الوقت- قالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وبرنامج الأغذية العالمي إن سوء التغذية الحاد بين الأطفال اليمنيين دون سن الخامسة بلغ أعلى مستوياته في جنوب البلاد خلال الفترة الماضية وأصدرت تلك المنظمات الإنسانية بياناً مشتركاً قالوا فيه: إن "النتائج التي توصلت إليها أحدث دراسة تحليلية لسوء التغذية الحاد للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي تُظهر زيادة في سوء التغذية الحاد في جنوب اليمن هذا العام". ولقد كشفت هذه الدراسة التحليلية والتي شملت 133 مديرية في المناطق الجنوبية من اليمن فقط، والتي يعيش فيها 1,4 مليون طفل ممن هم دون الخامسة، عن زيادة تصل إلى نحو 10 في المئة في حالات سوء التغذية الحاد في العام 2020. كما كشفت الدراسة أن أعلى زيادة في حالات الإصابة كانت لدى الأطفال الصغار المصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم بنسبة 15,5 في المئة خلال العام 2020، الأمر الذي من شأنه أن يعرض ما لا يقل عن 98,000 طفل دون الخامسة لخطر الموت إن لم يتلقوا العلاج بصورة عاجلة لسوء التغذية الحاد الوخيم.
وعلى صعيد متصل، كشف الخبراء القائمون على هذه الدراسة التحليلية، أن مزيجاً خطيراً من العوامل والتي على رأسها النزاع والتدهور الاقتصادي والحصائر الجائر الذي يفرضه تحالف العدوان على معظم المدن والمناطق اليمنية، تسبب في تعقيد وضع الأطفال الأصغر عمراً في اليمن. ففي المناطق الأكثر تضرراً والمشمولة في هذه الدراسة التحليلية وهي الأجزاء المنخفضة في محافظة أبين، والأجزاء المنخفضة في محافظة لحج، والأجزاء المنخفضة في محافظة تعز، يعاني تقريباً طفلٌ واحد من كل خمسة أطفال من سوء التغذية الحاد. أما بالنسبة للأجزاء المنخفضة في محافظة الحديدة فيعاني أكثر من طفل من بين كل أربعة أطفال أو ما نسبته 27% من الاطفال في تلك المناطق من سوء التغذية الحاد.
وأشارت نتائج تلك الدراسة التحليلية إلى أنه ما لا يقل عن ربع مليون امرأة حامل أو مرضع بحاجة للحصول على علاج لسوء التغذية. ويحذر خبراء الأمم المتحدة من أن العدد الفعلي للحالات يفوق ذلك على الأرجح إثر تفاقم العوامل المسببة لسوء التغذية في اليمن في العام 2020. ويعاني اليمن منذ فترة طويلة من واحد من أعلى معدلات سوء التغذية في العالم. وحتى اللحظة، كان للتدخلات الإنسانية لعلاج سوء التغذية والوقاية منه، وتقديم المساعدات الغذائية الطارئة، دور في الحيلولة دون حدوث تدهور أكثر حدة من ذلك. لكن في العام 2020 بدأت هذه المكتسبات التي تحققت بصعوبة تذهب أدراج الرياح حيث أدى تصاعد النزاع والحصار الاقتصادي وخفض المساعدات الإنسانية التي كانت تقدمها بعض الدول الغربية بجانب الأثر الجسيم لجائحة فيروس "كورونا" إلى دفع الناس المنهكين سلفاً إلى حافة الهاوية. وإضافة إلى ذلك فقد توقفت العديد من مشاريع المساعدات الإنسانية بما في ذلك المساعدات الغذائية الطارئة وخدمات المياه والصرف الصحي والإصحاح البيئي نتيجة عجز في التمويل. كما قد تتعرض برامج علاج سوء التغذية أيضا لخطر التوقف إذا لم يتم الحصول على تمويل إضافي في القريب العاجل.
وأكد الخبراء الأمميون القائمون على هذه الدراسة التحليلية أن العوامل التي تتصدر قائمة الأسباب التي جعلت اليمن على مدار فترات طويلة من أصعب الأماكن التي يمكن للطفل أو الأم العيش فيها، تتمثل في نقص وسوء جودة الغذاء، وارتفاع معدلات الأمراض المُعدية، وارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي، وانخفاض فرص الحصول على خدمات التغذية والصحية وتردي خدمات الصرف الصحي والإصحاح البيئي، وعدم قدرة الكثير من الأطفال على الحصول على لقاحات مهمة مثل لقاح الحصبة وشلل الأطفال.
