الوقت - بالأمس سافر وزير الدفاع العراقي إلى القاهرة، فيما توجد دلائل على زيادة التفاعل ومستوى التعاون بين بغداد والقاهرة. وتأتي زيارة هذا المسؤول العراقي رفيع المستوى إلى القاهرة بعد عدة زيارات قام بها مسؤولون مصريون إلى العراق، بما في ذلك الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي" إلى بغداد.
حكومة عبد الفتاح السيسي التي اتخذت مواقف داعمة لاستقرار ووحدة العراق منذ دخولها قصر "الاتحادية"، حاولت توسيع علاقات مصر مع العراق من خلال البوابة الأردنية. کما سبق لها أن استضافت رؤساء وزراء عراقيين سابقين في القاهرة عامي 2015 و2019.
وفي قمة الدول الثلاث أي الأردن ومصر والعراق في القاهرة (2019)، تمت مراجعة واعتماد التعاون الاستراتيجي بين هذه الدول لأول مرة.
مع وصول "الكاظمي" إلى السلطة في العراق، سارت بغداد على نفس المسار لتطوير العلاقات مع القاهرة، وتابعت قيادتا البلدين بالفعل الاتفاقات الاستراتيجية التي تم التوصل إليها بين الدول الثلاث، خلال اجتماع بحضور "عبد الله الثاني" في الأردن.
وعليه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو، ما هي أهداف القاهرة من تطوير العلاقات مع بغداد؟ وفي غضون ذلك، ما هي المكونات التي تؤثر في العلاقات بين بغداد والقاهرة؟
العلاقات الاقتصادية والسياسية-العسكرية
المحور الرئيس للتعاون المحدد بين العراق ومصر، والذي يکون فيه الأردن حلقة الاتصال؛ له ثلاثة مكونات، هي الاقتصادية والعسكرية والسياسية. وهذا هو حجر الزاوية في الخطة التي سميت فيما بعد بـ"الشام الجديد".
في الواقع، تعتزم الحكومة المصرية، آخذةً في الاعتبار احتياجاتها من الطاقة، توفير جزء كبير من احتياجاتها من العراق، وخاصةً في مجال النفط، ومن ناحية أخرى توفير جزء من احتياجات العراق من الطاقة، وخاصةً في مجال الكهرباء.
من ناحية ثالثة، فإن آثار الحرب المدمرة في العراق والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الأساسية في هذا البلد، دفعت مصر إلى التفکير في إرسال قواها العاملة وكذلك الشركات المصرية إلی العراق لإعادة بناء هذا البلد في حقبة ما بعد داعش.
في غضون ذلك، فإن التعاون السياسي والعسكري بين الجانبين يستلزم التأکيد على استقرار المنطقة ومكافحة الإرهاب، أكثر من أي شيء آخر. وبمعنى آخر، بما أن مصر نفسها تواجه تحدي الإرهاب في منطقة "سيناء"، ويواجه العراق من ناحية أخرى تحديات أكثر خطورةً في هذا الصدد، فقد حاول الجانبان زيادة مستوى تعاونهما في مكافحة الإرهاب.
المهم في هذا الأمر هو أن مصر في زمن السيسي وعلى عكس ما كان يريده "مرسي"، قد أعلنت سياساتها تجاه سوريا والعراق بمبدأ الحفاظ على الاستقرار والوحدة في هذين البلدين، وقد أدى ذلك إلى ابتعاد مواقف القاهرة عن موقفي أبو ظبي والرياض، الحليفين العربيين الرئيسيين لمصر.
لكن مع مراجعة الإمارات والسعودية لسياساتهما تجاه سوريا والعراق، فقد توفَّرت الأرضية لزيادة مستوى التعاون بين مصر والعراق، أكثر من ذي قبل.
المكونات التي تؤثر في العلاقات بين القاهرة وبغداد
تتأثر العلاقات بين مصر وبغداد بالعديد من المتغيرات الخارجية المهمة والأساسية. وفي البعد الأول، يمكننا أن نذكر تركيا.
بعبارة أخرى، إن زيادة نفوذ تركيا في العراق بأبعاد سياسية واقتصادية، وخاصةً وجودها العسكري في شمال العراق بحجة محاربة الإرهاب، أمر غير مرغوب فيه على الإطلاق بالنسبة للقاهرة، وتحاول مصر تضييق المجال علی تركيا في كل هذه المجالات.
وعلی هذا الأساس، يمكننا تحليل ترحيب مصر باتفاق الحكومة المركزية العراقية مع إقليم كردستان بشأن "سنجار". وفي الواقع، تعتقد مصر أن هذا الاتفاق يزيل جزءاً من أعذار تركيا للوجود العسكري في شمال العراق.
ويمكن اعتبار المحور السعودي-الإماراتي بعداً آخر يؤثر في العلاقات العراقية المصرية. ويتضمن هذا البعد منظورين مختلفين؛ الأول هو منظور هذا المحور لهذه العلاقات، والمنظور الثاني هو نظرة القاهرة لهذا المحور.
بمعنى آخر، يرحب المحور السعودي الإماراتي بزيادة التفاعلات بين القاهرة وبغداد، ويتم هذا الترحيب بهدفين: 1. إبعاد العراق عن جمهورية إيران الإسلامية 2. تقليص النفوذ التركي في العراق.
لكن هذا الترحيب ليس بلا حدود، والسعودية والإمارات قلقتان من زيادة مستوى التعاون بين مصر والعراق، لأن هذا التعاون، الذي يشمل الأردن، قد يشمل لاحقًا دولًا عربيةً أخرى، بما في ذلك سوريا، ويخلق محوراً يتنافس مع نفوذ المحور السعودي الإماراتي في المنطقة العربية.
هذا في حين أن مصر تحاول أن تصبح أقل اعتمادًا على نفط الدول الخليجية، وتستورد النفط العراقي بسعر معقول(أو تبادل النفط بالكهرباء)، لتنتزع أداة ضغط النفط المجاني(أو الرخيص) من يد السعودية والإمارات.
من ناحية أخرى، ومن أجل لعب دور فاعل في المنطقة وكسر عزلة السنوات الأخيرة، تعتزم مصر بشكل تدريجي وحذر استقطاب الاستثمارات من الإمارات والسعودية في مصر، وبالتزامن مع ذلك تشكيل محور جديد يمكن أن يمارس النفوذ السياسي والأمني في المنطقة. وسيشمل هذا المحور العراق والأردن وربما سوريا لاحقًا، والعديد من دول شمال إفريقيا أيضاً.
أما البعد الثالث في هذا الشأن فهو جمهورية إيران الإسلامية. ووفق بعض الخبراء فإن خطة الشام الجديد هي بالأساس خطة أمريكية، تهدف إلى فصل العراق عن محور المقاومة. هذا في حين أن هناك شکوكاً جوهريةً حول نجاح خطة الشام الجديد، وقدرة مصر على تلبية احتياجات العراق.
يبدو أن هذه الخطة غير قادرة على تلبية احتياجات العراق على الأقل في المدى القصير، وحتى المدى المتوسط، وبالتالي فلا يمكن أن نتوقع نجاح هذه الخطة.
إلى جانب تصدِّيها للأزمة الاقتصادية في السنوات الأخيرة، تعتمد مصر على المساعدات العسكرية والاقتصادية الخارجية لتلبية احتياجاتها، كما أن ضعف القاهرة في هذه المجالات، إلى جانب وجودها في جبهة التسوية العربية، قلَّصا من جاذبية مصر للقوى السياسية والرأي العام العراقي، في سبيل إنشاء تحالف أجنبي.