الوقت- اجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة رسمية إلى أذربيجان في 26 فبراير 2020 للقاء نظيره الأذربيجاني الهام علييف. وجرى خلال هذه الزيارة الرسمية عقد الاجتماع الثامن للمجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي التركي الأذربيجاني بحضور رئيسي البلدين. وفي ختام الاجتماع وقع الرئيسان على محضر الاجتماع الثامن للمجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين.
تأتي هذه الزيارة في ظل ظروف مرت بها على أردوغان وتركيا ايام صعبة في السياسة الخارجية على مدار الأسابيع القليلة الماضية ، لذلك هناك تساؤل الآن حول ما هي الأهداف التي يتابعها أردوغان من زيارة أذربيجان وسط هذا الاعصار من الأزمات خاصة في ادلب؟ وللإجابة على هذا السؤال يمكن الإشارة الى أربعة محاور رئيسة.
تقليل الضغوط الداخلية الناجمة عن الأزمات الإقليمية
يمكن اعتبار هدف أردوغان الأول والأهم من زيارته لجمهورية أذربيجان هو تقليل الضغط السياسي الداخلي. هذه الزيارة هي للاستهلاك الداخلي اكثر مما تحمله من نتائج على المستوى الخارجي. في الحقيقة ، إن الرئيس التركي يدرك بوضوح أن سياساته التدخلية في الأزمة السورية قد جرّت تركيا الآن إلى عمق الانخراط في حرب كبيرة ومكلفة ستكون نتيجتها الحتمية الفشل. فمن جهة ، تتعرض تركيا لضغوط من دمشق لفرض سيادتها على إدلب كجزء من سيادة الدولة السورية ، ومن جهة أخرى ، هناك احتمال حدوث اشتباك بين القوات التركية والروسية في حال حدوث خطأ بشري في ساحة المعركة.
على مستوى آخر ، أرسل أردوغان قوات أنقرة المرتزقة التي تضم جماعات جهادية وإرهابية ناشطة في سوريا ، إلى طرابلس لدعم رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج. كما تم ارسال عدد من القوات التركية الى ساحة المعركة ضد خليفة حفتر. حيث أدى اعتراف أردوغان الأخير بمقتل اثنين من العسكريين الأتراك في ليبيا إلى هجوم كبير من قبل الأحزاب المعارضة. ففي ظل هذه الظروف ، يعتزم أردوغان ، من خلال زيارة أذربيجان ، الى التخلص قليلاً من الضغوط الداخلية وتمهيد الطريق بطريقة ما لتهدئة الاجواء الداخلية الملتهبة.
تأكيد فكرة شعب واحد ودولتين عبر الدعم السياسي لباكو
على المستوى الآخر ، يسعى أردوغان في الوقت الحالي من خلال زيارة جمهورية أذربيجان إلى إثارة وإقناع القوى القومية داخل تركيا. فخلال العقود الماضية ، لطالما طرح المسؤولون الأتراك فكرة شعب واحد ودولتين تجاه جمهورية أذربيجان واعتبروا باكو عمق نفوذ أنقرة معتبرين أنفسهم ملزمين بدعم هذا البلد، في الواقع، إن مطلب القوميين الأتراك هو ضرورة إيلاء اهتمام خاص لباكو.
وفي هذا السياق، قام أردوغان بأول زيارة خارجية له في 10 يوليو 2018 ، إلى عاصمة جمهورية أذربيجان باكو في الأيام التي تلت تغيير الدستور والنظام السياسي والتي انتخب على اثرها رئيسا للبلاد. ليظهر عمليا فكرة "شعب واحد ودولتين". وخلال زيارته الأخيرة لأذربيجان ، اكد على الفكرة نفسها بطريقة أخرى، حيث أبدى أردوغان ، في مؤتمر صحفي مشترك مع إلهام علييف ، رغبته في حل مشكلة اقليم "قره باغ" في اطار سيادة جمهورية أذربيجان ووحدة سيادة هذا البلد. وهذا يعني بوضوح تأكيد دعم تركيا لباكو والإيمان بفكرة "شعب واحدة ودولتين".
زيادة مستوى التعاون الاقتصادي بين الجانبين
يمكن تقييم هدف أردوغان الآخر من زيارة جمهورية أذربيجان في تعزيز واستكمال بعض المشاريع الاقتصادية بين الجانبين. في الحقيقة ، تتمتع أنقرة وباكو بتعاون كبير في القطاعات السياسية والاقتصادية والعسكرية والدفاعية والتجارية والثقافية.
وفي هذا الصدد، رأينا أردوغان يعلن في مؤتمر صحفي مع إلهام علييف انشاء سكة حديد بين نخجوان وتركيا. ووفقًا للرئيس التركي ، فإن خط أنابيب الغاز الطبيعي ، الذي يبلغ طوله 160 كيلومتراً، حتى حدود نخجوان من منطقة اجدير التركية يعتبر أمرا مهما أيضاً. وعلى هذا النحو ، سوف تحصل نخجوان على الغاز الطبيعي من إيران ومن تركيا ايضاً. وفقًا للجانبين ، وبحسب اعلان الجانبين بلغ حجم التجارة بين تركيا وباكو 4.4 مليار دولار في عام 2019. وسوف يصل هذا الرقم إلى 15 مليار دولار بحلول عام 2023.
مواجهة النفوذ الكبير لشبكة فتح الله غولن في جمهورية أذربيجان
بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي ، يشعر رجب طيب أردوغان في ظل الوضع الحالي بقلق عميق إزاء نفوذ شبكة غولن الكبير في جمهورية أذربيجان. فخلال السنوات القليلة الماضية ، وصف أردوغان انشطة انصار فتح الله غولن حليفه السابق بأنها أحد أكبر التهديدات لاستمرار قدرته السياسية. والآن يخشى أردوغان زيادة نفوذ أنصار غولن في أذربيجان والسيطرة في نهاية المطاف على الدولة. هذه القضية لا تتماشى مطلقًا مع إرادة اردوغان ، لذا يبدو أنه أثناء زيارة باكو ، طلب من نظيره الأذربيجاني علييف ، اتخاذ خطوات أكثر جدية تجاه ذلك.