وحول هذا السياق، أعربت "ليز غراندي"، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن بالقول: "لقد حذرنا منذ شهر يوليو من هذا العام من أن اليمن يقف على شفا أزمة أمن غذائي كارثية. وإذا لم تنته الحرب فوراً، فإننا نقترب من وضع لا رجعة فيه ونخاطر بفقدان جيل كامل من أطفال اليمن الصغار. وتؤكد البيانات التي صدرت قبل عدة أيام أن سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون الخامسة في أنحاء مختلفة من اليمن قد وصل إلى أعلى المستويات التي شهدناها منذ بدء الحرب". وأضافت "غراندي": "خلال العامين الماضيين، تمكنّا من التغلب على ما كان يمكن أن يكون أسوأ مجاعة في جيل كامل من خلال توفير كميات هائلة من المساعدات إلى المناطق الأكثر تضرراً وإلى العائلات في جميع أنحاء البلاد ومن خلال العمل مع السلطات لتحقيق الاستقرار في العوامل الاقتصادية التي قادت إلى تلك الأزمة. ومن المحزن عندما يكون الناس بحاجة إلينا، نكون غير قادرين على القيام بما هو ضروري بسبب عدم توافر التمويل".
وعلى صعيد متصل، قال "فيليب دواميل"، ممثل منظمة (اليونيسف) في اليمن: "إن حياة الآلاف من الأطفال والنساء على المحك. ويمكن علاج سوء التغذية الحاد والوقاية منه عبر حزمة من الخدمات الأساسية، لكن للقيام بذلك فإننا بحاجة لإجراءات ودعم عاجلين. وينبغي أن يسود شعور كبير بوجود ضرورة ملحة لإتاحة الموارد المالية اللازمة وضمان إمكانية الوصول إلى الأطفال والنساء الذين هم في أمس الحاجة للحصول على المساعدة".
ومن جانبه، قال الدكتور "حسين جادين"، ممثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في اليمن: "إن وضع التغذية المتدهور الذي أشارت إليه نتائج الدارسة التحليلية الأخيرة يسلط الضوء على الحاجة الملحة لضمان حصول كل فتاة وفتى وإمرأة ورجل على نظام غذائي صحي ومتنوع الآن وفي المستقبل. وهذا يعني بناء واستعادة واستدامة النظم الغذائية في اليمن من خلال توسيع الجهود فوراً لحماية سبل المعيشة للناس في اليمن وتمكينهم من إنتاج وبيع واستهلاك أغذية متنوعة وذات قيمة غذائية حتى في أوقات الأزمات الشديدة".
ومن جهته، قال "لوران بوكيرا"، مدير مكتب برنامج الأغذية العالمي في اليمن: "إن الدورة الشرسة للصراع والجوع تلحق خسائر فادحة بأولئك الذين هم بالفعل الأكثر ضعفاً. وتزايد معدلات سوء التغذية الحاد يعرض حياة الكثير من النساء والأطفال للخطر في الوقت الذي ستظل اليمن تستشعر عواقب هذا الأمر لأجيال قادمة. ولهذا يجب علينا وضع حدّ للسير في هذا الاتجاه المدمر. الآن هو الوقت المناسب للقيام بذلك".
وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الأممية، أنه من أجل إنقاذ الأرواح وتجنب المزيد من التدهور في الوضع، تحتاج الأمم المتحدة وشركاؤها إلى أكثر من 50 مليون دولار لتوسيع نطاق برامج التغذية بشكل عاجل بما في ذلك علاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم. وهناك أيضاً حاجة للتمويل من أجل توسيع نطاق برامج المياه والصرف الصحي والصحة بما في ذلك التحصين. ولا تزال اليمن تشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم. إذ يحتاج ما يقرب من 80 في المئة من السكان، أي أكثر من 24 مليون شخص إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية والحماية. وهذه الأزمة الإنسانية جاءت بسبب الحرب العبثية التي شنها تحالف العدوان السعودي مطلع عام 2015 على أبناء الشعب اليمني وحصاره البري والجوي والبحري على معظم المدن والمناطق اليمنية. ولهذا فلقد ناشدت العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية بإنهاء هذه الحرب وإنهاء هذا الحصار الجائر على أبناء الشعب اليمني لكي تتمكن المنظمات الإنسانية العالمية إنقاذ ما تبقى من أطفال اليمن وتقديم المساعدات الضرورية لهم.