الوقت- أعلنت وكالة الأنباء البحرينية الرسمية، صباح يوم الأربعاء ، وفاة رئيس وزراء البحرين ذو التجربة الكبيرة خليفة بن سلمان آل خليفة عن عمر يناهز 84 عاما في مستشفى في الولايات المتحدة الامريكية. حيث ان خليفة والذي يحمل لقب أطول مدة يشغلها شخص في منصب رئيس الوزراء في العالم، هو عم الملك حمد بن عيسى آل خليفة والذي شغل منصب رئيس الوزراء منذ العام الذي سبق إعلان استقلال البحرين عن إيران في عام 1971، أي ما يقرب من نصف قرن.
خليفة هو نجل حاكم البحرين السابق الشيخ سلمان بن حمد، الذي حكم الجزيرة منذ عام 1942 حتى عام 1961. وقد كان شخصية مؤثرة وقوية للغاية بين أسرة آل خليفة الحاكمة، كما لعب أيضا دورا رئيسيا في قمع المعارضة والاحتجاجات الشعبية على مدى العقود الماضية ، أي أنه كان العقل المدبر لجهاز قمع آل خليفة. وتواصل عائلة آل خليفة، التي حكمت جزيرة البحرين الصغيرة منذ عام 1783، مقاومة التطورات الداعية للديمقراطية كما معظم الدول الأخرى المطلة على الخليج الفارسي وتحكم قبضتها بقوة وحزم على السلطة.
ووفقا لتقليد سياسي غير رسمي، بينما يكون الحاكم مسؤولاً عن الدبلوماسية والتشريفات السياسية في الجزيرة، يكون رئيس الوزراء مسؤولاً عن الشؤون الحكومية والاقتصادية. وفي هذا الصدد ، كان خليفة مسؤولاً عن شؤون البلاد، ويشار إليه على أنه أحد مهندسي الاقتصاد البحريني، كما وصفه ولي عهد الامارات محمد بن زايد في رسالة على موقع تويتر بعد وفاة خليفة بأنه من "مهندسي البحرين الحديثة".
ومن إنجازاته افتتاح طريق الملك فهد السريع عام 1986 كأول اتصال بري بالمملكة العربية السعودية، والذي يمثل أهمية اقتصادية وأمنية كبيرة للحكومة البحرينية.
ومع هذا فان إرث الشيخ خليفة السياسي يتلخص في القمع والفساد، كما ان خصومه وحتى المواطنون البحرينيون يرون على انه رمز مثالي لنظام ديكتاتوري يفقد بموته أحد أعمدة سلطته ويصبح أكثر ضعفاً وهشاشة.
أمير القمع؛ من احتجاجات التسعينيات إلى الصحوة الإسلامية
تعود الفجوة بين المجتمع والحكومة في البحرين على مدى العقود الثلاثة الماضية على الأقل إلى الظلم والتمييز الممنهج ضد غالبية الشيعة في المجتمع المعترضيت على مقاومة الأسرة الحاكمة لاجراء إصلاحات حقيقية للقضاء على التمييز ووضع القمع الممنهج للاحتجاجات على جدول الأعمال. وثمة هناك تهمة أخرى ضد الحكومة وهي محاولة تغيير الترتيب الديني في البلاد من خلال منح الجنسية للعرب السنة من أجزاء أخرى من الشرق الأوسط والدول الآسيوية مثل اليمنيين والباكستانيين.
وفي غضون ذلك، كان دور الشيخ خليفة في خلق مثل هذا الصدع بارزا جدا. وفي هذا الصدد قال السيد أحمد الوادايي، الناشط السياسي البحريني البارز وزعيم المعارضة في المنفى، إن الشيخ خليفة خطط لـ "حملة قمع وحشية" على المعارضة في التسعينيات وأشرف على قمع انتفاضة عام 2011. وقال مارك أوين جونز، الأستاذ المساعد لدراسات الشرق الأوسط بجامعة حمد بن خليفة في قطر: "إن وفاة أكبر رئيس وزراء في العالم ستلقى ترحيبا من قبل العديد من المعارضين السياسيين البحرينيين لأنه كان أحد المهندسين الرئيسيين للنظام القمعي".
وفي التسعينيات (1994- 1998)، شن الشيعة في البحرين انتفاضة للمطالبة بالتنمية الاقتصادية والإصلاح السياسي، لكن الشيخ آل خليفة تلقى هذه الاحتجاجات من خلال تطويق الآلاف وتبني نهج القبضة الحديدية.
ومع نجاح الحكومة في قمع الاحتجاجات وتكرار ادعاءات الإصلاح من قبل الملك الجديد حمد بن عيسى آل خليفة، أصبح اسم خليفة مرتبطًا بشكل متزايد بقضية الفساد وأصبح رمزا للفساد السياسي والاقتصادي للنظام الحاكم بين المعارضة والرأي العام.
