الوقت- تدور الكثير من الأحاديث اليوم عن احتمالية تأجيل الانتخابات الفلسطينية، لأسباب عديدة منها ما يتعلق بمحاولات اسرائيل الحثيثة لعرقلة هذه الانتخابات بجميع السبل الممكنة، وحركة "حماس" تحذر من مغبة أي تأجيل حتى "ولو ليوم واحد" للانتخابات التشريعية الفلسطينية المقررة في 22 أيار (مايو) القادم، لأن ذلك "سيدفع الشعب الفلسطيني إلى المجهول".
فبعد التصريح الذي ادلى به الممثل الشخصي لرئيس السلطة الفلسطينية نبيل شعث، حول أن تأجيل الانتخابات الفلسطينية سيكون واردا جدا في حال لم يتلق الفلسطينييون ردا دوليا حول اجراء الانتخابات في القدس المحتلة، حذرت حركة حماس من مغبة أي تأجيل للانتخابات.
ويتخوف عدد من الفلسطينيين والمراقبين من إرجاء هذه الانتخابات الأولى في الأراضي الفلسطينية منذ 15 عاما، ويفترض أن تمهد لانتخابات رئاسية في تموز (يوليو).
الواضح جداً أن فتح تمضي نحو تاجيل هذه الانتخابات نتيجة تعارض مصالح جهات معينة داخل الحركة، وهي تتذرع اليوم بعدم شمولها القدس الشرقية، ولكن السبب الحقيقي برغبتها بتأجيل الانتخابات يتعلق بحالة الانشقاقات المتتالية داخل الحركة والذهاب إلى الانتخابات بأكثر من قائمة قد يكون هو السبب في ظل توقعات تشير إلى إمكانية تكرار ما جرى في آخر انتخابات فلسطينية فازت بها "حماس".
لقد طرح عدد من أسرى حركة "فتح" مبادرة تقضي بتأجيل الانتخابات التشريعية، على أن يجري تعديل قانون الانتخابات، بما يتيح ترشيح محمود عباس للرئاسة والأسير مروان البرغوثي نائباً له، كما تدعو المبادرة إلى وجوب العمل على تأجيل الانتخابات التشريعية، انطلاقاً من بوابة القدس، وخصوصاً أن الواقع السياسي الإسرائيلي لن يسمح بإجرائها في ظل الصراعات السياسية القائمة في هذه المرحلة.
وتعتقد أوساط من فتح أن ذهابها نحو الانتخابات سيكون انتحاراً في ظل تبعثرها لثلاث قوائم (الرسمية برئاسة محمود العالول، و"الحرية" المحسوبة على الأسير مروان البرغوثي وناصر القدوة، و"المستقبل" المدعومة من محمد دحلان)، حتى لو حصلت هذه القوائم على أكثرية مقابل حماس.
تواجه إذاً حركة "فتح" اختباراً عسيراً في ظل استمرار حالة الانقسام، لكن ليست أمام الرئيس محمود عباس خيارات عدة، بل هي خيارات ضيقة لاعتبارات تتعلق بما يرى ويخطط في التعامل مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وفي ظل تحولات جذرية تجري في الإقليم، وتتطلب التعامل معها، كما أن تأجيل الاستحقاق الانتخابي سيفقد عباس كثيراً من الخطوات، بل سيؤدي إلى انتكاسة حقيقية، لكي يستطيع مواجهتها.
لهذا من المرجح أنه سيمضي متحسساً خطواته وأمامه فرصة الاستمرار والعمل على إنجاح الخطوة وعينه بالأساس على الانتخابات الرئاسية ومنافسة مروان البرغوثي و"الاتفاقات التي تجري علانية وسراً" داخل "فتح"، التي قد تخصم من رصيده الشعبي حال خوض البرغوثي المواجهة، ولن تصلح أي خطوات من قبل عباس ورجاله في تطويق طموح البرغوثي وتياره الصاعد بقوة.
لكن، هذا لا يعني أن الرئيس عباس رتّب حساباته على الانتخابات الرئاسية لا التشريعية التي تمثل الهم الأكبر لـ"فتح"، وفي ظل انقسام المشهد الفتحاوي بصورة كبيرة الذي ينذر بكارثة على الحركة في حال أجريت الانتخابات بمؤشراتها الحالية وعبر أساليب غير نمطية، وخصوصاً في القدس وما يجاورها، ستظل الإشكالية في أن تتوافق "فتح" في النهاية على ألا تدخل الانتخابات التشريعية في هذا الوضع غير المسبوق.
أما بالنسبة لحماس فقد رتّبت نفسها أمام كل الخيارات والسيناريوهات التي يمكن أن تواجهها في المدى القصير والمتوسط، فأجرت انتخابات داخلية، وأعادت تمركز الشخصيات الكبيرة والبارزة في إطار مشهد مفتوح، وبالرغم مما جرى في انتخابات الداخل وعودة انتخاب خالد مشعل لرئاسة إقليم الخارج، فإن انتخابات المكتب السياسي ومجلس الشورى وهو الأهم لم تجرِ بعد.
واستهدفت هذه الخطوات وغيرها داخلياً رأب الصدع الحالي في الحركة التي لا تعلن تفاصيلها لاعتبارات سياسية وأمنية وفي إطار مخططها الذهاب إلى الانتخابات والتعامل مع ما يجري في الضفة والقطاع.
إذا يبدو ان هناك انقسام واضح بين الفلسطينيين وهذا الانقسام لن يخدم أحد، لأن التاجيل سيعقد الوضع وسيكرس الانقسام والفرقة.
ومؤخرا أظهر استطلاع نشره هذا الأسبوع مركز "القدس للإعلام والاتصال" وأُجري بالشراكة مع مؤسسة “فريدريتش إيبرت” الألمانية، أن 79 % من الفلسطينيين يعتبرون إجراء هذه الانتخابات أمرًا مهمًا.
أياً كانت أسباب تأجيل الانتخابات فإن العرقلة ستأخذ الفلسطينيين نحو المجهول، وستصب لا محالة في الصالح الاسرائيلي الذي يرغب أن يبقى مسيطرا على مفاصل الحكم ويتحكم بالفلسطينيين ويرمي الفتن بينهم ويمضي بسياسته القذرة تجاه الفلسطينيين، لذلك على الفلسطينيين ألا يسمحوا له بأن يحقق مبتغاه، وربما تأجيل الانتخابات وعرقلتها من قبل الاسرائيلي قد تأخذ الأمور نحو انتفاضة فلسطينية جديدة، لهذا، فتأجيل الانتخابات أو إلغاؤها بعد الجهود المضنية التي بذلها الفلسطينيين، التي شارك فيها الكل الفلسطيني، وتوافق على إجرائها سيشكل صاعق تفجير للحالة الفلسطينية المأزومة، التي لا يعلم إلا الله تداعياتها.
على الفلسطينيين أن يكونوا متيقظين في المرحلة المقبلة، لأن أي تراخٍ أو خطأ سيكلف الشعب الفلسطيني الكثير، لذلك ستكون المسؤولية الأكبر على الأحزاب والحركات لكي تعيد توحيد الصف الفلسطيني وتخفف عنه آلامه.