الوقت- أكد الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنه من المتوقع في جميع الأحوال أن يشكل المؤيدين للنظام الحاكم أغلبية كاسحة في الإنتخابات البرلمانية المصرية، ولن يكون في البرلمان القادم سوى معارضة رمزية أو شكلية أو محدودة التأثير.
وأوضح نافعة اليوم فی حوار مطوّل مع موقع الوقت الإخباري، أنه «لن تكون هناك كتل حزبية كبيرة في البرلمان القادم والذي سيتكون في أغلبيته من عناصر مستقلة أغلب الظن أنها ستكون مرتبطة بشكل أو بآخر بأجهزة أمنية أو بقبائل وعائلات كبيرة لها مصالح مع النظام».
وأشار الی أنه «لن تكون هناك أي أحزاب إسلامية مؤثرة بقوة في البرلمان القادم لأن حزب النور هو الحزب الإسلامي الوحيد الذي قرر خوض هذه الانتخابات». مشيرا الی أن حزب النور، «يعتبر نفسه جزءا من النظام الحالي ويطمح لكي يصبح القوة الإسلامية الأولى في مصر والبديل لجماعة الإخوان». مضيفا أن «حزب النور لن يستطيع أن يحصل على نفس نسبة المقاعد التي حصل عليها في انتخابات 2012».
وحول دور المال السياسي فی الإنتخابات الحالية، أشار نافعة في حديثه مع الوقت، أن «المال السياسي ، سواء المحلي أو القادم من الخارج، سوف يلعب دورا كبيرا في التاثير على النتائج النهائية لهذه الانتخابات».
وحول أسباب المشاركة الإنتخاباتية المتدنية والإقبال الضئیل علی هذه الإنتخابات قال نافعة أن «لدی معظم الناخبين إحساس أن معظم المرشحين ينتمون لنفس التيار ولا يوجد تنافس حقيقي، وبالتالي سيكون البرلمان مجرد امتداد للسلطة التنيفذية».
وفي مايلي نص الحوار الكامل الذي أجراه مراسل موقع الوقت مع الدكتور حسن نافعة حول الإنتخابات البرلمانية المصرية:
الوقت: ما هي الميزة التي تميز هذه الانتخابات عن الانتخابات السابقة وأين تكمن أهميتها؟
نافعة: الانتخابات البرلمانية التي تجري في مصر حاليا ضرورية جدا لأنها
تشكل الاستحقاق
الثالث من خارطة الطريق التي تضمنها البيان الذي ألقاه السيسي يوم 3 يوليو 2013
عقب عزل مرسي، وبدونها لا تكتمل أضلاع النظام السياسي الذي يحكم مصر حاليا. إذ
يصعب على هذا النظام أن يستمر بدون سلطة تشريعية تسن القوانين وتراقب أداء السلطة
التنفيذية التي يقودها رئيس الدولة والذي يجمع حاليا بين السلطتين التشريعية
والتنفيذية، وهو وضع استثنائي معيب. ومن المعروف أن التصور الأصلي لخارطة الطريق
كان يتضمن ترتيبا معينا يقضي بالبدء بتعديل الدستور أو كتابة دستور جديد أولا، ثم
إجراء انتخابات برلمانية، وأخيرا إجراء الانتخابات الرئاسية. غير أن لجنة الخمسين
التي عهد إليها بكتابة الدستور أدرجت نصا يسمح لرئيس الدولة المؤقت بتعديل هذا
الترتيب، بإجراء الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات البرلمانية، إن رأى ذلك، وهو
ما تم فعلا. فقد تمت صياغة دستور جديد وافق الشعب المصري عليه في استفتاء عام، ثم
جرت انتخابات رئاسية فاز فيها عبد الفتاح السيسي الذي لم يترشح أمامه سوى مرشح
وحيد هو حمدين صباحي. وكان يفترض أن تبدأ إجراءات الانتخابات البرلمانية بعد ستة
أشهر فقط من تولي الرئيس السيسي، أي في نهاية عام 2014، لكن عوامل كثيرة عطلت هذا
الاستحقاق الثالث لأكثر من عام كامل لدرجة أن البعض شكك في إمكانية إجرائها أصلا.
لكن ها هي عجلة الانتخابات البرلمانية قد بدأت تدور وقام الناخبون في الداخل
والخارج بالإدلاء بأصواتهم بالفعل في المرحلة الأولى، ويجرى حاليا فرز أصوات هذه
المرحلة التي ستعلن نتائجها يوم الأربعاء القادم، وبعد حوالي أسبوع أو أكثر قليلا
ستجرى انتخابات الإعادة بالنسبة لهذه المرحلة، وبعدها تبدأ انتخابات المرحلة
الثانية، وبالتالي لن يكون لدى مصر برلمان أو سلطة تشريعية قبل نهاية شهر ديسمبر
القادم.
