الوقت- أشارت القاعدة التحليلية الكازاخستانية "باليت آسيا" إلى الإجراءات التي تقوم بها الإمارات العربية المتحدة في دول آسيا الوسطى، ولفتت تلك تلك القاعدة التحليلية إلى أن أبوظبي تبذل الكثير من الجهود لإيجاد موضع قدم لها والحضور بشكل قوي في تلك المنطقة والتنافس مع تركيا وإيران. وذكر تقرير هذه القاعدة التحليلية إلى أنه مع انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 واستقلال دول آسيا الوسطى، بدأ صراع بعض القوى الإقليمية والقوى العظمى في المنطقة، بهدف كتسب نفوذ سياسي والوصول إلى الموارد الطبيعية الموجودة في هذه المناطق. وتشمل هذه العملية التنافسية، دولاً مثل روسيا والصين وتركيا والولايات المتحدة وأعضاء الاتحاد الأوروبي وست دول عربية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة.
وتعتبر آسيا الوسطى أقل أهمية بالنسبة للإمارات من منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكن مسؤولي أبو ظبي يقولون إن دور آسيا الوسطى تنمو بشكل تدريجي. وهنا تجدر الاشارة إلى أن النفوذ التركي والإيراني في دول آسيا الوسطى، قد أجبر الإمارات العربية المتحدة على دخول هذه المنطقة، سعياً للوصول إلى مختلف الاستثمارات الاقتصادية والطاقة وتعزيز دورها في مجالات التعاون الثقافي والديني.
لقد حققت "أنقرة" و "طهران" نجاحًا جادًا في آسيا الوسطى وتمكنت تركيا من دخول اسواق تلك المنطقة من خلال القواسم المشتركة الثقافية واللغوية والعرقية، وقد تمكنت أنقرة من إيجاد موضع قدم لها في آسيا الوسطى. وتوقع محللون دوليون أن تركيا سوف تتمكن من النفوذ كثيراً في آسيا الوسطى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لكن الوضع الحالي لأنقرة في تلك المناطق مهدد وذلك لأن إيران تمكنت من بناء علاقات جيدة مع قيرغيزستان وطاجيكستان.
وبسبب كافة هذه العوامل، تحاول بعض الدول العربية مواجهة تركيا وإيران في المجالات السياسية والاقتصادية في آسيا الوسطى، والموارد المالية هي الأداة الوحيدة لأبوظبي للتمّكن من الدخول والنفوذ إلى آسيا الوسطى. وتسعى الإمارات العربية المتحدة لإيجاد موضع قدم لها في أراضي آسيا الوسطى، وخاصة كازاخستان، وذلك من خلال توسعة استثماراتها وتبادلاتها التجارية في تلك المناطق. وفي السنوات الأخيرة، استثمرت الجمعية الوطنية الإماراتية بشكل كبير في تطوير البنية التحتية للطاقة في آسيا الوسطى وعلى سبيل المثال، استخراج النفط والغاز في كازاخستان والكهرباء في أوزبكستان.
وتلعب شركة دبي العالمية للنقل ومقرها دبي دورًا رئيسيًا في مشروع بناء ميناء في كازاخستان على شواطئ بحر قزوين ومنطقة التجارة الحرة التي تسمى "خارغاس". كما أن شركة "دراجون أويل"، ومقرها في دبي، استثمرت خلال الفترة الماضية في بناء خزانات النفط واستخراج النفط والغاز في تلك المناطق.
كما أن قطاعات الاقتصاد التي لا علاقة لها بالنفط والغاز، درستها الإمارات أيضًا، وتحاول أبوظبي في وقتنا الحالي الاستثمار في مصادر بديلة للطاقة والطاقة النووية، وذلك بعد انخفاض أسعار النفط والغاز، ومثل هذه البرامج، سيكون لها اتجاه متنامي في كازاخستان وأوزبكستان. كما تدعم الإمارات مشروع الصين "حزام واحد وطريق واحد" وبناء مراكز لوجستية لتطوير ممرات دولية.
وتقع معظم الاستثمار في آسياء الوسطى في دولة كازاخستان، والتي تعتبر واحدة من أهم المحطات على طريق الحرير الجديد على سواحل بحر قزوين. كما تحظى الموانئ التركمانية على خط آسيا والشرق الأوسط وأوروبا باهتمام كبير من قبل الإمارات العربية المتحدة. وترى الإمارات العربية المتحدة كازاخستان كوجهة رئيسية لاستراتيجية البلاد الاستثمارية، ومع وجود أكثر من 200 شركة إماراتية تعمل في كازاخستان، فإن الروابط التجارية تصاحب العلاقات السياسية الممتازة بين البلدين. وفي العام الماضي، وافقت شركة مبادلة الإماراتية للتنمية على بناء مجمع كيميائي بمليارات الدولارات في منطقة "أتيراو" في كازاخستان.
