الوقت - تغريدة البيت الأبيض بمناسبة نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي أُرسلت في 8 مايو 2020 للمخاطبين علی نطاق واسع وتتحدث عن انتصار الولايات المتحدة وبريطانيا على ألمانيا النازية، أثارت رد فعل قوي من وزارة الخارجية الروسية.
تستند التغريدة على أن الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا العاملين الرئيسيين في هزيمة ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وقد تم تجاهل دور أهم لاعب في الشرق، أي الاتحاد السوفياتي.
من المهم الآن ملاحظة أن هذه التغريدة لا يمكن اعتبارها مجرد خطأ أو تصريح عادي، بل يكمن فيها في الأساس معنى رمزي وعملية جديدة لکتابة التاريخ، تتطلب التحليل الدقيق.
وتحتاج هذه القضية إلى مزيد من الاهتمام، خاصةً عندما نجد أن معظم المحللين السياسيين يعتقدون أن نظام السياسة العالمية يمر بتغير جذري، وربما سنشهد حقبةً جديدةً في الهيكل العالمي في السنوات القادمة. وبالنظر إلى ما تقدَّم من تمهيد، يمكن بشكل أساسي قراءة تغريدة البيت الأبيض ودراستها على ثلاثة مستويات.
لماذا أبدی الروس ردة الفعل على إهانة واشنطن؟
أثارت تغريدة البيت الأبيض حول نهاية الحرب العالمية الثانية، رد فعل قوي من روسيا. وفي هذا الصدد، كتبت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية "ماريا زاخاروفا" في الفيسبوك: "بدلاً من بطاقة التهنئة، تلقى الكثير صورةً من تغريدة البيت الأبيض، تقول إنه في 8 مايو 1945، هزمت الولايات المتحدة وبريطانيا ألمانيا النازية. يبدو أن الغرض من هذه التغريدة هو إبطال مفعول البيان الأخير للقادة الروس والأمريكيين بمناسبة الذكرى السبعين لاجتماع القوات السوفيتية والأمريكية في جسر نهر ألب في ألمانيا(في نهاية الحرب العالمية الثانية). وکان البيان قد أشار إلى دور العديد من الدول والأمم في انتصار وتضحية ملايين الجنود والمدنيين في الحرب ضد ألمانيا النازية."
وتابعت: "إجراء البيت الأبيض هذا هو تزوير للواقع وتشويه للتاريخ والسخرية من الآخرين، ولا يجب التسامح مع هذا الأمر، عندما تقوم به مؤسسة رسمية تعتبر نفسها زعيمة العالم الحر والمدافعة عن الديمقراطية والمعارضة الشرسة لتزوير الأخبار".
السؤال المطروح الآن هو، لماذا روسيا غاضبة وغير راضية عن تغريدة البيت الأبيض إلی هذه الدرجة؟ هناك نقطتان مهمتان يجب الانتباه إليهما عند الإجابة على هذا السؤال.
الأولی هي أنه وفقًا لجميع الباحثين والمحللين التاريخيين، كان كعب أخيل ألمانيا النازية وهيلتر، هو دخول هذا البلد في الحرب مع الاتحاد السوفيتي. في الواقع، يعتقد معظم المراقبين السياسيين أنه إذا لم يكن هتلر قد أعلن الحرب على الاتحاد السوفييتي، لكان بإمكانه بسهولة غزو كل أوروبا الغربية وهزيمة بريطانيا.
والنقطة الأخرى التي يبدو أنها غير مقبولة للروس، هي مدی الخسائر البشرية للاتحاد السوفياتي في أكبر حرب في تاريخ البشرية. حيث وفقًا للإحصاءات المنشورة، فقد الاتحاد السوفييتي ما يقرب من 22 مليون شخص في هذه الحرب، وهو الأول بين جميع دول العالم. ولذلك، فإن هذا التزييف الأمريکي للتاريخ لا يبدو مقبولاً لا الآن ولا في المستقبل.
تزوير التاريخ أو القومية الأمريكية الناشئة
على مستوى آخر، السؤال المطروح الآن هو ما إذا كان الهدف الحقيقي للولايات المتحدة والبيت الأبيض هو تزوير التاريخ والتجاهل المتعمد لدور الاتحاد السوفياتي في هزيمة ألمانيا النازية فقط، أو أن القصة تحتاج حقاً إلى التحليل من زاوية مختلفة؟
ليس هناك شك في أن الولايات المتحدة تعمدت تزييف تاريخ الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازية، لكن يجب دراسة هذه المسألة في إطار ظهور ظاهرة جديدة داخل المجتمع الأمريكي، والتي يمكن تسميتها بـ "الشوفينية الأمريكية الناشئة".
بعد صعود دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، نشهد زيادةً كبيرةً في العنصرية داخل الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن القوة الدافعة وراء هذه النزعة الجماعية كان شخصاً متطرفاً وعنصرياً يدعی دونالد ترامب، ولکن يجب الانتباه إلى أن القومية الناشئة تنمو في المجتمع الأمريكي، على أساس التفوق الأمريكي علی "غير الأمريكي".
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن تعريف المجتمع الأمريكي الحقيقي يطلق علی مجموعة ديموغرافية بيضاء وغير مهاجرة. ولذلك، بالنظر إلى ظهور هذه الظاهرة الجديدة في الروح الجماعية للمواطنين الأمريكيين، فيمكن اعتبار تغريدة البيت الأبيض كعلامة على العنصرية الأمريكية ضد الروس.
النسيان المتعمد للحلفاء الأوروبيين
القضية الملحوظة الأخرى في تغريدة البيت الأبيض، هي تجاهل الحلفاء الأوروبيين، وخاصةً فرنسا. حيث بالإضافة إلى الروس، يمكن للمواطنين والسياسيين الفرنسيين أيضاً الادعاء بأن البيت الأبيض لم يذكر بلادهم كواحد من اللاعبين الرئيسيين في هزيمة هيلتر والنازية.
هذا الأمر ليس بأي حال من الأحوال خطأً، بل هو انعكاس ونتيجة لهيمنة الحقبة الترامبية على المجتمع الأمريكي، أي حقبة يتعرض فيه أي ارتباط وتحالف تاريخي للزوال المطلق تحت شعار "أمريکا أولاً"، وتدير واشنطن ظهرها لأصدقائها وحلفائها، حتى داخل حدود المحيط الأطلسي.