الوقت- لقد عقدت السعودية خلال السنوات الماضية وتحديداً منذ تولي "محمد بن سلمان" منصب ولي العهد ووزارة الدفاع في المملكة، العديد من صفقات الأسلحة الضخمة مع العديد من الدول الغربية ومن بينها ألمانيا والتي وصلت قيمتها في بعض الصفقات إلى مليارات الدولارات، رغم المعارضة الشديدة داخل بلدان تصدير السلاح ومن منظمات حقوقية دولية عدة. وتخوض السعودية حرباً عبثية ضد اليمن وضد أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية التي بدأت مؤخراً بتهديد العمق الاستراتيجي السعودي بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وربما يفسر ذلك مساعي الرياض لشراء المزيد من الأسلحة خوفاً من تطور الصراع مع المقاومة اليمنية خلال الفترة القادمة.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية أن ألمانيا اتخذت قراراً في عام 2018 بوقف كل شحنات العتاد العسكري للسعودية، وهذا الامر أثر كثيراً على صفقات الرياض العسكرية، رغم أنها تمثل ما يقل قليلاً عن 2% من مجمل الواردات السعودية من الأسلحة، لكن أسباباً تدخل في سياق تصنيع الأسلحة دفعت الرياض للتودد عدة مرات من أجل إعادة استئناف تصدير الأسلحة من برلين. وكانت ألمانيا فرضت في نوفمبر عام 2018 حظرا على مبيعات الأسلحة للسعودية في المستقبل وأوقفت مؤقتا شحنات عتاد سبق لها الموافقة عليها، وذلك في أعقاب الجرائم الوحشية التي قامت بها في اليمن وعقب مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية بإسطنبول.
وعلى هذا الصعيد، ذكرت العديد من المصادر أن طرفا الائتلاف الحاكم في ألمانيا بزعامة المستشارة "أنغيلا ميركل" قد اتفقا في معاهدة الائتلاف في عام 2018 على وقف تصدير السلاح لكل الأطراف المشاركة بشكل مباشر في حرب اليمن، لكن هذا الاتفاق ترك العديد من العديد من الابواب الخلفية مفتوحة ولم يتم تطبيق حظر تصدير سلاح كامل إلى السعودية إلا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 بعد مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في قنصلية بلاده في تركيا، وتم تمديد هذا الخظر ثلاث مرات، آخرها أسفر عن تمديد الحظر حتى نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2020.
ولفتت تلك المصادر إلى أنه خلال مؤتمر "ميونيخ" للأمن الذي عقد منتصف فبراير 2020، طلب وزير الخارجية السعودي، "فيصل بن فرحان آل سعود"، من الحكومة الألمانية إنهاء وقف تصدير أسلحة ألمانية إلى بلاده، مؤكداً حاجة المملكة الملحة إلى السلاح في الوقت الحالي. وزعم الوزير السعودي في مقابلة له: "نأمل أن تفهم ألمانيا أننا نحتاج إلى وسائل للدفاع عن أنفسنا"، مشيراً إلى الهجمات التي تعرضت لها منشآت نفطية في السعودية العام الماضي. واعتبر "آل سعود" استمرار الحكومة الألمانية رغم ذلك في عدم إصدار تصاريح بتوريد أسلحة للسعودية أمراً غير ملائم في إطار العلاقات الجيدة التي تربط بين البلدين.
تمديد حظر بيع الاسلحة على السعودية
ذكرت العديد من التقارير الاخبارية أنه بسبب الحرب المستمرة في اليمن والجرائم الوحشية التي قام بها تحالف العدوان السعودي في حق أبناء الشعب اليمني الاعزل خلال السنوات الماضية، طالب الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم في ألمانيا، بتمديد حظر تصدير أسلحة ألمانية للسعودية حتى نهاية هذا العام على الأقل. وقالت نائبة رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، "جابريلا هاينريش" في الـ17 فبراير الماضي: "بدون تحول جذري للسعودية في حرب اليمن، إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية على مستوى العالم، لا يمكن ولا ينبغي أن يكون هناك تصدير أسلحة إليها". وطالبت "هاينريش" أيضاً بمواصلة الحد من تصدير أسلحة بوجه عام لدول ما يسمى بالطرف الثالث، وهي الدول التي لا تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي. وفي فبراير 2019، أعلن وزير الخارجية الألماني "هايكو ماس"، أن مسألة استئناف توريد الأسلحة إلى السعودية هي رهن بحل الصراع في اليمن. وقال "ماس": "موقف الحكومة الفيدرالية هو أننا لن نقوم في الوقت الحالي بتوريد السلاح إلى السعودية، وأن القرار في المستقبل سيعتمد على تطور الصراع في اليمن، وعلى تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها في مشاورات السلام في استوكهولم، وعلى وجود عملية متدرجة تؤدي بدورها في نهاية المطاف إلى تحقيق السلام في اليمن".