ويأتي ذلك بعد أخبار يتم تداولها من بداية عام 2018 أن الاستثمارات الثنائية سوف تمتد بالفعل إلى قطاعات الطاقة والتعدين، وكذلك إلى مجالات أخرى بما في ذلك البنية التحتية والخدمات اللوجستية والزراعة والأمن الغذائي. في الواقع تعتبر استثمارات الإمارات في كازاخستان موضوعا جديرا بالملاحظة. فقبل عشر سنوات وقعت الإمارات اتفاقية للحصول على حصة 24.5 في المائة في حقل بحري في بحر قزوين. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2008 تم إطلاق صندوق الفلاح في كازاخستان، حيث تعهدت دولة الإمارات العربية المتحدة بتمويل المشاريع في القطاعات ذات الأولوية مثل الطاقة وإنتاج الغذاء والبنية التحتية والموارد الطبيعية والعقارات.
وحاليا نما نشاط الإمارات في كازاخستان بشكل كبير كما يزور مسؤولون كازاخيون أبوظبي ودبي بشكل شهري. ويسافر الزعماء الإماراتيون بهدوء إلى كازاخستان بحثا عن الصيد في الولايات الجنوبية. وقد شهد صندوق الفلاح التابع لـ"مبادلة"، تصاعدا جديدا في نشاطه في الآونة الأخيرة لتعزيز وجود الإمارات في كازاخستان من خلال توفير تمويل إضافي للمشاريع التجارية والسكنية والبنية التحتية في كازاخستان.
وأكد تقرير هذه القاعدة التحليلية، أن نهج الإمارات تجاه تركمانستان يشبه نهجها تجاه كازاخستان حيث توظف أبوظبي استثماراتها لأغراض سياسية، حيث تستثمر أبوظبي في مشاريع البنية التحتية مع التركيز على دور عشق أباد المستقبلي كمصدر حقيقي للغاز الطبيعي عن طريق خط أنابيب "تابي"، وبالإضافة إلى ذلك، بدأت أبوظبي في تنفيذ رؤية الدفاع والأمن في تركمانستان على غرار سياستها الخارجية في اليمن والقرن الأفريقي. ونبه التقرير إلى أنه من وجهة النظر الإماراتية، تحظى تركمانستان بأهمية قصوى لعدة أسباب منها موقعها الجيوسياسي الحساس شمال إيران ، علاوة على الحدود المشتركة بين تركمانستان وأفغانستان التي تراها أبوظبي تهديدا لأمن المنطقة ، والسبب الثاني احتياطياتها الهائلة من الغاز الطبيعي.
وتسعى الإمارات، مثل روسيا والصين، إلى تعزيز قوتها الناعمة في تلك المناطق من خلال تقديم المساعدة الإنسانية لآسيا الوسطى. حيث قدمت أبو ظبي 13 طنًا من المساعدات لكازاخستان و 7 أطنان لقيرغيزستان و 5 أطنان من المعدات والمواد الأخرى لمواجهة أزمة تفشي فيروس "كورونا" في تلك المناطق.
ويعتبر وباء "كورونا" فرصة جيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة لتعزيز نفوذها في آسيا الوسطى، وذلك لأن تركيا أيضاً تستغل هذه الفرصة جيدًا، وهذه التطورات تحدث في سياق صراع بين فاعلين إقليميين. وعلى هامش البرامج الإنسانية، يتمثل الهدف الرئيسي لدولة الإمارات العربية المتحدة في تعزيز نفوذها السياسي في آسيا الوسطى، وذلك لأن تلك المنطقة لا تزال ملتقى للمصالح والصراعات بين القوى الإقليمية والقوى العظمى. وتقع كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان على محور "موسكو" و "بكين"، وسيساعد تعزيز العلاقات مع الإمارات على تنويع السياسة الخارجية لدول آسيا الوسطى.
إن توجه أبوظبي نحو الشمال مع التركيز على كازاخستان وتركمانستان له معنى جيوسياسي حيث أصبح منع إيران من اكتساب مزيد من النفوذ في آسيا الوسطى شاغلا جيوسياسيا مهما، يختلط بمستقبل أسواق الغاز الطبيعي ومصالح الطاقة وطرق النقل. ويبدو أن دولة الإمارات، التي تعتبر علاقتها مع أذربيجان وروسيا ممتازة أيضا، لا تتطلع إلى بحر قزوين ودعم البنية التحتية والصناعة على طول خط طريق الحرير الصيني فحسب بل تنظر أيضا في أفضل السبل لتوسيع العلاقات.