الوقت- لا يزال الوضع الداخلي الفلسطيني يشكل هاجساً لدى الساسة والشعب على حد سواء، فالانقسام الحاصل بين الفلسطينيين لا يخدم أحداً سوى العدو الاسرائيلي، وكان هناك محاولات سابقة لانهاء الانقسام الفلسطيني واصلاح ذات البين، ولكنها باءت بالفشل، وحالياً عادت الآمال تُعقد على إتمام المصالحة وتخطي العقبات الإقليمية التي يمكن أن تعترض طريقها، ولكن ما الذي يضمن نجاح المصالحة؟، وهل ستساعد التغيرات الاقليمية على اتمامها ام على وضع العراقيل في وجهها؟.
العام الجديد يحمل آمالا جيدة للفلسطينيين بناءً على المبادرة الجديدة التي اطلقتها حماس، حيث تخلت عن شرطها الخاص بإجراء الانتخابات الفلسطينية التشريعية والرئاسية و"المجلس الوطني"، بشكل متزامن، ووافقت على عقدها بالتتابع، بعد أن تلقت"ضمانات عربية ودولية".
المبادرة الجديدة أعلن عنها رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية الأحد، إذ أكد قبول حركته إجراء انتخابات فلسطينية برلمانية ورئاسية ومجلس وطني على التوالي لا التزامن.
وكانت حماس في السابق تشترط إجراء جولات الانتخابات الثلاث بشكل متزامن، وهو ما تسبب في عرقلة مباحثات المصالحة، حيث كانت حركة فتح تطالب بإجراء الانتخابات التشريعية أولا، تليها الرئاسية ثم المجلس الوطني.
وقال هنية في كلمة متلفزة بثتها قناة الأقصى إن حماس أكدت استعدادها لإجراء انتخابات فلسطينية تشريعية (برلمانية)، ورئاسية، والمجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير الفلسطينية) بالتوالي بضمان تركيا ومصر وقطر وروسيا. وأضاف إن حماس تفهمت ضرورة استئناف مسيرة الحوار الداخلي، وعلى هذا بعثت رسائل إلى كل من مصر وقطر وتركيا وروسيا والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وتابع هنية إن الحركة أكدت في الرسائل استعدادها لاستئناف الحوار الوطني، وإنجاز اتفاق لإجراء انتخابات تنتهي في غضون 6 أشهر.
مبادرة حماس قد تفتح الباب مجدداً أمام مصالحة قد تكون تاريخية، وبينما وافقت حماس على طلب حركة فتح بإجراء الانتخابات "وفقاً للقائمة الموحدة، وبالتمثيل النسبي الكامل باعتبار الوطن دائرة انتخابية واحدة"، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في وقت سابق ترحيبه بمضمون رسالة تسلمها من رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، حول"إنهاء الانقسام، وإجراء الانتخابات"، لتبدو المبادرة هذه المرة جدية، وخاصة أنها نابعة من الداخل الفلسطيني وليست بوساطة خارجية.
لكن عدة عوامل إقليمية ومحلية وإسرائيلية ربما تكون قادرة على رسم ملامح المباحثات القادمة، أو تلقي ظلالها عليها بطريقة أو بأخرى.
الكرة اليوم بملعب الفلسطينيين، لأنهم أصبحوا على بينة ويقين تام بأن إنهاء الانقسام وتمتين الجبهة الداخلية وإعادة بناء المؤسسات وتبني استراتيجية موحدة بمشاركة الكل الفلسطيني، أصبح أمرا ملحاً جداً، ويمثل الحل الامثل لجميع الاطراف.
الجيد هذه المرة ان هناك ارتياحاً كبيراً لدى الأوساط السياسية وخاصة السلطة والفصائل المختلفة تجاه هذه الخطوة. وما يجعل حماس تطمئن أيضاً ضمان خمس دول للانتخابات الفلسطينية، ووفق مصدر مطلع، فقد تواصل الرئيس الفلسطيني عباس مع تلك الدول وطلب تدخلها في إنجاح المصالحة الوطنية، والتي قامت بدورها بالتواصل مع قيادة الحركة وقدمت الضمانات.
ما الذي تغير ودفع حماس للاتجاه نحو تقديم مبادرة جديدة:
أولاً: توجه اسرائيل نحو إجراء انتخابات رابعة في آذار القادم، وكذلك قدوم إدارة أمريكية جديدة بقيادة الديمقراطي جو بايدن، بعد هزيمة الرئيس المتطرف دونالد ترامب في الانتخابات.
ثانياً: حركة حماس على الرغم من موقفها المعارض للمفاوضات إلا أنها لا تريد أن تحمل نفسها مسؤولية تعطيل مسار الحوار الفلسطيني من أجل المصالحة ولا تريد أن تكون خارج إطار انتخابات مفترض أنها تمنح الشرعية للكل وتشكل بداية للشراكة السياسية والاندماج في النظام السياسي، وبالتالي فإن الانتخابات هي المخرج الحقيقي لهذه الأزمة والتي ستزيل الحجر الأصعب في مسار التقارب الفلسطيني.
ثالثاً: هناك خشية من شنّ إسرائيل حرباً على غزة في هذه المرحلة لجعل دماء الفلسطينيين مادة للمنافسة الانتخابية بين اليمين واليمين المتشدد، بالتالي فإن الذهاب إلى المصالحة والانتخابات والبدء في تجديد مؤسسات منظمة التحرير من شأنه أن يجنب غزة مثل هذا التصعيد.
وفي16و17 تشرين الثاني الماضي، عقدت حركتا "حماس" و"فتح"في القاهرة لقاءات لبحث جهود تحقيق المصالحة الداخلية وإنهاء الانقسام.
وسبق ذلك عقْدُ الحركتين في أيلول الماضي، لقاءً بمدينة إسطنبول التركية، اتفقتا خلاله على"رؤية، ستُقدم لحوار وطني شامل، بمشاركة القوى والفصائل الفلسطينية".
لكن الجهود تعرقلت بعد ذلك، وتبادلت الحركتان الاتهامات، حول الجهة المتسببة في تعطيل جهود المصالحة. وقالت حركة"فتح"، في 25 تشرين الثاني الماضي، إن حوارات المصالحة الفلسطينية،"لم تنجح"بسبب خلافات مع"حماس"حول مواعيد إجراء الانتخابات.
وأُجريت آخر انتخابات فلسطينية للمجلس التشريعي مطلع عام 2006، وأسفرت عن فوز حركة حماس بالأغلبية، فيما كان قد سبق ذلك بعام انتخابات للرئاسة وفاز فيها محمود عباس.
وما بين متهكم ومتندر وغاضب من مماطلة الحركتين في إنجاز هذا الملف العالق منذ 13 عاما، تبرز خيبة الأمل لدى المواطنين الفلسطينيين من جدية الحركتين في تجاوز حالة الانقسام التي أدت إلى إضعاف الحالة الفلسطينية، فهل ستحمل الخطوات المقبلة في طياتها جدية الأطراف المتصارعة في تسوية الخلافات أم كعاداتها السابقة؟.