الوقت- وأخيراً صدق ترامب في تصريحٍ له؛ (أفغانستان أكثر أمناً من أمريكا)، نعم وحسب ما يؤكد ترامب وبناءً على إحصائياته كرئيسٍ لأمريكا يعلم أنّ معدل الجرائم في دولته ربما يكون الأعلى في العالم، حيث إنّ عمليات القتل في أفغانستان على سبيل المثال والمُستمرة منذ الثمانينيات عائدٌة لوجود حرب أهليّة وقوّات متقاتلة، أضاف عليها الاحتلال الأمريكي عمليات قتلٍ مضاعفة، غير أنّ جميع تلك الأعمال كانت في داخل الأعمال الحربية، أمّا على المستوى المجتمعي؛ فإنّ عمليات القتل العمد في أفغانستان لا تُقارن بأصغر ولاية من الولايات الأمريكية، أما في أمريكا؛ فإنّ عمليات القتل تنتشر هناك كانتشار النار في الهشيم، ويزيد من استعارها السلاح المُنفلت الذي لم يتمكّن أيُّ رئيسٍ أمريكي من حصره بيد الدولة، وعلى هذا الأساس فإنّ انتشار العنف وعمليات القتل داخل المجتمع الأمريكي لا تُقارن بأيِّ دولة في العالم، وهذا بالتأكيد يعود لعدّة أسباب شكلت باجتماعها مجتمعاً منحلّاً قابل للانهيار في أيِّ لحظة.
المجتمع العنيف
منذ أكثر من خمسين عاماً كان معظم السود محاصرين بالفقر والإهمال، على الرغم من أنهم لم يُقيموا في المدن الكبيرة، عاش معظم السود في الجنوب وعلى الأرض كعمال ومزارعين لدى البيض، وكانت الأغلبية العظمى من الناس يشغلون وظائف يدوية بأجور زهيدة وغير آمنة، وهي وظائف لا يشغلها سوى عدد قليل من أصحاب البشرة البيضاء، وأدى الفصل العنصري في الجنوب والتمييز في الشمال إلى خلق مجتمع أمريكي يعتاش على العنف ضد بعضه وبالأخص العُنف المُمارس ضدّ السود.
أكثر من ذلك؛ فإنّ الأمريكيين الأصليين (الهنود الحمر) والآسيويين المهاجرين يُلاقون المُمارسة ذاتها من قِبل السكّان البيض، وأصبحت حالة التمييز هذه تصل إلى كل المجالات فمن المدارس إلى الجامعات والوظائف الحكوميّة والتعيين في الشرطة الفيدرالية، التي أصبحت بشكلٍ أو بآخر حكراً على البيض ولو وجد بعض التعيينات من غير البيض؛ فذلك لا يُشير إلّا إلى محاولة الحكومة الأمريكية إضفاء بعض من الشرعيّة على أعمالها القذرة.
حتى الشرطة مصدر للعنف
يتعرض الأمريكيون من جميع الأعراق والأعمار والطبقات والأجناس لوحشية الشرطة، فمنذ ستينيات القرن الماضي، كانت وحشية الشرطة حافزاً للعديد من أعمال الشغب العرقية التي حدثت في عدد من الولايات الأمريكية، ولا تُعتبر حالة فلويد هي الأولى التي ظهرت فيها وحشية الشرطة الأمريكية، فقد اندلعت احتجاجات واسعة سابقاً ففي العام 1980 شهدت ولاية ميامي قتل الشرطة لرجل أمريكي من أصل إفريقي غير مسلح، وخلال فترة ثلاثة أيام، قُتل 18 شخصًا واعتُقل حوالي 1000 شخص، وتم تكبيد البلاد أكثر من 100 مليون دولار من أضرار في الممتلكات.
أكثر من ذلك؛ يعرف الجميع قصة الضرب المُبرّح الذي تعرض له "رودني كينغ" من قبل ضباط شرطة لوس أنجلوس، وكانت عمليّة تبرئتهم اللاحقة من تهمة الاعتداء بسلاح مميت والاستخدام المفرط للقوة إلى أعمال الشغب في لوس أنجلوس عام 1992، التي لا تزال تعتبر أسوأ أعمال الشغب العرقية في التاريخ الأمريكي، وخلال فترة ستة أيام، قُتل أكثر من 50 شخصًا وجُرح أكثر من 2300، وقدرت الأضرار في الممتلكات بنحو مليار دولار.
وقبل سنواتٍ قليلة أدى إطلاق النار "المميت" على "مايكل براون" وهو مراهق أمريكي من أصل إفريقي غير مسلح، على يد ضابط شرطة أبيض في ولاية ميسوري، وما تبعه من قرار لهيئة المحلفين الكبرى بعدم توجيه الاتهام إلى الضابط بتهم جنائية أثار أعمال شغب في تلك المدينة.
وفي النهاية؛ فإن مفهوم العنف متأصل في المجتمع الأمريكي، كما أنّ حيازة الأسلحة متأصلة هي الأخرى بعمق في ذلك المجتمع، ويمنح الدستور الأمريكي للأمريكيين الحق في حمل السلاح، وتقول الإحصائيات أنّ ثلاثة من كل عشرة أمريكيين بالغين يمتلكون سلاحًا شخصيًا، وتقول إحصائيّة لجامعة هارفرد أنّ عدد الأسلحة في الولايات المتحدة يزيد عن عدد السكّان، وهذا ما يُفسّر سبب ارتفاع معدلات جرائم القتل بالأسلحة النارية في الولايات المتحدة مقارنة بالدول الأخرى، ويُرجع الخبراء سبب انتشار الأسلحة بين السكّان لسياسات الحكومات الأمريكية المُتعاقبة التي كانت تُدار من مافيات شركات الأسلحة التي تجني أرباحاً طائلة من هذه التجارة، وهذا الأمر يُفسّر سبب عدم رغبة أيّ حكومة أمريكية في نزع السلاح من السكّان، بل على العكس، فإنّ أعضاء الحزبين الرئيسيين في أمريكا يرفضون نقاش أيّ مُقترح من شأنه ليس سحب الأسلحة من السكّان، بل فقط تقييد بيعها أو إجراء فحوصات على من يرغبون باقتنائها.