الوقت معاناة يعيشها الشعب الأفغاني جراء الوضع الإقتصادي المتردي الذي يخیم على البلاد منذ عقود من الزمن فأفغانستان كانت ولا تزال أحد أفقر دول العالم بحسب تقارير منظمة الأمم المتحدة اذ يعيش اكثر من ثلثي الشعب دون الحد الأدنى لمستوى المعيشة. و هشاشة هذا الإقتصاد تعود الى جانب الموقع الجغرافي غير المساعد لماضٍ حافل بالصراعات و عدم الإستقرار و حاضرٍ يعيش تداعيات الحسابات الخاطئة لتدخلات وفق أهداف غير مدروسة تخدم المصالح الخاصة لتلك الدول فما سيكون مستقبل هذا الإقتصاد وما العوامل الأكثر تأثيراً عليه؟
أثر الموقع الجغرافي على الإقتصاد الأفغاني
قدر لأفغانستان أن تقع جغرافيا في منطقة ليست لها منافذ على المياه الدولية، وهي محاطة بالجبال الوعرة، ولها حدود شاسعة مع إيران تبلغ مساحتها نحو تسعمائة كيلومتر، كما أن حدودها مع جارتها باكستان تقدر بأربعمائة كيلومتر، ولها حدود مترامية الأطراف مع جمهوريات آسيا الوسطى مثل طاجيكستان وتركمنستان وأوزبكستان.
هذا الموقع الجغرافي جعل من أفغانستان، تلك الدولة الفقيرة، تعتمد كليا في تجارتها واقتصادها على جيرانها من حيث الاستيراد والتصدير والمعاملات التجارية الأخرى. هذه المعاملات يقول التاريخ إنها تتأثر مع تأثر علاقات أفغانستان السياسية مع هذه الدول، فهي تملك القرار النهائي في قضية انتعاش الاقتصاد الأفغاني الهش من خلال تسهيل عملية التجارة لأفغانستان مع دول الإقليم والعالم الخارجي.
أثر الحروب و عدم الاستقرار الأمني على الإقتصاد الأفغاني
بعد الحرب التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد أفغانستان و هزيمة حركة طالبان في نوفمبر 2001 و تشكيل الحكومة الانتقالية الأفغانية بمقتضى اتفاق بون الذي أبرم في ديسمبر 2001 و استطاع الاقتصاد الأفغاني النمو بشكل معقول، بازدياد الناتج المحلي الإجمالي من 3 مليارات دولار في عام 2002 إلى 20 مليار دولار في عام 2012 بعد " مؤتمر المانحين من أجل إعادة إعمار أفغانستان" الذي عقد في العاصمة اليابانية طوكيو في يناير 2002.
إلا أنه
وفي غياب القاعدة الاقتصادية التي تستطيع الاستمرار في تغذية الاقتصاد، لم يكن
مقدراً لهذا النمو الاقتصادي بأن يستمر، خاصة في ظل البيئة السياسية الغير مستقرة
وتدهور الوضع الأمني الدائم الذي عانت منه البلاد، وهذه الأسباب أدت بالنتيجة إلى
إحجام الحكومة عن بناء مؤسسات اقتصادية قابلة للبقاء وقادرة على تمهيد الطريق
للنمو الاقتصادي المستدام من خلال استغلال الموارد الطبيعية في البلاد.
كما و انه وفقا للمؤسسة النقدية الدولية فإن النمو الاقتصادي الأفغاني قد تدهور
بشكل كبير لينتقل من 14 بالمئة في 2012 الى 3,6 بالمئة في 2013 وتراجع ايضا الى
3,2 بالمئة في 2014, بينما من المتوقع ارتفاعه الى 5 بالمئة هذا العام.
