الوقت- لطالما كان الخلاف السياسي بين الجمهوريين و الديمقراطيين في أمریکا قائماً، إلا أنه بعد بدء المفاوضات الإيرانية مع مجموعة الدول الخمسة زائد واحد تأججت نيران هذا الخلاف و زاد عمق الهوة بين الطرفين، على خلفية الرفض الكلي والقطعي لهذا الإتفاق و لرفع العقوبات عن طهران من قبل الحزب الجمهوري، فيما الإصرار من جانب الحزب الديمقراطي على المضي قدماً في إبرام هذا الإتفاق ووضعه قيد التنفيذ.
فلمن كانت اليد العليا في هذه المعركة السياسية، وما أثر هذا الخلاف على صنع القرار والبت في المسائل اللاحقة في الولايات المتحدة خصوصا مسألة اقرار مشروع موازنة 2016؟
بعيد توصل الجانبان؛ دولة إيران من جانب ومجموعة الدول التي عُرفت باسم 1+5 من جانب آخر؛ إلى اتفاق يقضي برفع العقوبات الاقتصادية عن الإيرانيين في مقابل تحجيم البرنامج النووي الإيراني عن طريق عدة خطوات اتفقت عليها الأطراف الموقعة بضمانات دولية، برزت تنديدات الجمهوريين بهذا الاتفاق المبرم، مؤكدين أنه يعمل على توفير المليارات لإيران بعد أن نجحوا في تخفيف العقوبات عليهم، وقد يكتسبون بهذا الوقت للمرواغة في وجهة نظرهم من أجل تعزيز قدراتهم على إنتاج قنبلة نووية بدون وجود ضغط اقتصادي أو سياسي ممارس من الغرب عليهم.
هذه التنديدات لم تكن مستغربة من الحزب الجمهوري إذ أنه معروف بشراكته السياسية مع اللوبي الإسرائلي داخل الولايات المتحدة، فهم يعتبرون أن هذا الاتفاق بمثابة "حكم إعدام محتمل على إسرائيل" كما صرح السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام.
وقد قدم الجمهوريون عدة شروط "إسرائلية بحتة" لقبول الإتفاق وعدم عرقلته في الكنغرس، فكان أهم الشروط المطروحة الاعتراف الإيراني بدولة اسرائيل، ما اعتبره الرئيس الأمريكي من الجانب الآخر خلطاً واضحاً للأوراق، لأن مطالبة إيران بأن تعترف بإسرائيل في إطار المفاوضات النووية أمر ليس في محله إذ أنه خارج إطار هذه المفاوضات.
ومنذ تلك اللحظة دب الخلاف بين البيت الابيض من جهة، وإسرائيل وحلفائها الجمهوريين من جهة أخرى، بحيث بدأ أوباما في الدفاع عن الاتفاق باستماتة أمام الجميع، وفي عدّة تصريحات قام بها في هذا الصدد أشار خلالها الى أن تأجيل الاتفاق هو أكثر من مجرد تأجيل لطموحات إيران النووية، بل و لا يمكن للعالم أن يعيش بدون هذه الصفقة مبرراً بذلك وجهة نظره في تمرير الاتفاق.
في هذا الوقت، جهد الكونغرس ذو الأكثرية الجمهورية في تعطيل هذا الإتفاق عبر الأدوات التشريعية، إلا أن محاولاته باءت بالفشل لأن الأغلبية التي يتمتع بها في المجلس لن تكفي لمحاولات العرقلة، بسبب احتياجهم لدعم أصوات أعضاء الحزب الديمقراطي الذي ينتمي له أوباما.
وبهذا استطاع الرئيس الأمريكي باراك أوباما الحصول على دعم أعضاء حزبه بشأن الاتفاق النووي الإيراني بعد أن حصد 42 صوتًا ديمقراطيًا في المجلس، وهو ما يكفي لعرقلة أي خطوة لرفض هذا الاتفاق من طرف الأغلبية الجمهورية في الكونغرس، بعد أن صوت 58 مقابل 42 في تصويت إجرائي بالكونغرس، وبذلك يكون أوباما قد نجح في توفير استخدام حق الفيتو ضد هذه التحركات بعد أن حسم المعركة في مجلس الشيوخ.
و أتم الجمهوريون المحاولة في إقتراع ثانٍ وثالث نظّمه زعيم الأغلبية في المجلس السيناتور ميتش ماكونيل، لكنه لم ينجح في استمالة الديمقراطيين للتصويت لصالح قرار بعدم الموافقة.
بعد هذا الصراع السياسي، خرج اوباما منتصراً، لكن الجمهوريين قد زاد حقدهم عليه و قد بدا هذا عبر تصريحاتهم و عبر ما بثوه في وسائل الإعلام، إذ كان يبدو واضحا أن الأمور تتجه نحو مرحلة تصفية الحسابات بين الطرفين، فبينما يسعى باراك اوباما الى إثبات نفسه و الوفاء بوعوده تجاه شعبه، يسعى الجمهوريون الى إضعافه ليضمنوا بذلك وصولهم الى البيت الأبيض في انتخابات 2017.
وسط كل هذه الضوضاء السياسية، تقف أمريكا على باب استحقاقٍ جديد و هو موازنة 2016 والتي تهدد بتعطيل الحكومة، اذ لا تزال الأمور عالقة على خلفية الخلاف السابق بين الطرفين، فمشروع الموازنة الذي قدمه أوباما للمجلس لم يلقى ترحيباً من الجمهوريين، مهددين بالعرقلة ما دامت الموازنة تتضمن تمويل برنامج تنظيم الأسرة، فردّ اوباما بالتعبير عن استعداده الكامل للانضمام الى هذا القتال عن طريق دفع الجمهوريين لإلغاء ميزة ضريبية بمليارات الدولارات لمديري الأسهم الخاصة.
كما و من المتوقع من اوباما في خطاب سيلقيه الأربعاء، أن يدعو الجمهوريين الى وضع حد للتخفيضات الضريبية، والإستفادة من الودائع لتغطية موازنات برامج الأمن المحلي والوطني، بالإضافة الى استعانته بقادة التجارة لتحقيق هذا أهدافه.
وعلى الرغم من المقال الذي نشرته "نيويرك تايمز"، والذي يشير الى أن الجمهوريين منقسمون في هذه المسألة بين مؤيد و معارض و الأمور تتجه نحو الحل في الأيام القليلة المقبلة لصالح اوباما و فريقه، إلا أن أجواء القلق و الترقب لا تزال المسيطرة و التطلعات تشير الى تعطيل حكومي قد يزيد الشرخ بين الطرفين و يقود البلاد الى مشاكل إقتصادية واجتماعية وسياسية طويلة الأمد. فمن الفائز في المرحلة القادمة؟ لننتظر ونترقب.