها لن تلزم نفسها بأية اتفاقيات قائمة مع الكيان الصهيوني أو بأي تنازلات في المجال العسكري إذا فازت في الانتخابات. كما كان اعتقال وترهيب أعضاء حماس في الضفة الغربية في الأسابيع الأخيرة بمثابة تحذير واضح ضد عدم إجراء الانتخابات.
لكن انتقاد المعارضة لذريعة محمود عباس لعدم إجراء الانتخابات في موعدها لم يذهب هباءً. فبالنظر إلى استطلاعات الرأي، يمكن للمرء أن يرى حقيقة أن شعبية حماس قد زادت وتراجعت شعبية فتح وعباس.
الى ذلك أصدر مركز أبحاث السياسات والاستطلاعات الفلسطيني ومقره رام الله نتائج استطلاع الرأي في 11 شباط، والتي تظهر تراجع الدعم للسلطة الفلسطينية واستمرار رئاسة محمود عباس.
ومن بين 1270 فلسطينيا شملهم الاستطلاع - 830 من الضفة الغربية و 440 من قطاع غزة - أظهر الاستطلاع أن ما بين الثلثين وثلاثة أرباع المستطلعين لم يثقوا في وعود عباس بقطع العلاقات مع إسرائيل وتعليق التعاون الأمني، ودعوا إلى وقف اتفاقيات أوسلو.
كما تظهر نتائج الاستطلاع أن التأييد لحل الدولتين في أدنى مستوى له منذ توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993 - أقل من 40٪.
وكشف هذا الاستطلاع أن 62٪ من الناس يريدون استقالة محمود عباس، 52٪ في الضفة الغربية و 78٪ في قطاع غزة ووجد الاستطلاع أن "نسبة الرضا عن أداء الرئيس عباس تبلغ 37٪ وعدم الرضا 60٪".
وأكدت نتائج هذا الاستطلاع تزايد مصداقية وشعبية توجهات حماس السياسية والعسكرية في خلق كفاح مسلح في الضفة الغربية وفتح جبهة كاملة ضد الكيان الصهيوني.
قد أدى هذا بدوره إلى مخاوف بين المسؤولين في السلطة الفلسطينية والصهاينة من انتصار حماس.
التكهن بأعذار عباس لتأجيل الانتخابات
لطالما كانت حماس متشككة في التزام عباس بإجراء انتخابات. منذ البداية، كانوا يخشون أن قلق محمود عباس المفاجئ بشأن الانتخابات، حتى بعد 15 عاما من توليه الرئاسة بشكل غير قانوني، كان فقط للاحتجاج على تصرفات البيت الأبيض خلال عهد ترامب. والواقع أن حماس تتكهن منذ البداية بأن عباس قد يؤجل الانتخابات بحجة الخلافات مع غزة، أو عدم دعم الكيان الصهيوني لهذا الامر، أو تفشي وباء كورونا.
لهذا السبب قدمت حماس تنازلات مختلفة لتسهيل شروط الانتخابات، مثل قبول الترتيبات الانتخابية الأكثر ملاءمة لعباس وفتح، ومثل عدم إجراء الانتخابات الثلاثة في نفس الوقت، رغم وجود مخاوف من احتمال إلغاء عباس العملية الانتخابية بعد انتخابات المجلس التشريعي. كما اعترفت حماس بشرعية منظمة التحرير الفلسطينية ككيان قانوني يمثل الشعب الفلسطيني دوليا، ووافقت على نظام تمثيل نسبي جديد (قائم على القائمة الوطنية) لانتخابات المجلس التشريعي لحركة فتح.
كما انسحبت حماس التواجد الجدي في الانتخابات الرئاسية في محاولة للحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية، مما أدى إلى تنافس كبير بين شخصيات فتح، بما في ذلك محمد دحلان وناصر القدوة، ابن شقيق ياسر عرفات ومروان البرغوثي.
وحتى الآن، تطالب حماس وجماعات أخرى معارضة لتأجيل الانتخابات قادة فتح بالمقاومة وعدم الاستسلام لتخريب الكيان الصهيوني، وكذلك تنفيذ حلول إبداعية مثل نصب صناديق الاقتراع في المدارس أو المساجد. حيث يقدر عدد الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس الشرقية بنحو 360 ألف نسمة. ووفقا لاتفاقيات السلام المؤقتة بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني في التسعينيات، أدلى حوالي 6000 فلسطيني بأصواتهم في مكتب البريد الإسرائيلي في القدس الشرقية، وتمكن 150 ألفا آخر من التصويت دون إذن من الكيان. حتى الآن، وفي ظل دعم المجتمع الدولي لمطلب الفلسطينيين المشروع، فإن هذا ممكن تماما، وإصرار محمود عباس على تأجيله لن يؤدي إلا إلى الإضرار بشرعيته المتدهورة وحركة فتح داخل فلسطين.