الوقت: ما هو حجم كل من الاحزاب والتيارات المشاركة في هذه الانتخابات وماهي حظوظ الاحزاب الداعمة والمعارضة للحكومة؟
نافعة: هناك أحزاب وقوى سياسية مختلفة أعلنت مقاطعتها لهذه الانتخابات، وهي أحزاب وقوى تتشكل في معظمها من فصائل الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة الإخوان، التي تعتبرها الدولة جماعة، إرهابية وبعض الأحزاب الأخرى المتحالفة معها، مثل حزب الوسط وغيره من الأحزاب أو الفصائل الإسلامية. لكن توجد أحزاب وقوى أخرى من خارج تيار الإسلام السياسي قررت أيضا مقاطعة الانتخابات لأسباب مختلفة، مثل حزب الدستور الذي اسسه البرادعي، وحركة 6 إبريل الشبابية، وبعض الفصائل اليسارية..الخ. و على أي الأحوال فسيكون دور الأحزاب السياسية في هذه الانتخابات محدودا بشكل عام لأن عدد المرشحين ممن لا ينتمون لأحزاب، اي من المستقلين، يبلغ ضعف عدد المرشحين المنتمين لأحزاب. ومن المعروف أن النظام الانتخابي المعتمد في هذه الانتخابات يجمع بين نظامي القوائم المطلقة المغلقة (وخصص لها 120 مقعد من إجمالي 568 مقعدا اي حوالي 20% فقط موزعين على اربع دوائر كبيرة) ونظام الانتخابات الفردية (وخصص لها 448 مقعدا موزعة، أي 80% من إجمالي المقاعد). ويلاحظ هنا أن حزب النور هو الحزب الوحيد الذي قرر خوض الانتخابات بقوائم مستقلة، وفي دائرتين فقط من الدوائر التي يتعين شغل المقاعد فيها بالقوائم المطلقة المغلقة. أما بقية الأحزاب والقوى السياسية الأخرى فقد دخلت في ائتلافات انتخابية مع أحزاب أو حركات سياسية أو شخصيات ..الخ. لذلك فالأرجح أن يتشكل البرلمان القادم في أغلبيته من المستقلين. وإذا القينا نظرة عامة على نوعية المرشحين في المرحلتين الأولى والثانية، فسوف نجد أن التنافس بالنسبة للمقاعد المخصصة للقوائم ربما ينحصر بين قوائم "في حب مصر"، وهو ائتلاف لعب نجيب ساويرس مؤسس حزب "المصريون الأحرار" دورا رئيسيا في تشكيله ونجح في تقديم قوائم في جميع دوائر المرحلتين الأولى والثانية ويقوده جنرال سابق مقرب من السلطة الحاكمة، و "حزب النور" الذي قدم مرشحين في دائرتين فقط من دوائر القائمة المطلقة. لذا ستكون هذه الانتخابات كاشفة لمدى شعبية حزب النور الذي كان قد فاز بأكثر من 20% من مقاعد برلمان 2012. ومن المتوقع في جميع الأحوال أن يشكل المؤيدين للنظام الحاكم أغلبية كاسحة، ولن يكون به سوى معارضة رمزية أو شكلية أو محدودة التأثير.
الوقت: من هي الاحزاب والتيارات الإسلامية التي تكتسب حظوظا اوفر في هذه الانتخابات وباعتقادكم ما هي النسبة المئوية من الكراسي التي ستحصل علیها هذه الاحزاب؟
نافعة: لن تكون هناك أي أحزاب إسلامية مؤثرة بقوة في البرلمان لأن حزب النور هو الحزب الإسلامي الوحيد الذي قرر خوض هذه الانتخابات، أما جميع الأحزاب الأخرى ذات المرجعية الإسلامية، سوى كانت متحالفة مع جماعة الإخوان، مثل حزب الوسط، أو غير متحالفة معها، مثل حزب مصر القوية، فقد قررت مقاطعة الانتخابات البرلمانية الحالية لأنها تعتبر أن ما جرى في مصر منذ 3 يوليو انقلاب عسكري على حكومة شرعية منتخبة، وبالتالي فكل ما يتخذه "نظام الانقلاب" من إجراءات، بما في ذلك الانتخابات الحالية، يعد باطلا ومن ثم يتعين مقاطعته وعدم المشاركة فيه، لأن المشاركة تعني اعترافا بشرعية النظام. أما حزب النور، والذي يعتبر نفسه جزءا من النظام الحالي ويطمح لكي يصبح القوة الإسلامية الأولى في مصر والبديل لجماعة الإخوان، فيواجه اختبارا شديد الصعوبة. فمن المعروف أن حزب النور يمثل أحد فصائل التيار السلفي في مصر، وهو تيار لم يكن له وجود سياسي قبل ثورة 25 يناير، ووقف في البداية ضد الثورة، ثم انخرط فيها بعد أن تأكد من نجاحها، وبعد سقوط نظام مبارك قرر تشكيل حزب سياسي خاص به وخاض الانتخابات التشريعية الأولى وحصل فيها على 20% من المقاعد، مما شكل مفاجأة كبرى لكثيرين. وكما سبق أن ذكرت فسوف تكون الانتخابات البرلمانية الحالية كاشفة لثقله السياسي في المرحلة الراهنة ومدى تماسك قواعده الشعبية وتمسكها به كممثل للتيار السلفي في مصر. وفي تقديري أن هذا الحزب لن يستطيع أن يحصل على نفس نسبة المقاعد التي حصل عليها في انتخابات 2012، خصوصا وأن الانطباع السائد عنه أنه مخترق أمنيا ويعمل بالتنسيق مع بعض الأوساط الحكومية.
