الوقت- بعد الانتهاء من إكمال الكابينة الوزاريّة لحكومة مصطفى الكاظمي، يراقب جميع المراقبين السياسيين والمواطنين العراقيين خطوات الحكومة للوفاء بوعودها بحساسيّة خاصة. وعلى الرغم من أنّ مصطفى الكاظمي يُعدّ رئيساً للوزراء لفترة انتقالية أو الزعيم السياسي للمرحلة الانتقالية، فإن مسؤوليته يمكن اعتبارها أثقل بكثير من مسؤولية رؤساء الوزراء الآخرين في العراق.
وفي الوقت نفسه، فإن أهم تحدٍّ لحكومة الكاظمي هو معالجة الوضع الاقتصادي الضعيف للبلاد.
يمكن اعتبار الوضع الاقتصادي الذي يعاني من الأزمة في العراق، أكبر وأخطر مشكلة في البلاد على مدى العقدين الماضيين، وحتى أنّ السبب الأكبر في اندلاع الاحتجاجات الشعبيّة خلال العام الماضي كانت نتيجة لهذا المفصل المهم المتأزّم.
لكنّ السؤال الآن هو ما هي أولويات الكاظمي الاقتصاديّة في المجال الاقتصادي، وما مدى نجاحه في هذه المجالات؟
مواجهة الفساد المتجذّر في الهيكل الاقتصادي العراقي
القضية الاقتصاديّة الأولى والأكثر أهمية بالنسبة لحكومة الكاظمي هي محاربة الفساد المتكرّس والمتفشّي في العراق، ووفقاً لتقارير منظمّة الشفافيّة الدوليّة، وهي منظمّة غير حكوميّة تنشر سنويّاً معايير انتشار الفساد على أساس سرقة المال العام والرشوة والفساد المالي في الحكومات والقضاء، كان تصنيف العراق العالمي للفساد دائماً من بين أكثر الدول فساداً خلال السنوات الـ10 الماضية.
في الواقع، في السنوات التي تلت عام 2003، أصبح الفساد جزءاً لا يتجزّأ من النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد، واعتمدت جميع الحكومات المتعاقبة حتى الآن على الوعد بمكافحة الفساد، لكنها فشلت عملياً في تحقيق ذلك.
في الوضع الحالي، يمكن اعتبار أهم قضية يواجهها رئيس الوزراء الجديد وحكومته، هي اتخاذ إجراءات وخطوات جادّة في مكافحة الفساد، ولكن تجدر الإشارة إلى أنّه لا يمكن حلّ هذه المسؤولية في فترة قصيرة وخلال أشهر قليلة، ويحتاج ذلك إلى تعاون القضاء بشكل جدّي في هذا المجال، لكن لا يمكن تصوّر رؤية واضحة للكاظمي وحكومته في مجال مكافحة الفساد.
وضع التقشّف على جدول الأعمال
يمكن اعتبار تشكيل حكومة الكاظمي وإكمال كابينته الوزاريّة، أنّها جاءت في أحد أسوأ الظروف في تاريخ العراق.
فمن ناحية، تسبّب انتشار فيروس كورونا بأضرار اقتصاديّة كبيرة وأثّر ذلك على دخل المواطنين، ومن ناحية أخرى، أدّى الانخفاض الحادّ في أسعار النفط إلى جعل اقتصاد البلاد الذي يعتمد بشكل أساسي على النفط، أكثر عرضة للخطر من أيّ وقت مضى.
ولفهم عمق الكارثة التي تواجهها حكومة الكاظمي، فإن إلقاء نظرة على عائدات النفط في البلاد منذ بداية هذا العام وحتى الشهر الحالي يمكن أن يكون مؤشراً على الوضع، فقد بلغت عائدات مبيعات النفط العراقي 6 مليارات دولار و163 مليون دولار في يناير و 5 مليارات دولار في فبراير ومليارين و989 مليون دولار في شهر مارس.
