الوقت- منذ بدء العدوان السعودي على الشعب اليمني كان السلطات السعودية تعتبر حرب اليمن نزيهة، وأنهم قادرون على تحمل تبعات هذا العدوان، ولكن التكلفة كانت باهظة وحجم الخسائر كان مفاجئاً وبالفعل بدأت السعودية في جني عواقب هذه الحرب إقتصادياً.
ففي ظل انخفاض أسعار النفط وزيادة نفقات التسلح، تتحمل السعودية العبء الأكبر من تكاليف حرب اليمن كونها تقود تحالف "العاصفة" إذ تشارك لوحدها بمائة طائرة مقاتلة، كما أن حدودها الطويلة مع اليمن تشهد مناوشات عسكرية تصيب قرى ومدناً ومواقع سعودية بأضرار لا تتوفر معلومات حول حجمها. ورغم التكتم السعودي وعدم توفر البيانات يعتمد عليها بهذا الخصوص، إلا أن التقديرات الأولية المبنية على تكاليف حروب أخرى مشابهة ترجّح بأن التكلفة وصلت بحلول أواسط تشرين الأول /أكتوبر 2015 إلى نحو 40 مليار دولار تتضمن تكاليف تشغيل 175 طائرة مقاتلة وتزويدها بالذخائر وتكلفة وضع 150 ألف جندي سعودي في حالة استنفار تحسبا لاحتمالات توسيع نطاق الحرب.
كما يدخل ضمن نفقات الحرب أيضا المساعدات والتعويضات التي تقدمها السعودية ودول مجلس التعاون الأخرى لمصر وبلدان أخرى لقاء مشاركتها في العمليات والتي تقدر بمليارات الدولارات. وتتلقى مصر القسم الأكبر من المساعدات الخليجية التي يتم تقديمها من أجل الحرب أو لأغراض أخرى، فخلال مؤتمر شرم الشيخ أواسط آذار/ مارس 2015 تعهدت السعودية والكويت والإمارات بتقديم 12.5 مليار دولار للقاهرة على شكل مساعدات واستثمارات وودائع في البنك المركزي المصري. أما المساعدات المقدمة إلى الأردن والمغرب والسودان فتقدر بحوالي 5.5 مليار دولار.
والمسألة هنا لا ترتبط بتحمل السعودية لنفقات الحرب الحالية، بل في تبعات الحرب الأخرى إذا طال أمدها. فمع استمرار الحرب سيزداد الخوف والقلق في منطقة الخليج ويتراجع الاستثمار فيها، ولا يقتصر هذا الأثر على مشاريع القطاع الخاص بل يتجاوزها إلى مشاريع البناء والتشييد في القطاع العام والتي سيتأخر إنجازها أو سيؤجل تنفيذها بسبب إعادة النظر في أولويات الإنفاق الحكومي لصالح الإنفاق العسكري.
نشير هنا الى أن السعودية في السنوات الأخيرة قد زادت حجم إنفاقها العسكري بشكل غير مسبوق حتى وصل خلال العام الماضي إلى أكثر من 81 مليار دولار ليشكل ثالث أكبر ميزانية عسكرية في العالم بعد ميزانيتي أمريکا والصين.
أزمة النفط وأثرها على الإقتصاد السعودي
منذ أواخر العام الماضي، بدأ السعر العالمي للنفط بالهبوط تدريجياً ليصل في الآونة الأخيرة لأدنى مستوى له (40 دولار للبرميل)، وكان لهذا الإنخفاض عدة أسباب معلنة ولكن السبب الرئيسي هو ما بقي مخفياً عن أذهان البعض، فكما يذكر توماس فريدمان وهو الكاتب الأمريكي المعروف في مقال له في صحيفة "نيويورك تايمز" تضمن ان هناك "مؤامرة" أمريكية ـ سعودية لخفض أسعار النفط للإضرار بروسيا وإيران، وهذا ما أكدته مصادر أخرى وما ذكره المحللون.
هذه الحقيقة لم تكن مستغربة، فمعروف عن السعودية تبعيتها لأمريكا وما سياستها إلا خدمةٌ للمصالح الأمريكية، ومؤخراً كان النفط أهم بنود حزمة العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل أمريكا على دول مثل إيران بسبب برنامجها النووي، وروسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية.
ومرة ثانية فإن النار التي أشعلتها السعودية بدأت بحرقها داخليا، فتظهر تقارير صندوق النقد الدولي تراجعا في الإقتصاد السعودي، وتوقع الصندوق أن يصل عجز الموازنة السعودية إلى 140 مليار دولار خلال عام 2015/2016.
وذكر المحللون تداعيات عدة لانخفاض أسعار النفط كان أهمها تراجع قيمة الريال "العملة السعودية الوطنية" أمام الدولار وبطء وتيرة المشروعات الاقتصادية الجديدة في السعودية والإمارات، وتوقع مصرفيون أن تبيع السعودية المزيد من السندات، ربما بقيمة 20 مليار ريـال شهريًا حتى نهاية العام الجاري، وربما العام المقبل، لتغطية العجز، كما ونذكر أهم نتيجة لانخفاض أسعار النفط وهي تأثر رفاهية المواطن والخدمات مستقبلًا.
بحيث أن قدرة السعودية على احتواء هذا الموقف قد بدأت بالضعف، ويمكن ادراك هذه الحقيقة من عدة مواقف اتخذتها السعودية مؤخراً، على سبيل المثال المكالمة التي أجراها الملك سلمان بن عبد العزيز مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، حيث أكد الطرفان (وهنا نذكر السعودية على وجه الخصوص اذ أنها كانت غير مهتمة بأزمة النفط معتبرةً أنها قادرة على تحمل عبئها) على أهمية استقرار سوق النفط وتعزيز الجهود في منظمة أوبك لرفع الأسعار العام القادم.
مستقبل الإقتصاد السعودي في ظل هذه السياسات الخاطئة
مع استمرار الحرب على اليمن وزيادة نفقات التسلح وبقاء أسعار النفط منخفضة تتزايد التأثيرات السلبية على الاقتصاد السعودي، ويزيد الأمر سوءا بتزايد التوقعات بتراجع معدلات النمو في السعودية صاحبة أكبر اقتصاد عربي. في هذا السياق يتوقع عدد من المحللين من خلال مسح أجرته وكالة رويتر للأنباء تراجع نمو الاقتصاد السعودي من 3.6 خلال العام الماضي 2014 إلى 2.6 خلال العام الجاري 2015. وحسب هؤلاء سترتفع نسبة العجز في الميزانية السعودية إلى نحو 15 بالمائة هذا العام 2015 مقابل 11 بالمائة خلال العام الماضي 2014.
بهذه السياسة المتبعة من السعودية، وبتغييب عقول الشعب وكتم أفواه العقلاء السعوديين، لا يُرى للسعودية مستقبل زاهر في قيادة الأمة العربية إلا الى الدمار والخراب، ولن يطول الوقت حتى تتضح معالم العجز السعودي في حل الأزمات الداخلية والخارجية، وسيدفع آل سعود ثمن الظلم الذي يمارسونه على الشعب اليمني.