الوقت: ما حقيقة الأخبار التي تتحدث عن أن الاخوان شارکوا في هذه الإنتخابات بشكل غير رسمي من خلال ترشيح شخصيات غير معروفة إعلاميا؟
نافعة: في تقديري أن هذه الأخبار تفتقد إلى المصداقية ولا يوجد دليل قاطع حتى الآن یؤکد صحتها. فالقوائم التي تخوض الانتخابات في الدوائر الأربعة التي سيتم شغل مقاعدها بالقوائم المطلقة المغلقة تخلو من اي عضو معروف من الإخوان، واي مشاركة من القواعد الانتخابية المؤيد للإخوان في التصويت في هذه الانتخابات ستصب لصالح حزب النور السلفي، وبالتالي ستظهر هذا الحزب بأكثر من حجمه الحقيقي وهو أمر لا يحقق اي نوع من المصلحة لجماعة الإخوان. الاحتمال الوحيد الذي يصعب استبعاده سيكون خوض عناصر غير معروفة أو منشقة عن هذه الجماعة في الانتخابات لكي تلعب لاحقا من خلال البرلمان يدفع في اتجاه المصالحة مع الإخوان أو لم الشمل من جديد، وهو في رأيي احتمال ضعيف ويكاد يكون بدوره شبه مستحيل.
الوقت: ما هو تقيمك بالنسبة للبرلمان القادم واي
من الاحزاب سيكون لها الثقل الاكبر في هذا البرلمان؟
نافعة: لن تكون هناك كتل حزبية كبيرة في البرلمان، القادم والذي سيتكون في
أغلبيته من عناصر مستقلة أغلب الظن أنها ستكون مرتبطة بشكل أو بآخر بأجهزة أمنية
أو بقبائل وعائلات كبيرة لها مصالح مع النظام. أما العناصر الحزبية في هذا
البرلمان فستكون الأغلبية الساحقة منها منتمية لأحزاب مؤيدة للرئيس السيسي، كحزب
المصريين الأحرار وحزب الوفد وغيرها من الأحزاب، ولن يكون لأي منها منفردا في جميع
الأحوال أغلبية تمكنه من التحكم في تشكيل الحكومة.
الوقت: ماهو دور عناصر النظام السابق ورجال الاعمال والمال السياسي في هذه الانتخابات؟
نافعة: سيكون دورا كبيرا جدا، فمعظم رجال الأعمال مرتبطون بشكل أو بآخر بشبكة المصالح التي كان يديرها النظام القديم لحسابه الخاص. صحيح أن رجال نظام مبارك لم يعد يضمهم حزب واحد، وإنما أصبحوا متفرقين داخل أحزاب جديدة أو قديمة مختلفة، ومعظم الرموز البارزة فيها توارت أو اعتزلت العمل السياسي أو افسحت مكانها لرجال من الصف الثاني. ولأن العناصر التي اعتمد عليها نظام مبارك، سواء كخبرات مهنية وتكنوقراط أو كرجال أعمال، ترتبط بشكل أو بآخر بنفس مراكز التأثير التي تشكل "الدولة العميقة" في مصر والتي يعتمد عليها النظام الحالي، فسوف تكون متناغمة مع النظام الحالي وفي خدمته حتى ولم تكن منخرطة معه في هيكل تنظيمي. وفي جميع الأحوال فسوف يلعب المال السياسي، سواء المحلي أو القادم من الخارج، دورا كبيرا في التاثير على النتائج النهائية لتلك الانتخابات، لكنه لن ينجح بالضرورة في ضمان نسبة مشاركة معقولة فيها.
الوقت: لماذا شهد الیوم الأول من الانتخابات
اقبالا ضعیفا من قبل الناخبین؟
نافعة: شهد اليوم الأول إقبالا ضعيفا لأسباب كثيرة، بعضها فني يعود يتعلق
بنظام الانتخاب نفسه، وهو نظام لم يفهمه أو يستوعبه معظم الناخبين، أو يتعلق
بإجراءات العملية الانتخابية التي لم تفسح وقتا كافيا للدعاية، أو لأسباب سياسية
تعود في معظمها إلى حالة الاستقطاب السياسي القائمة حاليا وعدم رضاء قطاعات كبيرة
من الشعب، خاصة الشبابية منها، عن السياسات المتبعة الآن في مختلف المجالات. وفي
تقديري أن تأثير العوامل السياسية هي الأكثر حسما في تفسير تدني نسبة الإقبال على
الانتخابات في اليوم الأول، وهي حالة قابلة للاستمرار حتى في المرحلة الثانية.
فلدى معظم الناخبين إحساس أن معظم المرشحين ينتمون لنفس التيار ولا يوجد تنافس
حقيقي، وبالتالي سيكون البرلمان مجرد امتداد للسلطة التنيفذية، ولن يؤثر ذهابه أو
عدم ذهابه كثيرا في النتائج النهائية.