الوقت- لازال الشعب البحريني مستمرا في مظاهراته السلمية، منذ مايقارب خمسة أعوام، يطالب من خلالها بالاصلاحات الشاملة في نظام الحكم الذي تسيطر علیه الاسرة الملكية الحاکمة منذ أكثر من 250 عاما. وعندما طفح كيل غضب الشعب البحريني في الـ 14 من فبراير عام 2011، ظنت السلطات البحرينية، أن هذه التظاهرات العارمة التي عمت البلاد ضد الفساد والديكتاتورية، ستكون عابرة و لا يستمر عمرها سوی أياما معدودة، لكن حسابات النظام الملكي كانت مملوءة بالاخطاء، حيث أن الاصرار الشعبي علی تغير اسس النظام في البحرين بناءً علی الاسلوب الديمقراطي و علی أساس أن يكون الشعب هو من يقرر مصيره، لا یزال مستمرا. وبات السؤال المطروح الیوم هو، لماذا فشل الإسلوب الأمني الذي سعی للقضاء علی الثورة البحرينية وهل أن مرور الايام سيضعف الثورة أم سيعجّل من انتصارها؟.
عام 2011 هو لیس العام الأول الذي لجأ خلاله النظام البحريني الی الحلول الأمنية لمواجهة الإحتجاجات الشعبية في البلاد، بل أن لأسرة آل خليفة تاريخ طويل، استخدمت خلاله الحلول الأمنية المتمثلة في القمع والسجن والتعذيب والنفي ضد المعارضة في البلاد. حيث تم مواجهة الإعتراضات الشعبية في البحرين في أعوام 1956 و1965 و1975، برد فعل عنيف من قبل الإسرة الملكية، وتم اعتقال وسجن آلاف من سكان الجزيرة الصغيرة خلال هذه الفترة، مما ادی ذلك الی استتباب هش في البلاد، دون أن يتمكن الحل الأمني من القضاء علی الإحتجاجات الشعبية في البلاد. وبعد ما علم النظام البحريني أن الحلول الأمنية التي طالما تم الاستفادة منها خلال العقود الماضية لا يمكنها حل الأزمة في البلاد، حاول النظام أن يجرب حظه هذه المرة من خلال طرح مشروع الإصلاح، دون أن ينفذ هذا المشروع علی أرض الواقع. حيث تم اطلاق سراح العديد من المعارضين والمساجين السياسيين، بعد وصول الملك حمد بن عيسي آل خليفة الی سدة الحکم في مارس عام 1999، وبالاضافة الی ذلك تم تخفيض مستوی التعذيب في سجون النظام، باعتباره كان أحد الممارسات الرائجة قبل عام 1999 ضد مناهضي الحكم في البلاد. لكن هذه الإجراءات الصورية والتي حاول النظام من خلالها الايحاء بانه يريد تحقيق الديمقراطية في البلاد، لم تستمر كثيرا، حتی عاد النظام مرة اخری الی ممارسة القمع والتعذيب ضد المعارضة التي غلب علیها الطابع السلمي.
نمط الحكم في البحرين ومنذ عقود طويلة لم يختلف كثيرا عن النمط الذي كان يجري في الدول العربية الاخری ومن بينها الدول التي لا تعترف بممارسة الحكم عبر الطرق الديمقراطية، كالسعودية التي تمارس النظام الملكي دون أن يكون للشعب أي دور في تداول السلطة. ولهذا السبب فان النظام البحريني يحاول دائما أن يستفيد من تجارب القمع التي تم استخدامها في السعودية والاردن والدول العربية الاخری، وبناء علی هذا فقد تعاقد النظام البحريني مع النظام الملكي الاردني خلال السنوات الماضية، وذلك لتدريب القوی الأمنية البحرينية من قبل الأردن لمواجهة الإحتجاجات. لكن بالرغم من أن البحرين نفذت خلال الأعوام القليلة الماضية العديد من الخطط الأمنية المدروسة، لاخماد نيران الإحتجاجات في البلاد، فان معظم هذه الخطط بائت بالفشل. ويعتقد الكثير من المتابعين أن قيادة الحركة الإحتجاجية في البحرين من قبل علماء الدين، هو السبب الرئيسي الذي يؤدي دائما الی افشال الحلول الأمنية التي تستخدمها السلطة في البلاد. ولهذا السبب فان النظام البحريني لجأ في الآونة الأخيرة الی سجن العديد من الرموز الدينية وعلی رأسهم الامين العام لجمعية الوفاق الإسلامية الشيخ علی سلمان، فضلا عن المضايقات الدائمة التي يتعرض لها الكثير من العلماء أمثال الشيخ عيسی قاسم والشيخ حسن مشيمع الذي اعتقل خمسة مرات من قبل النظام.
كيف لا يغضب الشعب البحريني علی استمرار الديكتاتورية التي قلما نجد مثلها حتی في الدول العربية الاخری التي تمارس هذه الديكتاتورية، حيث لازال رئيس الوزراء البحريني خليفة بن سلمان بن حمد آل خليفة، باقيا في منصبه منذ خروج القوات البريطانية من البلاد في عام 1971، أي بعد أكثر من 45 عاما، حتی الیوم، ولو بحثنا في جميع دول العالم فاننا سوف لم نجد أن شخصا بقي في منصب رئيس الوزراء لفترة 45 عاما دون أن يتم تغيره. وبالاضافة الی جميع الإشكالیات التي ترافق نظام الحكم الملكي في البحرين، فان هنالك اشكالیة كبيرة اخری هي التي تعزز الإحتجاجات الشعبية في البلاد، وهي أن الاقلية هي التي تسيطر علی نظام الحكم بشكل مطلق دون أن تسمح للأكثرية الشيعية بلعب أي دور في إدارة شؤون الحكم في البلاد. وبالاضافة الی جميع هذه الإنتهاكات التي مارسها النظام الملكي في البحرين والتي ادت الی ضياع حقوق الشعب البحريني، فان الأسرة المالكة اتخذت قرارا في غاية الخطورة، عندما سمحت للقوات الغازية السعودية بدخول البلاد، لقمع الإحتجاجات الشعبية السلمية بعد ثورة 14 فبراير عام 2011.
صحيح أن معظم المنظمات الدولية وعلی رأسها مجلس الأمن والامم المتحدة لم يكن لها اي موقف صارم سوی الشجب والإدانات الخجولة تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، لكن هذا الإنحياز السافر من قبل المنظمات الدولية والدول الغربية، لن يؤدي الی ايقاف الاحتجاجات الشعبية السلمية في البحرين، ومن ناحية اخری فان هذا الإنحياز لم يتمكن من إنجاح الإسلوب الأمني الذي اختاره النظام للقضاء علی الثورة، وليس من المتوقع نهائيا، أن يوقف الشعب البحريني ثورته طالما بقي رافعا شعار «ستعجزون ولن نعجز»، حتی يخضع النظام البحريني الی المطالب القانونية التي يطالب بها الشعب البحريني وقيادته الوطنية. خلاصة القول أن الحل الأمني فشل في البحرين، لأن لشعب هذا الوطن قيادة تعرف ماذا تريد وهذا هو الفرق بين الثورة البحرينية والثورات العربية الاخری التي سرعان ما تم اخمادها بعد نجاح لم يدوم كثيراً بسبب فقدانها للقیادة الرشيدة.