الوقت- أعلنت الإمارات في 14 أغسطس والبحرين في 13 سبتمبر وبرعاية الولايات المتحدة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وقد تمّ التوقيع علی اتفاق تطبيع العلاقات مع تل أبيب مساء الثلاثاء 25 سبتمبر في البيت الأبيض(بالتزامن مع ذكرى الجريمة الصهيونية المروعة في قتل النساء والأطفال الفلسطينيين الأبرياء في مخيمي صبرا وشاتيلا في لبنان بقيادة المجرم أرييل شارون).
قوبلت خطوة أبو ظبي والمنامة هذه بمعارضة واسعة من جميع الفصائل الفلسطينية وعدد من الدول والحكومات الإسلامية.
هذا في وقت لا تزال فيه بعض الدول العربية تدافع بشكل كامل عن القضية الفلسطينية. والجزائر من الدول التي أبدت صراحةً معارضتها لتطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني.
حيث قال الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" في لقاء مع وسائل الإعلام، في إشارة إلى تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية والکيان الصهيوني: إن "قضية فلسطين مقدسة، وموقفنا في هذا الصدد ثابت وهو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشريف علی حدود عام 1967".
الجزائر لن تهنّئ المطبِّعين أبداً
وأوضح أن هناك اندفاعاً نحو تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية )الإمارات والبحرين) مع الکيان الصهيوني، مضيفًا: إن "الجزائر لن تهنئ هذه الدول ولن تنضم أبدًا إلى عملية تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني". وقد جدَّد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الموقف ذاته في خطابه القادم أيضاً.
تصريحات الرئيس الجزائري هذه دفعت حركة حماس للإعلان: أن "حماس تقدِّر تصريحات الرئيس الجزائري في معارضته الحازمة لتطبيع العلاقات مع تل أبيب ودعم القضية الفلسطينية، وتدل هذه التصريحات على أن هذا هو الموقف الجزائري الأساسي تجاه فلسطين، وهو ما أعلنه رئيس هذا البلد".
کذلك، قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة الجزائرية "عمار بلحيمر" لقناة الميادين الإخبارية: "إن قضية فلسطين قضية مقدسة. الجزائر تعتبرها أهم قضية. هذه قضية عادلة وموقفنا واضح لا لبس فيه وثابت. نحن لا نرحب بالتطبيع ولا ندعمه. قضية فلسطين قضية مهمة في السياسة الخارجية الجزائرية، وستبقى في قلب الشعب الجزائري".
وقفة شجاعة في زمن هرولة المطبِّعين نحو تل أبيب
إن موقف الجزائر هذا مهم وجدير بالثناء، في وقت سبقت فيه الأنظمة العربية الرجعية بعضها البعض للتقرُّب من تل أبيب. لقد اتخذ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون موقفاً شجاعاً ضد هرولة الأنظمة العربية نحو الکيان الصهيوني، ويعارض بشدة ارتماء الحكام العرب في أحضان تل أبيب وتوقيع اتفاقات التسوية معها.
کما أن موقف الجزائر هذا مهم، لأنه يؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تشکيل دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، ويعتبرها غير قابلة للمساومة والتراجع، وينتقد بشدة الأنظمة العربية، وخاصةً المشيخات، لإقامة علاقات مع الصهاينة مجانًا، ويشير إلى عدم رکوب قطار التسوية مع الكيان الصهيوني.
طبعاً موقف الجزائر هذا ليس بقضية جديدة، وهذا البلد قد وقف دائماً مع فلسطين وتطلعاتها، وكانت فلسطين تحظى بتأييد جزائري كامل ضد المحتلين الإسرائيليين، ولن يُنسى موقف الرئيس الجزائري الراحل "هواري بومدين" تجاه الفلسطينيين والعالم العربي والإسلامي، في دعم المحور المعادي للکيان الإسرائيلي.
ولا يُنسى أيضًا موقف الجزائر تجاه سوريا ودعمها لوحدة أراضيها، عندما واجهت دمشق مؤامرات وهجمات من جماعات مسلحة مدعومة من السعودية والولايات المتحدة والغرب.
