الوقت- أكد قادة في حلف الناتو خلال اجتماعٍ لقادة الحلف في اسطنبول على أن الناتو سيستمر في محاربة الإرهاب، واعتبر قادة الحلف في الاجتماع غير المعلن عنه أن الحلف سيتصدى للإرهاب بكافة أشكاله وفي مختلف المناطق، ولكنَّ التصريحات هذه التي أدلى بها مسؤولو الحلف تغاير التاريخ الذي رسمه الناتو خلال الأعوام الماضية في الدول التي تواجد فيها مثل أفغانستان التي بقي فيها قرابة 14 عامًا، وليبيا التي بدأ الحلف عملياته فيها مارس/آذار 2011.
أفغانستان:
بعد 14 عامًا من تواجد الناتو في أفغانستان لم يستطع الناتو القضاء على الإرهاب، ولا حتى إضعافه، إذ أن وتيرة القتل ارتفعت في السنوات الأخيرة، فقد ظهر في تقرير للأمم المتحدة أن عدد القتلى عام 2014 ارتفع بالمقارنة مع عام 2013، وازدادت النسبة بمعدل 33% من حيث عدد القتلى والجرحى من الأطفال وحدهم، في حين ازداد عدد القتلى والجرحى من النساء بنسبة 12%، كما ارتفع عدد القتلى بنسبة 19% نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2014 مقارنة مع العام الذي سبقه 2013، إذ قُتل 3188 مدنيًا وأصيب 6429 آخرون، وذكر التقرير أن أعداد القتلى في صفوف قوات الأمن الأفغانية ارتفعت أيضًا حيث قُتل أكثر من 4600 من عناصر الأمن في أول عشرة أشهر من عام 2014، وكشف التقرير أن الوفيات والإصابات ناتجة بشكل رئيسي عن القتال الدائر بين القوات الأفغانية والجماعات المسلحة.
بالإضافة إلى هذا التقرير، ومن خلال نظرة سريعة إلى الواقع الأفغاني يمكن التأكيد على أن أفغانستان بعد 14 عامًا من الحرب على الإرهاب التي يشنها الناتو باتت أكثر اضطرابًا وعجزًا، وكل ما حققه الناتو هو جعل أفغانستان دولةً لا تُعرف إلا بالإرهاب، بالإضافة إلى تحويلها من بلد كان يحوي مجموعات إرهابية محدودة العدد (بغض النظر عن مصدرها وصانعها) إلى دولة أصبحت بعد عام 2011 نقطة انطلاق للجماعات التكفيرية إلى سوريا والعراق وحتى ليبيا، وقد أشارت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير لها صدر عام 2009 إلى أن الوضع في أفغانستان آخذ بالتحول إلى ورطة، فهنالك حاجة إلى مزيد من الجنود لإخماد التمرد (الإرهاب) الذي يتعاظم، حسب ما ذكره تقرير الصحيفة الأمريكية.
ليبيا:
لا يختلف الوضع في ليبيا عن أفغانستان سوى أن الناتو كان أكثر براعةً وتجربةً في الساحة الليبية، إذ استطاع تنمية الجماعات التكفيرية بفترة قياسية مقارنةً مع الأربعة عشر عامًا التي أمضاها في أفغانستان، إذ لم يستغرق ظهور تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا إلا بضع سنوات بعد دخول حلف شمال الأطلسي، ناهيك عن أن الناتو رفض محاربة هذا التنظيم رغم طلب الحكومة الليبية المساعدة بذلك، وفي عام 2011 وبحجة السعي لإسقاط الرئيس الليبي "معمر القذافي" خاض الناتو معركته ضد الدولة الليبية إلى جانب تنظيم القاعدة الإرهابي فرع بلاد المغرب الإسلامي الذي أعلن في ٢٣ فبراير/شباط من عام ٢٠١١ وقوفه ضد القذافي، وهذا يخالف تصريحات قادة الناتو الزاعمة بأن الحلف سيواجه الإرهاب بكافة أشكاله وأماكنه.
العراق:
وإن كان حلف الناتو لم يشن أي حملاتٍ مباشرة على العراق، إلا أن كبار أعضائه شاركوا بالتحالف ضد الدولة العراقية، كما تولى الناتو في أغسطس/آب عام 2004 مهمة تدريبية بذريعة دعم القوات العراقية، والمُلاحظ أنه بعد قرابة الشهرين من دخول الناتو أي في أكتوبر/تشرين الأول بايع "أبو مصعب الزرقاوي"، زعيم جماعة "التوحيد والجهاد"، القاعدة ليبدأ العمل كذراعٍ لها في العراق، وهنا تجدر الإشارة إلى أن جماعة "التوحيد والجهاد" تأسست عام 2003 بعد فترة قصيرة من احتلال العراق من قبل قوات التحالف التي تقودها أمريكا وبريطانيا، أبرز عضوين في حلف الناتو.
هذه
المؤشرات تفيد بأن كل منطقة يدخلها حلف الناتو لا يستمر فيها الإرهاب وحسب، بل يتعاظم
ويتمدد، وكيف يمكن تصديق أن الناتو الذي استطاع احتلال دول وهزيمة جيوش عجز طيلة
14عامًا عن هزيمة بضعة تيارات تكفيرية تنتشر هنا أو هناك في أفغانستان!؟ وإذا كان
هذا الحلف فعلاً يرغب بمكافحة الإرهاب فكيف يُبقي في تشكيلته دولاً طالما جاهرت
بدعم الإرهاب؟ وعلى هذا يمكن القول إن حلف الناتو يرتبط بشكل وثيق بنمو التيارات
التكفيرية وانتشارها، وما تصريحاته في مكافحة الإرهاب إلا لخلط الأوراق ولتنفيذ
المشاريع المرسومة للمنطقة.