الوقت- الجميع يعلم أنه عندما يهاجم زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، جهة معينة سواء كانت حزباً أو مؤسسة أو حتى زعيم سياسي لبناني، هذا يعني أن جنبلاط أصبح في وضع يرثى له ويريد الخروج من الأزمة العالق بها، وما هجومه الجديد على "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" إلا محاولة للعودة الى الساحة السياسة اللبنانية بعد ان خفت نجمه في لبنان على جميع المستويات، حتى ان الغرب والعرب الذين كانوا يقدمون له الدعم في السابق منكفئين عنه هذه الأيام ربما لانشغالهم بتداعيات وتأثيرات فيروس كورونا على اقتصاد بلادهم أو لرضاهم عن الفوضى التي يعيشها لبنان هذه الايام.
يحاول جنبلاط تجميع بعض الحلفاء حوله لتشكيل كتلة قوية يستطيع من خلالها تعطيل عمل الحكومة وادخال لبنان في اتون الفراغ السياسي من جديد، خاصة وانه لم يكن راضيا عن تشكيل الحكومة بهذه الصيغة، ولكن السؤال من هم الأحزاب الذين سيقبلون بالتحالف مع جنبلاط لاسقاط عون، خاصة وان جنبلاط لم يعد يملك نفس المكانة التي كان عليها في السابق حتى السفارات التي يطرق ابوابها بين الفينة والاخرى لم تعد تملك نفس الشغف للقاء جنبلاط.
السفارات
أصبح جنبلاط الشهور الماضية خارج اللعبة السياسية، في وقت يتصاعد دور خصومه في الساحة الدرزية والوطنية.
وبحسب مصادر مقربة من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، حاول جنبلاط إعطاء فرصة لحكومة دياب من أجل تنفيذ خطة إنقاذ للبنان في ظل الجفاء العربي والغضب الغربي من أداء السلطة.
وعندما وجد جنبلاط ان الامور لا تصب في صالحه هاجم حكومة حسان دياب ووصفه بانه" موظف عند ضابط استخباراتي وعند رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، وأن ممارسات دياب وفريقه تشبه مرحلة حكم البعث للبنان".
وعاد وهاجمه مؤخرا ووصفه بأنه "لاشيء"، ولبنان لا يسيطر على حدوده ومطاره وموانئه، وسنقاوم سلمياً وديمقراطياً، ووصف التيار الوطني الحر بأنه كان ميليشيا في لبنان، وان العماد عون استأنف سياسة الإلغاء التي بدأها عام 1988.
وفي الآونة الاخيرة، عزز لقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مع سفيرة الولايات المتحدة دورثي شيا والفرنسي برونو فوشيه الحديث عن وجود شيء ما يحضر في كواليس المشهد اللبناني.
واشنطن لم تطلق موقفاً حتى الآن من الحكومة الحالية، وباريس اشترطت الإصلاحات للدعم، يأتي هذا في وقت يعتكف فيه العرب بعيداً عن لبنان مع انشغالهم في اليمن وليبيا.
وأكد جنبلاط للسفراء أن محاولة تطويق جديدة يجري التحضير لها ضده، وأنه مستهدف في السياسة والطائفة والمنطقة، لذا فمن الطبيعي أن يواجه الحكومة الحالية والتي تنوي الانقلاب على اتفاق الطائف من أجل ميشال عون وجبران باسيل اللذين يرفضان، بحسب جنبلاط، المشاركة مع الآخر ويريدون إعادة الصيغة اللبنانية لما قبل الحرب.
وأوضح جنبلاط للسفراء شكوكه ومخاوفه من برنامج الحكومة الإصلاحي، وإعادة هيكلة الدين، وكذلك إعادة هيكلة المصارف والمصرف المركزي. ويرى أنهم يريدون السيطرة على المصرف المركزي.
الحلفاء
أصبح سعد الحريري الذي يعمل جنبلاط على جذبه نحوه، خارج المنظومة السياسية الحاكمة ملتحقاً بوليد جنبلاط. تلك المنظومة التي كان الحريري نفسه أحد عرابيها مع جبران باسيل في الشكل، بالإضافة إلى مجموعة مستفيدين ورجال أعمال مثل علاء الخواجة والأخوين ريمون وتيدي رحمة.
وجد سعد الحريري ووليد جنبلاط نفسيهما خارج الحكومة اللبنانية التي تشكلت منذ أشهر، بدأ الرجلان في تنحية خلافاتهما جانباً في مواجهة حكومة حسان دياب، التي يسعيان الآن لإسقاطها.
ويستغل الحريري وجنبلاط الآن الخطة الاقتصادية التي تنوي الحكومة إقرارها عبر البرلمان، من أجل دفع حسان دياب إلى الاستسلام وتقديم استقالته.
من جهة ثانية لا تزال العلاقة مع حزب القوات اللبنانية في أسوأ أحوالها. جرّب سمير جعجع الاتكال على جنبلاط عدّة مرّات، وكان يفقده على "أوّل مفرق". تماماً مثل الحريري، الذي خذله زعيم المختارة مرّات عديدة، منذ انعطافة آب في 2009 وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، حتى وجد في جبران باسيل، حليفاً أكثر أماناً ومنفعةً من صاحب مقولة "حيتان المال". أمّا الرئيس نبيه برّي، فأجّل خصومته مع عون إلى أجلٍ غير مسمّى. هذا عدا عن أحوال الحلفاء المفترضين، جعجع والحريري، المتدهورة.
جنبلاط، مثله مثل الآخرين. ما يحرّكه هو الخوف من المجهول، والحلّ اللبناني المرمّي في أسفل أجندات الدول، والفوضى التي تطوّق البلاد. على هامش الظروف الإقليمية والمحليّة، حالة مثل الزعامة الجنبلاطية، لم تعتد المساءلة يوماً. بل كانت دائماً سياساتها هي نفسها "مصلحة الطائفة" بالنسبة للجمهور، في داخل الجماعة وخارجها. اليوم، عند كل موقف تتعالى الأصوات والانتقادات، حضور الجلسة أو الغياب عنها سيسببان الانتقاد بالقدر ذاته. توزيع المازوت على القرى، وعدم توزيع المازوت، سيّان أمام مطحنة "التواصل الاجتماعي". اليوميات الجديدة، منهكة للغاية.
أزمة سياسية واقتصادية
يحاول جنبلاط خلط الاوراق من جديد في زمن يعاني فيه لبنان الأمرين، جراء أزمة كورونا التي ارخت بظلالها على المشهد الاقتصادي ليصل سعر صرف الدولار في لبنان إلى اكثر من 4200 ليرة لبنانية، يظهر هذا المشهد بينما بدأت موجة مظاهرات جديدة تعم لبنان، وسط انقسام واضح بين الاحزاب والقوى السياسية، ويهدد هذا الانقسام باتساع نطاق الاشتباك بين العهد والحكومة وثنائي التيار الوطني الحر - حزب الله من جهة، وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة ثانية، فيما لم يقرر رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع موقعه من الاشتباك، وإن كانت الكنيسة المارونية، اعلنت صراحة اعتراضها على سياسة الرئيس حسان دياب، ولو من باب دعمها لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ويقف الرئيس نبيه بري وفريقه الوزاري في الوسط، بين مآخذ على أداء الحاكم ورفض لإقالته، نظراً لما يمكن أن يسفر عنه الشغور من مخاطر كارثية على النقد وأموال المودعين، والتدهور المريع، لسعر صرف الليرة، الذي يمكن أن يصل الى 15000 ليرة لبنانية، وفقاً لما نقل عن الرئيس نبيه بري.