الوقت- بعد مرور عدة أيام على إعلان اتفاقية السلام الثلاثية بين أمريكا وإسرائيل والإمارات ، ورغم موجة ردود الفعل الهائلة، خاصة على مستوى المنطقة، لم تتخذ الحكومة السعودية موقفًا رسميًا بعد هذا الإعلان، ما أثار استغراب المراقبين السياسيين، في الوقت الذي شهدت السنوات القليلة الماضية، وجود دلالات مختلفة تشير الى مساعي السعودية لكشف العلاقات السرية التي تجمعها مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي لا يُخفى على أحد.
من ناحية أخرى، دولة الإمارات العربية المتحدة هي عضو في مجلس التعاون الخليجي، الذي عادة ما يقرر القرارات الحاسمة والمهمة في السياسة الخارجية لهذه الدول، وفي بعض الأوقات، كما في ملف قطر، تتخذ بعض الدول الأعضاء سياسة خارجية مستقلة عن المجلس. ومن ناحية أخرى، تحتاج واشنطن بطبيعة الحال، في ظل وجود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للإسراع في ملف تطبيع العلاقات في أسرع وقت ممكن من أجل كسب الدعم الكامل من الصهاينة. وبالتأكيد تتعرض الرياض الآن لضغوط من البيت الأبيض لدعم اتفاق الإمارات، لكنها الى الأن فضلت خيار الصمت. لذلك، وفقًا للتطورات الحالية، فإن أسباب هذا الصمت يمكن أن يخلق فرضيات مختلفة.
نهج ابن سلمان المحافظ مع اقتراب موعد الجلوس على كرسي العرش
يمكن اعتبار إحدى أهم الفرضيات حول سبب أو أسباب صمت الرياض الغريب تجاه تطبيع العلاقات بين عضو مجلس التعاون الخليجي، أي الإمارات مع الكيان الصهيوني، هو فيما يتعلق بمكانة بن سلمان المهتزة على قمة هرم السلطة السياسية للأسرة السعودية.
ونتيجة للسياسات المتطرفة والمتشددة، سواء في مجال السياسة الداخلية (بما في ذلك السياسات المعادية للدين ، والقمع الشديد لنشطاء المجتمع المدني ، والمساعي المبذولة للقضاء على المنافسين المحتملين والفعليين للسلطة مثل محمد بن نايف) وفي السياسة الخارجية (مثل الحرب الدامية والمكلفة في اليمن ، وملف العقوبات على قطر واغتيال المعارضين الأجانب ، إلخ) يرى الأمير السعودي مكانته مكانة مهتزة وضعيفة خاصة بعد تدهور حالة الملك سلمان الصحية واحتمال موته القريب.
وبسبب خوفهم من شخصية الأمير محمد غير المتوقعة والطموحة، ازداد عدد خصومه المحليين، بما في ذلك خصومه داخل أسرة آل سعود، أكثر من خوفهم منه عند توليه منصب ولاية العهد في المملكة. وعلى مستوى المجتمع السعودي، أدى انخفاض أسعار النفط واستنزاف ميزانية المملكة بسبب حرب اليمن وتفشي فيروس كورونا في البلاد، التي عملت جميعها على إثقال كاهل المواطن السعودي من الناحية الاقتصادية، الى تزعزع ثقة الشاب السعودي من الجيل الحالي، بشخصية محمد بن سلمان. كما أن الدعم الغربي لأمير المملكة، ضعيف للغاية بل وأنهم اصطفوا الى جانب المعارضين له.
إن استمرار الحرب ضد الشعب اليمني ، والقمع الحقيقي للنشطاء المدنيين ، واغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي ، ونفوذ لوبي معارضي بن سلمان الغربيين، كل ذلك لعب دورًا في تشكيل مثل هذه الجبهة ضده. وبطبيعة الحال، وفي ظل هذه الظروف، يدرك بن سلمان خطورة دعم اتفاق السلام بين الإمارات والكيان الصهيوني وتأثيرها على زيادة غضب المعارضة، وخاصة الدينية منها في الداخل.
الإخوان المسلمون من المنتقدين الجادين والمهمين لابن سلمان في الداخل، الذين ينتظرون زلة أخرى من ولي العهد السعودي الشاب وعديم الخبرة. وتُظهر الحقيقة التاريخية أيضًا أن معظم نشاط الرياض المباشر للتقرب من الكيان الصهيوني كان مرتبطًا بالفترة المبكرة لتولي بن سلمان منصب ولاية العهد في المملكة، وبمرور الوقت ، تركت الرياض لعبة التطبيع لتلعبها البحرين بالوكالة.
دراسة التطوّرات
الفرضية الأخرى التي يمكن طرحها حول صمت الرياض، هي أن المملكة العربية السعودية ربما تقوم حاليا بدراسة ردود الفعل وتتابع التطورات لإيجاد الوقت المناسب لاتخاذ موقف داعم لاتفاق السلام. وكما ذكرنا، أظهرت الرياض منذ فترة طويلة دورها بالوكالة في السعي لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني عبر البحرين، ويفكر بن سلمان، من أجل الحصول على دعم البيت الأبيض وبناء تحالف ضد نفوذ طهران الإقليمي ومحور المقاومة، وخاصة في ملف التطورات في اليمن ، في بناء شراكة استراتيجية مع الصهاينة.
في هذه الفرضية ، تلعب الإمارات العربية المتحدة دور العدّاء الأول، ومن المرجح أن تنظم دول عربية أخرى الى هذه الاتفاقية ومن ضمنهم المملكة العربية السعودية، بعد ان تضمن هذه الدول عدم وجود معارضة جدية وواسعة النطاق ، خاصة في مجلس التعاون الخليجي.
الرياض والكش ملك
بالإضافة إلى الفرضيتين الأولَيَين، يمكننا أيضًا الحديث عن وجود فرضية ثالثة ومحتملة جدًا. لا شك في أن الإمارات والسعودية حاولتا في السنوات الأخيرة إظهار أنهما حليفين استراتيجيين في المنطقة وفي مجلس التعاون، من خلال دور وليي العهد الشابين والطموحين، أي محمد بن زايد ومحمد بن سلمان. لقد كان التعاون في غزو اليمن وحصار قطر تتويجًا لمثل هذا التحالف. ومع ذلك ، بمرور الوقت ، أظهرت التطورات في اليمن أن بن زايد نجح بذكاء في جر بن سلمان إلى حماية المصالح الخارجية لدولة الإمارات، وتخطط أبو ظبي حاليا لقيادة مجلس التعاون الخليجي والتطورات في المنطقة وحتى العالم العربي.
وفي هذا الصدد، فإن مبادرة الإمارات في تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، تهدف إلى إظهار التغيير في الدور القيادي لمجلس التعاون والعالم العربي، وهو ما تتوق إليه الإمارات منذ سنوات. لذلك ، بالنظر إلى هذه القضية ، من الطبيعي أن تنظر الرياض في اتخاذ موقف داعم لاتفاق السلام بين أبو ظبي والصهاينة باعتباره دعم لمنافسها.