الوقت- يمكن القول إن دولة المؤسسات أمريكا، تشهد اليوم شبه ركودٍ فيما يتعلق بالعديد من القضايا الدولية الساخنة، في ظل إنشغالٍ بالإنتخابات الأمريكية. وهو ما يعني محاولة تهدئة العديد من الملفات الساخنة حتى نهاية الإنتخابات، ليتبين الى ما سيُفضي المشهد الإنتخابي، وهل سيُغيِّر الرئيس المنتخب الجديد أو الطرف السياسي الحاكم سياسات الخلف. لكن مسألة الشرق الأوسط وإن دخلت بازار الإنتخابات، تبقى مهمةً بالنسبة لأي مرشحٍ أمريكي، من زاويتين أساسيتين، أولاً، ضمان أمن الكيان الإسرائيلي وثانياً، استغلال موارد وخيرات المنطقة وترسيخها لمصلحة الإقتصاد الأمريكي. فكيف يمكن تبيان ذلك من خلال تصريحات المرشحين؟ وأين تقع أولوية السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط؟
تقرير حول تصريحات بعض المرشحين:
تفاجأ المتابعون للحملة الإنتخابية من الإعلان الذي أطلقه المرشح الرئاسي الأمريكي للحزب الجمهوري دونالد ترامب، الذي تضمن وعداً بإعادة غزو العراق وسوريا إن لزم الأمر لإيقاف تنظيم داعش الإرهابي، معللاً ذلك بأن السبيل للإنتصار على التنظيم الإرهابي هو بحرمانه من مصادر تمويله، والتي يرى ترامب بأن ريعها الاساسي يأتي من النفط. واللافت أن خطاب ترامب، الذي ألقاه على متن بارجة حربية شاركت في الحرب العالمية الثانية راسية على شواطئ لوس انجليس في ولاية كاليفورنيا، خلا من أي ملامح واضحة للسياسة الخارجية، وسادته لهجة الإستعلاء وربما عودة لسياسة القطب الواحد وإعادة الإحتلال.
وفي ظل غياب أي تصور لديه لحل أي أزمة من أزمات العالم باستثناء تصريحاته الخاصة بالقوة العسكرية الأمريكية والتي تنم عن عنجهية كبيرة تعود بالعالم لسياسة القطب الواحد، عكست تصريحاته عن العراق عودة للأطماع الأمريكية في العراق والتي أرسى قواعدها جورج بوش الابن. وهو الذي قال في مطلع خطابه: "نريد أن نضاعف القوة العسكرية للولايات المتحدة لنصبح أكبر قوة عسكرية على الأرض، ولكن لن يكون لنا حاجة لاستخدام تلك القوة والترسانة العسكرية الضخمة لأن امتلاكنا لقوة عسكرية عملاقة سيجعل العالم يهابنا.. ويحسب لنا ألف حساب ولن يفكر حتى ولو بالتفكير أن يدوس على طرف لنا". وعندما سئل ترامب كيف سيحارب تنظيم داعش، قال إنّ "داعش يسيطر على النفط وعلى أجزاء من العراق وعلينا أن نسلب داعش تلك الثروات النفطية وعلينا إذاً السيطرة والإستحواذ على النفط العراقي عن طريق غزو هذا البلد، وإذا ما انتخبت رئيسا فسأقوم بإرسال قوات برية أمريكية للعراق ونستولي على النفط العراقي ونبيعه عندها سيكون لدينا أموال طائلة نخصصها للعناية بقدامى المحاربين الأمريكيين وعائلاتهم". كما صرح ترامب قائلاً: "لو فزت سأستهدف تلك الحقول النفطية التي يسيطر عليها داعش الواحدة تلو الأخرى، فهم يستخرجون أموالًا طائلة منها. ثم سأرجع هذه الأموال لأكبر خمس شركات نفطية في أمريكا والتي ستتمكن من إعادة تأهيل هذه الحقول بسرعة عالية". وهو الأمر الذي سارع قائد أركان الجيش الأمريكي المنتهية ولايته الجنرال ريموند أوديرنو بالرد عليه، رافضاً تلك التصريحات واصفاً إياها بالقصيرة النظر.