وفي شهر نيسان/أبريل، بلغت الإيرادات 2.200 مليار دولار، وفي مايو وصلت إلى حوالي 2 مليار دولار، إنّ هذا الانخفاض وضع الحكومة رسميّاً في مأزق كبير بحيث لا تستطيع الحكومة حتى دفع رواتب الموظّفين بالكامل.
في الواقع، العدد الإجمالي للموظفين في السلطات الثلاث يتجاوز 6000 موظف، وبحسب هيثم الجبوري، رئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي، فإن رواتب موظفي الحكومة العراقية هي 6 تريليونات دينار (5 مليارات دولار) في الشهر، لكن في الظروف الحاليّة ليس بإمكان الحكومة حتى على صرف نصف هذا المبلغ للموظفين.
في مثل هذه الظروف، يبدو أنّ الكاظمي قد تبنّى استراتيجية لخفض رواتب الموظفين العراقيين، فقد أعلن مؤخراً أنّ "قرارنا هو تخفيض الرواتب والمخصّصات الخاصة للرؤساء وكبار المسؤولين، ومنع الأشخاص من تلقّي أجور مزدوجة ومرتّبات فلكيّة، وترشيد الإنفاق الحكومي"، وهذا يعني أن العراق من المرجّح أن يتّبع خطة تقشّف اقتصاديّة.
هيكلة الاقتصاد العراقي المتأزّم
على صعيد آخر، تتمثل مهمّة الحكومة العراقية الجديدة في إعادة تنظيم وهيكلة الاقتصاد المنهار الذي مزّقته الأزمات على مختلف المستويات، ومن أجل القيام بهذه المهمّة لحكومة الكاظمي، من الضّروري النّظر إلى مؤشر البطالة باعتباره قضيّة مهمّة وأساسيّة.
وفي هذا الصدد، قدّر البنك الدولي معدّل البطالة بين الشباب العراقي الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاماً على أنّه مرتفع بنسبة 16 إلى 17 في المئة على مدى السنوات العشر الماضية، ولكن في الوقت الذي يبدو فيه معدّل البطالة هذا خطيراً على المجتمع العراقي، هناك فساد اقتصادي وظلم في توزيع الثروة في هذا البلد.
في الوضع الحالي، تراجعت احتجاجات الشباب العراقي العاطل عن العمل بسبب ظروف تفشّي فيروس كورونا، ولكن في المستقبل القريب، يمكن توقّع أنّ الشّباب الذين ليس لديهم ما يخسرونه سيحتلّون شوارع العراق مرّة أخرى احتجاجاً على الفساد والبطالة، لذلك من المهمّ جداً لمصطفى الكاظمي أن يتعامل مع البطالة.
حقيقة الأمر هي أنّ القضاء على البطالة، لا يمكن تنفيذه بتخطيط قصير المدى، بالنظر إلى أن المواطنين العراقيين ليس لديهم فهم واضح للقضيّة وينتظرون بطريقة ما معجزة الحكومة الجديدة لانتشال الوضع، الأمر الذي يبدو غير سهل.
سداد الديون الخارجيّة
تتمثّل المهمّة الاقتصاديّة الأخرى للكاظمي في سداد الديون الخارجية التي فُرضت على بغداد خلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي في البلاد.
وبحسب التقديرات الأوّلية، فإنّ العراق لديه ديون خارجيّة بحوالي 85 مليار دولار، وهو ما يمكن أن يكون نفقة ضخمة بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية في البلاد.
يبدو هذا أكثر خطورة عندما تكون تكلفة إعادة بناء العراق بعد تنظيم داعش مثقلة على عاتق الحكومة، وفي ظلّ هذه الظروف، سيتمّ فرض عبء الديون الخارجيّة على الحكومة أكثر من أيّ وقت مضى، وهذا سيجعل بغداد على الأقل تفشل في معالجة هذه القضيّة على الأقل خلال السنوات القليلة المقبلة.