الوقت- مع انتشار فيروس كورونا المستجد على نطاق واسع في تركيا، وتسبّبه بقلق شديد في أوساط الحكومة والشعب في تركيا، تشهد البلاد يوماً بعد يوم، تكثيف الإجراءات والقوانين الصارمة التي تنفذها الحكومة تجاه الشعب. وتعد تركيا مع وجود 25 ألف إصابة و 501 حالة وفاة، في تصنيف أكثر10 دول في العالم من حيث تفشي فيروس كورونا.
التحديان الأساسيان تجاه تفشي الكورونا
يعتقد العديد من المحللين والناشطين في المجالات الاجتماعية والسياسية والصحية أنه كان ينبغي على الحكومة التركية أن تعلن عن الحجر الصحي العام في أقرب وقت ممكن آنذاك. لكن مسؤولي حكومة أردوغان لم يمتثلوا لهذا الاقتراح، الأمر الذي أدى الى تحديين رئيسيين تجاه انتشار أوسع لفيروس كورونا عن طريق:
1. استمرار العمل والنشاط في مجالات عديدة من القطاعين العام والخاص.
2. الاستخدام الإجباري لوسائل النقل العام، رغم الازدحامات في أنفاق المترو والحافلات في اسطنبول، والتي لا تسمح بتنفيذ التباعد الاجتماعي.
كيف تعاملت الحكومة؟
يعتقد معارضو أردوغان أن الحكومة كانت مترددة إلى حد ما في إعلان قوانين صارمة وفشلت في التوصل إلى قرار نهائي في غضون فترة زمنية قصيرة. ومع ذلك، فإن الوضع الحالي في تركيا يشير الى أن مستوى وعي الناس وجدية الحكومة في مكافحة الفيروس يبدو ملموساً أكثر قياسا بالفترات الأولى لانتشار كورونا.
الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة
أظهر انتشار فيروس كورونا في تركيا مؤخرًا مرة أخرى حقيقة أن الانقسام السياسي والاجتماعي العميق والنظام الثنائي القطب الحزبي والاجتماعي في هذا البلد، غير مستعد لتخفيف التوتر أو حتى تغيير نوع الخطاب العدواني حتى بشكل مؤقت في أي المجالات والأزمات.
وقد وظّف حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد ضمن ائتلاف الشعب، كل قواهم من خلال استخدام قوة الصحف مثل صحيفة الجمهورية وسوزجو، والقدرة التنفيذية للبلديات المهمة في اسطنبول وأنقرة وإزمير وأضنة وأنطاليا والبلديات الأخرى التابعة لمعارضي أردوغان، لتحجيم اجراءات الرئيس التركية ووزارة الصحة. في حين استغل العلمانيون والكماليون في بعض الأوقات الحرجة الفرصة للتعرض الفكري ضد المساجد، الصلاة، مسائل العبادة وتعصبات الإسلاميين وأداء هيئة الأوقاف والشؤون الدينية.
في المقابل، وصف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة الوطنية، في إطار ائتلاف الشعب، المعارضة بالخونة والجهلة. وقد صور الحزب الحاكم نفسه حزباً قوياً في جميع مجالاته، يرفض الاستماع إلى الانتقادات وقرر خوض الحرب مع فيروس كورونا وحده.
كيف تعاملت وسائل الإعلام؟
تأثرت قوة وسائل إعلام القطاع الخاص التركية، وخاصة تلك المتعلقة بمجال شبكات التلفزيون، في السنوات الأخيرة بالنمو الاقتصادي للمجموعات والمؤسسات الاقتصادية القريبة من حزب العدالة والتنمية، وتم شراء معظم شبكات التلفزيون من قبل التجار والمنتجين الموالين للحزب الحاكم، ومن الطبيعي خلال أزمة كورونا، ان يقفوا بجانب سياسات حكومة أردوغان.