ومع بدء فيضان الحركات الثورية في البلاد والتي اجتاحت أمواجها البحرين، وارتفع لهيب الاحتجاجات في البحرين مثل برميل البارود الذي يحتاج إلى شرارة. وفي هذا الصدد ، كان دور الشيخ خليفة في الدفاع العنيد عن أسرة آل خليفة وانتقاد الاضطرابات المماثلة في جميع أنحاء العالم العربي بارزا.
بدأت الاحتجاجات في شهر فبراير عام 2011 في ساحة اللولو في العاصمة البحرينية. حيث جاء المتظاهرون من جميع أطياف المجتمع، ابتداءً من الشباب والشيوخ، صولاً الى السنة والشيعة، وكذلك من مختلف الجماعات السياسية. وكما هو الحال دائما في مثل هذه التجمعات، كانت المطالب مختلفة، من مطالب الإصلاح إلى نهاية الحكم الملكي. لكن مع مرور الوقت واتضاح أن النظام كان مترددا في تقديم تنازلات للمتظاهرين، ارتفعت الأصوات المطالبة بإنهاء حكم آل خليفة. وفي هذه الاحتجاجات، تولى الشيخ خليفة دور زعيم القمع والعقل المدبر للقمع، كما فعل في التسعينيات.
وفي 14 مارس 2011 ، دخلت قوات من مجلس التعاون الخليجي البحرين بموجب اتفاقية تسمى درع الجزيرة الأمني لقمع الاحتجاجات دعماً للأسرة الحاكمة. حيث تألفت قوات الاحتلال من 1000 سعودي و 500 إماراتي وعدد قليل من القطريين. وأصبح الوضع العام في البلاد آمنا، واتخذ الملك إجراءات استثنائية لتكثيف القمع، بما في ذلك إعلان الحكومة العسكرية، وإعدام المعارضين وسجنهم وتعذيبهم، وإلغاء وسحب الجنسية منهم، وحل منظمة الوفاق بصفتها الجماعة المعارضة الرئيسية.
ورافق حملة القمع هذه الضوء الأخضر من الدول الغربية التي تخشى التطورات الديمقراطية في البلاد، لا سيما أن البحرين تستضيف الأسطول الخامس الأمريكي والبحرية الملكية البريطانية.
وفي هذه المرحلة تحدث الشيخ خليفة في مقابلة مع صحيفة دير شبيجل الألمانية ضد الحركات الثورية في جميع أنحاء العالم العربي. وقال "هل تعتقد أنني سعيد لرؤية ما حدث في كل هذه البلدان؟" هذا ليس "الربيع العربي". الربيع يدور حول الزهور والناس السعداء والحب وليس الموت والفوضى والدمار."
حتى عندما سُئل عن طلب المواطنين البحرينيين بإقالته من منصب رئيس الوزراء، والذين وصف فترة عمله التي استمرت 40 عاما بأنها ديمقراطية على الرغم من وصف المواطنين له بانه مسؤول غير منتخب من قبل الشعب. وعندما سئل عن هذا الخصوص في عام 2012 قال: "ماذا إذن؟ الأنظمة الديمقراطية مختلفة جدا ... لماذا لا يمكننا أن نكون مختلفين؟"
وقال "صدقوني، لو كان وجودي وحده هو سبب الاضطرابات، لكنت تركت مكتبي العام الماضي. لكن هذا مجرد عذر آخر من قبل المعارضة".
الخليفة المختلف؛ هل سيقلص الشيخ سلمان الفجوة؟
ولكن مع وفاة الشيخ خليفة، عين ملك البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة نجله وولي العهد رئيسا جديدا للوزراء. ومنذ تعيينه ولياً للعهد عام 1999 ، كان داعماً رئيسياً للإصلاح في الأسرة الحاكمة.
كما كان سلمان بن حمد مسؤولاً أيضا عن التفاوض مع المعارضة في ذروة الاضطرابات التي حدثت عام 2011.
لكن بينما لم يطرأ أي تغيير على نهج الحكومة تجاه المعارضة حتى الان، لا يزال القمع والمحاكمات الصورية والتمييز الممنهج ضد الشيعة قوياً، بل واتسعت دائرة الشقاق بين النظام والمجتمع بعد تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. حيث سدّت هذه الأمور طريق الاعتقاد بإصلاح النظام بين المعارضة بعد هذا العمل المخزي، ولا يبدو أن الخلفية المعتدلة للشيخ سلمان ستكون قادرة على سد هذه الفجوة العميقة.