الوقت_ ضجت المواقع الإخباريّة العربيّة بخبر استعادة الجزائر رفات 24 مقاتلاً من فرنسا، كانوا قد استشهدوا في مقاومة قوات الاحتلال الفرنسيّ في القرن التاسع عشر، وكانت جماجم بعضهم معروضة في متحف في العاصمة الفرنسيّة باريس، حيث كشف الرئيس الجزائريّ، "عبد المجيد تبون"، عن هذه الخطوة ضمن حفل عسكريّ، الخميس المنصرم.
أساس القضيّة
نالت الجزائر استقلالها عن فرنسا عام 1962، بعد حرب طاحنة دامت سبع سنوات، وأنهت قرناً أو أكثر من الاستعمار الفرنسيّ، الذي انتقده في وقت سابق الرئيس الفرنسيّ، "إيمانويل ماكرون".
يحدث هذا بعد احتجاز قسريّ لجماجم المقاتلين الجزائريّين لأكثر من 170 عاماً في متحف "التاريخ الطبيعي" في العاصمة الفرنسيّة، وقد استقبلت الجزائر قب أيام رفات 24 شهيداً من رموز المقاومة الشعبيّة ضد الاحتلال الفرنسي، كانوا قد أعدموا من قبل قوات الاستعمار ونُكلّ بجثثهم، ومن ثم ترحيل رؤوسهم إلى فرنسا، بحجة اجراء دراسات "علم الإنسان" أو ما يسمى "الأنثروبولوجية".
وعلى هذا الأساس ظلت قضية استرجاع جماجم الشهداء الجزائريين حيّة ضمن المطالب الرئيسة المطروحة في مباحثات هذه المدة التاريخيّة على أعلى مستوى بين السلطات الجزائريّة والفرنسيّة.
ومن الجدير بالذكر أنّ المساعي الجزائرية ازدادت منذ تفجر القضيّة عام 2011، عندما أعلن الرئيس الجزائريّ، "عبد المجيد تبون" إعادة رفات 24 من قادة المقاومة الشعبيّة، عشية الذكرى الـ 58 للاستقلال، على متن طائرة عسكريّة من القوات الجويّة الجزائريّة، ثم أشرف على استقبالها بمطار "هواري بومدين"، الجمعة الفائت، مع قيادة الجيش والفريق الحكوميّ والبرلماني، وسط استعراضات جويّة لسرب من الطائرات المقاتلة.
الجزائر ماضية في طريقها
قال رئيس أركان الجيش الجزائري، "الفريق السعيد شنقريحة"، أنّ هؤلاء الأبطال قضوا أكثر من قرن ونصف في غياهب الاحتلال ظلماً وعدواناً، وكانوا محل ابتزاز ومساومة ما أسماهم "لوبيات بقايا الاحتلال"، ووصفهم بـ "دعاة العنصرية"، إلى أن تحقق هذا اليوم الذي تستكمل به مقومات السيادة الجزائريّة، وذلك في كلمة ألقاها خلال المراسم.
أكثر من ذلك؛ أكّد مستشار رئيس الجمهوريّة المكلف بالأرشيف الوطنيّ وملف الذاكرة الوطنيّة، "عبد المجيد شيخي"، أنّ الجزائر لن تتراجع أبداً عن مطالبتها باسترجاع أرشيفها المتواجد في فرنسا، موضحاً أنّ باريس لا تملك إرادة حقيقية لطي هذا الملف نهائياً.
وبيّن عميمور أنّ ما قامت به الجزائر يعد خطوة نحو إنجازات أخرى ستختتم عندما تسترجع الجزائر كل ما نُهب منها بشكل مباشر وغير مباشر، أي منذ أن أقرضت حكومة الثورة الفرنسيّة ما مكّنها من تجاوز المعاناة، ومروراً بثمن "الغلال" الذي لم تتسلمه الجزائر، ووصولاً إلى كل ما نُهب بدءاً من الغزو الفرنسيّ في "جوان"، وحتّى تعويض الشعب الجزائريّ عن كل معاناته منذ عام 1830.
تنبؤات مستقبليّة
لا تبدو قضيّة استرجاع جماجم الشهداء من قبل الجزائر عاديّة أبداً، خاصة وأنّ الحسابات السياسية تغوص في أبسط التفاصيل، ما يطرح علامات استفهام كثيرة أولها هل ستُقر فرنسا بجرائم احتلالها في الجزائر؟ ، مع وجود طبقة سياسيّة جديدة في البلاد، تود أن تتخلص من أعباء الإرث التاريخي المُعيب، وعلى رأسهم الرئيس الحالي "إيمانويل ماكرون"، الذي قام وبكل جُرأة بوصف الاستعمار الفرنسيّ للجزائر بالجريمة ضد الإنسانية، وذلك في حملته الانتخابية.
وعلاوة على ما تقدّم، هل ستشكل طبقة المثقفين والباحثين الذين يدركون بواقعيّة الجرائم البشعة التي ارتكبها أسلافهم، ورقة ضغط لسحب اعتراف الدولة الفرنسيّة بجرائمها في الجزائر؟ ، لبناء علاقات وديّة بين البلدين بعد سن قانون يجرم الاستعمار الفرنسيّ.
من المؤكد أنّ الجزائر ماضية في طريقها نحو رد الاعتبار بعد ما عانته من إجرام المستعمر الفرنسيّ، وإنّ خطوة استرجاع الرفات ربما تكون الخطوة الأولى لرسم علاقات مختلفة مع فرنسا، يكون عنوانها العريض "المقاومة الشعبيّة" زمن المحتل الفرنسيّ، وليس بعيداً أن يُسنّ قانون تجريم لتلك الفترة، وهذه الخطوة إن حصلت ستكون بمثابة تتويج للجهود الجزائريّة.
في النهاية، عانت الجزائر من جرائم الفرنسيّين وربما ما زالت، فمن منهم يستطيع أن ينسى جريمتي تلغيم الحدود، وإجراء التجارب النوويّة في الصحراء الجزائريّة، اللتان ما تزالان تحصدان أرواح الأبرياء إلى يومنا هذا، لكن بالمقابل استطاعت كل من ألمانيا وفرنسا بناء علاقات وديّة بعد تجريم النازية، وعلى ما يبدو فإنّ العلاقة بين الجزائر وفرنسا ستتجه نحو هذه التجربة في حال سُنّ قانون التجريم لفترة الاستعمار.