وكان العامل المشترك في جميع وسائل الإعلام المؤيدة والمناهضة للحكومة أنه على الرغم من تفشي الفيروس، لم يكن هناك انقطاع أو تعتيم في مستوى النشاط الإعلامي والتغطية الإخبارية. وفي مجال الصحف، كانت العديد من الصحف على استعداد لتقديم صحفها إلكترونيا للجمهور لأول مرة دون مقابل، كما قامت صحف أخرى بتفعيل الفرق وكوبونات التسليم عند أبواب المنازل ولم يُشاهد وجود توقف لعملهم.
مجريات وسائل التواصل الاجتماعي
في السنوات الأخيرة الماضية، أصبحت تركيا أكثر حساسية تجاه التحركات السياسية ونشر المعلومات المتحيزة وغير البريئة في الفضاء الإلكتروني، وأصبحت تركز بشكل خاص على موقع تويتر. حيث تم اعتقال العديد من الأشخاص في السنوات الأخيرة لنشرهم تغريدات قاسية وانتقادية ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسياساته.
وخلال الأزمة الحالية المتعلقة بتفشي فيروس كورونا، استُعملت ذات الأساليب مرة أخرى، حيث قامت وزارة الداخلية وقوات الشرطة وجهاز المخابرات بمراقبة الفضاء الإلكتروني من جهة لرصد تحركات المعارضين والمواطنين العاديين داخل البلاد، ومن ناحية أخرى، لرصد تغريدات بعض رجال فتح الله غولن الهاربين منذ انقلاب عام 2016 الفاشل والذين يمارسون نشاطاتهم التخريبية ضد الحكومة التركية من أوروبا والولايات المتحدة. وقال مسؤولون أمنيون أتراك إن أحد قادة النشطاء الإعلاميين اعتُقل بتهمة إنشاء حساب يسمى "الحقائق التركية" لنشر الأكاذيب وتحريف الرأي العام في تركيا والذي كان يعيش في تركيا بخفاء.
كورونا وحكومة حزب العدالة والتنمية
بالتأكيد من السابق لأوانه في السياق الحالي، إجراء تقييم نهائي لأداء أردوغان في مواجهة فيروس كورونا. ويجب أن نرى الى اين ستتجه احصائيات الاصابات والوفيات في البلاد، ومدى قوة الحكومة في السيطرة على تفشي الفيروس، وإلى أي مدى سيقاوم النظام الصحي في تركيا. لكن في الوقت الحالي، وعند قياس الوضع الحالي، يمكن الأخذ بعين الاعتبار بعض الأبعاد العملية في مجال اتخاذ القرارات، الإدارة والرقابة، والتي تشير الى أن الحزب الحاكم لا يرغب في السماح لفيروس كورونا أن يكون مقدمة لإضعاف موقع الحزب الاجتماعي.
مما لا شك فيه أن الأزمة الاقتصادية ستكون صعبة على الحكومة والشعب التركي. لأن البطالة وإغلاق قطاع السياحة باعتباره أهم مصدر للدخل الحكومي، وكذلك الإغلاق النسبي لقطاعات التجارة والانتاج والصناعة، إلى جانب ارتفاع البطالة ومشكلة دفع تأمين للباطلين عن العمل، تضيق المجال للحكومة، ولا يُستبعد ان تقترض ادارة اردوغان من صندوق النقد الدولي من أجل تعويض عجز الموازنة وحل المشاكل الاقتصادية.
لكن ردود الحكومة، وخاصة رد فعل وزارة الصحة، لم يكن بهذا الشكل الذي يُتهم فيه مجلس الوزراء بالعجز وعدم الكفاءة. خاصة في مجال رصد أسعار السلع والتعامل مع الباعة الذين يبالغون في رفع الأسعار، وكذلك في مجال توريد السلع والمعدات واللوازم الصحية والطبية. وفي النهاية، يجب القول أن الحكومة والشعب التركي قد قاموا بأداء جيد في المعركة ضد كورونا، ولكن حتى في المواقف الحرجة، لم تتوقف المناكفات والتوترات الحزبية ولا تزال ظاهرة ثنائية القطب قوية.