وهنا نشير الى أن السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط كانت دائماً تدخل البازار السياسي الأمريكي بين المرشحين. فقد قال "جيب بوش" لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إنه سيعتمد على شقيقه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بشأن السياسة الأمريكية تجاه الكيان الإسرائيلي وقضايا الشرق الأوسط. فيما أشارت هيلاري كلينتون، مراراً في تصريحاتها الى مواضيع تتعلق بالشرق الأوسط. فسوريا، كانت دائماً محط تصريحات "كلينتون"، فهي أول من قالت إن الرئيس السوري بشار الأسد فقد شرعيته من وجهة نظر أمريكا، وذلك إثر هجوم متظاهرين موالين للنظام السوري على السفارتين الأمريكية والفرنسية في دمشق في منتصف العام 2011.
قراءة تحليلية:
يرى البعض من المراقبين أنه لن يكون هناك فرقٌ كبير في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط، أياً كان الفائز في الإنتخابات. في حين تدخل السياسة الأمريكية التنفيذية تجاه الشرق الأوسط، ضمن سياسة الأمن القومي الأمريكي. وهو ما يعني أن السياسة الإجرائية لواشنطن، مرهونة بالظروف والأحداث الحاصلة لا سيما أن طبيعة المنطقة متغيرة الأحداث. وهو الأمر الذي يدل على براغماتية واشنطن المعهودة في سياساتها الخارجية. لذلك يمكن القول إن المرشحين للإنتخابات غالباً ما يختلفون حول القضايا الداخلية أو السياسات التي تهم الداخل الأمريكي. وهو ما يمكن تلخيصه بالمناحي الإقتصادية، أي مسألة البطالة وفرص العمل والأجور والضرائب الى جانب مكافحة الإرهاب والجريمة وملف العنصرية.
لكن مسائل الأمن القومي الأمريكي والتي تعني المصالح العليا لأمريکا، لن تكون محط خلافٍ كبير. فيما تعتبر السياسة الخارجية لواشنطن، محط جدلٍ بين السياسيين على الرغم من وجود ثوابت أساسية. وهنا ووفقاً لخبراء استراتيجيين فإن السياسة الأمريكية في المنطقة ليست سياسة ثنائية بل هي سياسة ثلاثية، لأن الكيان الإسرائيلي يعتبر طرفاً دائماً وحاضراً في هذه العلاقة. مما قد يؤثر على السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط سلباً او إيجاباً، بحسب سياسات المرشح ازاء تل أبيب. في حين يغيب الشرق الأوسط عن جدول أعمال أغلب الناخبين الأمريكيين حيث أن اهتمام الناخب الأمريكي بالشرق الأوسط ضئيل جداً نسبةً بإهتمامه بمسألة الإقتصاد الأمريكي الذي لم يتعاف بعد، وبالتالي ينظر الناخب الأمريكي للشرق الأوسط من خلال تأثيره على الإقتصاد.
لا يوجد فرقٌ كبير في نظرة المرشحين تجاه الشرق الأوسط. فعلى الرغم من أن الناخب الأمريكي غير معنيٍ بذلك، إلا أن سياسة المرشح تجاه منطقة الشرق الأوسط تعني الكيان الإسرائيلي، وهو ما يرتبط بدعم اللوبي الصهيوني له في انتخاباته. لكن الواضح من خلال مسيرة واشنطن السياسية، أن تل أبيب ستبقى الخط الأحمر لأي رئيس، في حين تُدخل تحديات المنطقة وصعود دولٍ أخرى كروسيا والصين وإيران، العلاقة الأمريكية الإسرائيلية في مخاضٍ دائمٍ من محاولة إيجاد قاسمٍ مشتركٍ بين مصالح الطرفين، نتيجةً لما تحدثه التغيرات من اختلافٍ في قواعد الإشتباك السياسي في المنطقة، فيما تبقى تل أبيب أولوية واشنطن.