تداعيات انسحاب الناتو على الإقتصاد الأفغاني
فالعام الماضي، بالنسبة لأفغانستان كان صعباً وحافلاً على حد سواء، حيث حققت البلاد في العام الماضي تطورات أساسية تمثلت بنجاح الخطة الأمنية والتحولات السياسية الناجحة، علماً أن أفغانستان تلقت عدة صدمات اقتصادية قبل عام 2014، سببتها –جزئياً- حالة التذبذب التي تحيط بالديناميكيات السياسية، والتي تسبّب بها –أيضاً بشكل جزئي- سحب القوات الدولية الذي أحدث آثاراً حقيقية تمثلت بتناقص الموارد المالية الأفغانية. كما أنه أثناء وجود القوات الدولية في أفغانستان، انخفضت مستويات البطالة في جميع أنحاء البلاد، بسبب انتساب عدد كبير من الأفغان إلى فرق عمليات الإغاثة الدولية ، وبعيد انسحاب القوات الأجنبية وعمال الاغاثة من البلاد، فإن الأثر الاقتصادي الذي سينجم في زيادة نسبة البطالة، هو أثر محتوم ولا مفر منه.
لكن تداعيات انسحاب الناتو من أفغانستان لا تتمثل فقط بالنواحي السلبية، كون هذا الانسحاب أدى إلى إعادة تسلّم الأفغان لعملية التنمية في البلاد، وهذه تعتبر خطوة أولى في الجهود المبذولة من أجل التخلّص من التبعية الاقتصادية والاعتماد على الذات شريطة أن تستطيع حكومة الوحدة الوطنية الجديدة أن ترقى للتوقعات المرسومة لها.
أثر المجتمع الدولي على الإقتصاد الأفغاني
لحد اليوم
يقوم الإقتصاد الأفغاني على المنح بحيث أن المجتمع الدولي آخذ على عاتقه
تنمية و اعادة هيكلة المؤسسات الحكومية و الإقتصادية لتصل الى مرحلة الحكم الذاتي
و تؤكد قدرتها على النهوض بالبلاد.
و نشير هنا لدور ايران في تحسين الإقتصاد فباعتراف مدير الاتصالات لدى القوات
الدولية والأميركية في أفغانستان الأدميرال غريغوري سميث، في مقابلة مع «يونايتد
برس إنترناشونال»، خلال زيارة قام بها إلى لندن قائلا :"إن جهود ايران في
المجال الاقتصادي في أفغانستان إيجابية جداً"، و بحسب المصادر الحكومية
الأفغانية فقد أسهم تمويل ايران ومشاركتها في عمليات إعادة بناء افغانستان بعد
الغزو الى تثبيت المناخ الاقتصادي حيث شاركت إيران في عدد من مشروعات البنية
التحتية في أفغانستان ، وشاركت 13 مؤسسة إيرانية في 49 مشروعا اقتصاديا
وبنائيا تقريبا ،كما و شاركت الوزارات الآتية في عملية إعادة البناء: وزارة
المواصلات الإيرانية في 8 مشروعات ، وزارة الطاقة بنصيب 6 مشروعات في
تطويرشبكة الكهرباء ،4 مشروعات في تطوير شبكة المياه كما ساهمت وزارة جهاد الزراعة
بنصيب 18 مشروعا و وزارة التكنولوجيا بنصيب 3 مشروعات و وزارة الصحة في مشروع
واحد بجانب الوزارات شاركت العديد من المؤسسات الحكومية وشركات القطاع الخاص
الإيرانية في اعادة نمو القطاع الاقتصادي في افغانستان.
أخيراً،
وعلى الرغم من كافة التحديات التي تواجه الدولة الأفغانية؛ فإن الواقع يشير إلى أن
أفغانستان تمتلك موقعاً إستراتيجياً كبوابة لآسيا الوسطى، كما أنها جسر بري هام ما
بين آسيا الوسطى والجنوبية؛ لذا فإنها توفّر فرصاً هائلة للمستثمرين الوطنيين
والدوليين في قطاعات الموارد الطبيعية أو تطوير البنية التحتية أو حتى في قطاعات
الصناعات التحويلية والخدمات والسياحة، كما تشير التحقيقات الأولية إلى إن
أفغانستان لديها ثروة معدنية تصل قيمتها لحوالي 3 تريليون دولار، ولكن بدون تحقيق
الأمن المستدام، وبدون بناء هيكلية مؤسساتية اقتصادية وسياسية متينة، ناهيك عن
الدعم التقني الدولي، فإن هذه الثروة المعدنية لن يتم استغلالها وستبقى سبباً
للتنافس وللمطامع الدولية، بدلاً من أن تكون مصدرا هاماً للنمو والازدهار
الاقتصادي للبلاد.