وموقف الجزائر الداعم لفلسطين مهم لأن جامعة الدول العربية، التي لم يعد من الممكن تسميتها اتحادًا بل يجب تسميتها قبائل عربية منقسمة، لا تجتمع حتى على مستوى وزراء الخارجية العرب، لمناقشة الاتفاقية المشينة الإماراتية البحرينية مع الکيان الصهيوني.
ملك يتظاهر بدعم فلسطين ولكنه يسمح عملياً للطائرات الإسرائيلية بالمرور عبر أجواء بلاده
والبعض مثل العاهل السعودي يدَّعي دعم فلسطين، والطائرات الاسرائيلية تحلِّق فوق الأجواء السعودية إلى الإمارات والبحرين، وبعبارة أخرى إنه موقف أجوف وعبثي.
فكيف يهاجم الملك سلمان إيران بما يتماشى مع أهداف سيده دونالد ترامب، لكنه لا يشير بكلمة واحدة إلى الاتفاقات المخزية بين الإمارات والبحرين مع الکيان الصهيوني؟
غضب الکيان الإسرائيلي على الجزائر وتصاعد الحركات المناهضة لها
موقف الجزائر لم يغضب الدول العربية المطبِّعة فحسب، بل أزعج أيضًا صديق هذه الدول أي الکيان الصهيوني، وهو ما دفعهم إلی تکثيف تحركاتهم ضد الجزائر، حتى لا يبيع الروس مقاتلة "سوخوي 57" المتقدمة للجزائر في هذا الوقت، وخاصةً أن هذه المقاتلة هي الوحيدة التي يمكنها التعامل مع المقاتلة الأمريكية من طراز "إف 35"، والکيان الصهيوني وإيطاليا فقط هما اللذان يمتلكان طائرات "إف 35" الأمريكية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وتواجه تركيا بعض المشاکل في الحصول عليها من الولايات المتحدة، بسبب شرائها نظام "إس 400" من روسيا.
وسبب معارضة تل أبيب لحصول الجزائر على سوخوي 57 واضح أيضًا، لأنه يحقق نوعًا من التوازن، وتل أبيب لا تريد هذا التوازن لأن الجزائر تعارض تطبيع العلاقات مع الکيان الإسرائيلي، ولذا يحاول الصهاينة تأخير بيع روسيا هذه المقاتلات للجزائر.
من ناحية أخرى، فإن الصهاينة يعرفون جيدًا أن العلاقات بين الجزائر وروسيا قوية، وخاصةً في مجال الأسلحة، ولا يمكنهم الاطمئنان بأن روسيا لن تبيع هذه المقاتلات للجزائر، لأن حوالي 90٪ من أسلحة الجزائر روسية، بل هدف تل أبيب هو تأخير هذه المبيعات حتى عام 2025، حتى تتمكن من الحصول على سلاح يتفوَّق علی مقاتلات الجيل الخامس الروسية.
والهدف من تصرفات الکيان الصهيوني ضد الجزائر ليس فقط الحفاظ على التفوق العسكري لتل أبيب، ولكن أيضًا الضغط على الدول المعارضة للتسوية مع الکيان الإسرائيلي، وأن موقف الجزائر يجب ألا يشجع الدول العربية المترددة في التسوية أن تحذو حذو الجزائر.
الأمر المؤكد هو أن موقف الجزائر المعارض لتطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، قد أزعج تل أبيب بشدة، وكسر جدار الصمت العربي في وجه تطبيع العلاقات بين المشيخات والکيان الصهيوني، وأبرز الجزائر كداعم للقضايا العادلة والعالم العربي والإسلامي أكثر من أي وقت مضى.
هذا الموقف الجزائري اتُّخذ في وقت تصالحت فيه بعض الأنظمة العربية مع تل أبيب، وبعضها الآخر تحالف أو بقي صامتاً في أحسن الأحوال. وهذا الموقف سيكون له تأثير كبير على معنويات شعوب العالم العربي وثقتها بنفسها أمام المحتلين الإسرائيليين.