وردا على هذا الحظر المستمر منذ نحو عامين، زعم وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية "عادل الجبير"، إن بلاده لا تحتاج إلى المعدات العسكرية الألمانية، وإن قرار سلطات ألمانيا حظر تصدير الأسلحة للسعودية "خطأ" و"غير منطقي"، حسب تعبيره. وقال "الجبير" في تصريحات صحفية: "فكرة وقف بيع الأسلحة للسعودية بسبب حرب اليمن أعتقد أنها غير منطقية". وزعم "الجبير": "نعتقد أن هذا خطأ لأننا نعتقد أن الحرب في اليمن حرب مشروعة.. إنها حرب أجبرنا على خوضها".
يذكر أن السعودية أكبر مستورد للأسلحة في العالم، حسب أرقام حديثة وهذه ليست المرة الأولى التي ينتقد فيها "الجبير" الحظر المفروض على تسليح بلاده، وتأكيد أنهم سيحصلون على الأسلحة من مكان آخر. وجاءت تصريحات هذا الوزير السعودي، بعد زيارة استمرت يومين في برلين، التقى خلالها الرئيس الألماني "فرانك فالتر شتاينماير"، ووزير الدولة في الخارجية الألمانية "ميغيل بيرجر"، حيث بحث معهما العلاقات الثنائية. وبعد تمديده عدة مرات، سيطرح الحظر الألماني على صادرات الأسلحة للسعودية مرة أخرى للنقاش في الأسابيع المقبلة، قبل حلول موعد انتهاء الحظر في 31 ديسمبر/كانون الأول.
ما أهمية صادرات ألمانيا من السلاح للسعودية؟
ذكرت العديد من الخبراء السياسيين أن قرار ألمانيا حول قيود الأسلحة يدفع بخلافات قديمة بين برلين وشركائها الأوروبيين إلى نقطة الغليان. وتمثل ألمانيا التي فرضت قيوداً على مبيعات السلاح في السنوات الأخيرة ما يقل قليلاً عن 2% من مجمل الواردات السعودية من الأسلحة، غير أن دورها في تصنيع مكونات تدخل في صادرات دول أخرى يتيح لها إفساد مشروعات أوروبية مربحة. وأكد اولئك الخبراء أن الحظر الألماني على مبيعات السلاح للسعودية يعطل شحنات من صواريخ "جو/جو" من طراز "ميتيور"، وذلك لأن نظام الدفع في الصواريخ ورؤوسها الحربية تصنع في ألمانيا.
ولفت اولئك الخبراء إلى أن السعودية تملك أنظمة تسلح ألمانية خالصة، تعد بالغة الأهمية في استراتيجيتها العسكرية، ما يجعل توقف عمليات تصديرها، والذخائر الضرورية لعملها، ضربة موجعة للجيش السعودي الذي يخوض قتالًا في اليمن منذ 2015، ويحشد أحدث الأسلحة تحسبا لأي سيناريو مفاجئ. وبين عامي 2001 و2018، صدرت ألمانيا أسلحة بقيمة 4.2 مليار يورو للسعودية، شملت معدات مكافحة الحرائق والطائرات والسفن الحربية والدبابات والمعدات الكهربائية والبرمجيات والأجهزة المتفجرة والذخيرة والأسلحة الصغيرة.
كما أن القرار الألماني بتمديد حظر بيع الاسلحة للسعودية، يقوض صفقة بـ13 مليار يورو لبيع 48 مقاتلة "يوروفايتر تايفون" ذات الإمكانات التسليحية الكبيرة والقدرة الفائقة على المناورة، للسعودية، لأن المكونات الألمانية ضرورية في صناعة المقاتلة التي تعد إنتاجًا مشتركًا بين خمس دول هي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المكونات الألمانية ضرورية أيضًا في تصنيع أنظمة تسلح "يوروفايتر تايفون"، ما يشل 72 مقاتلة من هذا النوع تمتلكها السعودية بالفعل منذ 2007، وتوقفت مروحيات فرنسية أخرى عن العمل في المملكة العربية السعودية، بسبب عدم وجود قطع الغيار الألمانية. ويعطل غياب المكونات الألمانية أيضًا، تحرك شحنات صواريخ "ميتيور جو-جو" للسعودية من إنتاج شركة "إم.بي.دي.أي" التي تملكها شركات "إيرباص" و"باي سيستمز" البريطانية وشركة "ليوناردو" الإيطالية.