الوقت- لطالما كانت العلاقات الاقتصادية معياراً مهماً لقياس مدى العلاقات المتينة والوثيقة بين الحكومات المختلفة، وعلى الرغم من وجود العديد من العوامل الأخرى التي تساعد الخبراء في دراسة مستوى العلاقات بين الحكومات، إلا أن العلاقات الاقتصادية في عالم اليوم الذي تتشابك فيه بشكل متزايد القضايا السياسة مع الاقتصاد، تعتبر اقتصادات سياسية لها دور فعّال في تحسين العلاقات والروابط الدبلوماسية بين مختلف بلدان العالم. وفي هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية بأن الكيان الصهيوني الذي عانى خلال العقود الماضية من العزلة السياسية والاقتصادية في المنطقة، كان يعيش خلال الفترة الماضية حالة من القلق الدائم من ضعف علاقاته الاقتصادية مع الدول الإسلامية القليلة في المنطقة التي لها روابط اقتصادية معه وتعد تركيا واحدة من أهم الدول في المنطقة التي لها علاقات اقتصادية واسعة النطاق مع "تل أبيب"، ولكن منذ عام 2010 كانت هناك زيادة في التوترات السياسية بين أنقرة وتل أبيب ولهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، ما تأثير التوترات السياسية المتزايدة بين هذين اللاعبين على التبادلات التجارية والاقتصادية بينهما؟
الفترة التي كانت العلاقات بين البلدين قوية
كانت تركيا أول دولة إسلامية تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل في مارس 1949، وبعد ذلك سارعت أنقرة بعقد اتفاقيات تجارية مع تل أبيب وعقب انضمام تركيا إلى حلف الناتو اقتربت سياستها من الأيديولوجية الأمريكية واتجهت لتعميق علاقاتها مع إسرائيل. وشهد العام 1994 أول زيارة لرئيسة الوزارء التركية "تانسو تشلر" إلى إسرائيل لأول مرة وبعدها ظهرت الاتفاقيات العسكرية السرية إلى النور في 1996 بتوقيع الاتفاقية الأمنية العسكرية التي اعتبرت مخالفةً للقانون، لأنها وقعت دون موافقة لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان التركي وتضمنت الاتفاقية إقامة مناورات مشتركة برية- بحرية- جوية وتبادل الخبرة في تدريب الطيارين المقاتلين وتبادل الاستخبارات الأمنية والعسكرية بخصوص المشكلات الحساسة مثل الموقف الإيراني والعراقي والسوري إضافة إلى تعاون وثيق في صيانة وإحلال وتجديد سلاح الجو ومنظومة الدفاع الجوي التركي بقيمة تتجاوز مليار دولار وحققت حكومة البلدين تعاوناً مهماً في المجالات العسكرية، الدبلوماسية، الاستراتيجية، كما يتّفق البلدان حول الكثير من الاهتمامات المشتركة والقضايا التي تخصّ الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ومع ذلك، يعاني الحوار الدبلوماسي بين البلدين الكثير من التوترات، بعد التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء "رجب طيب اردوغان" عقب الهجوم على غزة 2009. الجدير بالذكر أن حجم الاستيراد الإسرائيلي من تركيا بلغ في عام 2010 نحو 1.8 مليار دولار وشهد النصف الأول من العام الحالي 2020 زيادة بـ14% وتستورد إسرائيل من تركيا معادن خفيفة، ومراكب ومكنات ونسيجا وغير ذلك.
العلاقات الاقتصادية
وصلت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين أنقرة وتل أبيب في السنوات الاخيرة من القرن الماضي إلى أوج ذروتها وفي هذا السياق، ذكرت العديد من التقارير الاخبارية بأن الجانبين وقعا على اتفاقية التجارة الحرة في عام 1996 ولقد أشارت هذه الاتفاقية إلى أنها تأتي في ضوء الفائدة المتبادلة بين تركيا وإسرائيل لتعزيز التعاون المستمر للنظام التجاري المتعدد الأطراف، بهدف الإلغاء التدريجي لمعوقات التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل، لاسيما المتعلقة بإنشاء مناطق التجارة الحرة؛ وتعزيز توسيع التبادل التجاري في السلع والخدمات، والتنمية المتناغمة للعلاقات الاقتصادية بينهما، وتوفير ظروف المنافسة العادلة للتجارة البينية، وإزالة الحواجز أمام التجارة والتنمية والتوسع في التجارة العالمية، وتطبيق تخفيض التعرفة الجمركية. وتفيد معطيات وزارة التجارة والصناعة الإسرائيلية بأن تركيا تحتل المرتبة السادسة في قائمة الصادرات الإسرائيلية لدول العالم ولقد ذكر الناطق باسم وزارة التجارة الاسرئيلي "براك غرانوت" إلى أن حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل شهد تطوّراً هائلاً ونبّه إلى أنه ارتفع من 300 مليون دولار في 1997 إلى 3.1 مليارات دولار عام 2010 وفيه بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية لأنقرة مليارا وربع المليار دولار وأشار "براك" إلى أن النصف الأول من العام الحالي شهد ارتفاعاً بنسبة 23% موضحا أن شركات إسرائيلية تصدر لتركيا منتوجات كيمياوية، ومواد بلاستيكية، وأجهزة تقنية، وأدوية، وأجهزة زراعية وأسلحة وعتاداً عسكرياً.
العلاقات الاقتصادية في فترة التوترات السياسية
كانت حادثة سفينة "مرمرة" التي وقعت في مايو 2010 أهم الأحداث التي أضعفت العلاقة بين البلدين، حيث هاجمت القوات الإسرائيلية أسطول الحرية الذي كان يحمل مساعدات إنسانية بغرض كسر الحصار المفروض على غزة وأدّى الهجوم الذي حدث في المياه الدولية إلى مقتل تسعة ناشطين أتراك كانوا على متن السفينة، كما توفي في وقت لاحق جريح تركي كانت إصابته خطيرة. وفي 22 مارس 2013، قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء التركي آنذاك "رجب طيب أردوغان"، اعتذاراً باسم إسرائيل بخصوص قتلى ومصابي حادثة "مرمرة"، وقِبل "أردوغان" الاعتذار باسم الشعب التركي. وهكذا لم تؤد الأزمة الدبلوماسية بين البلدين أواسط 2010 إلى أزمة اقتصادية، كما كان متوقعاً، بل زادت العلاقات التجارية، ونمت التجارة التركية الإسرائيلية بنسبة 19% منذ عام 2009، ووصل حجم تبادلهما التجاري قرابة 5.7 مليار دولار نهاية عام 2014. وربما يعزى هذا التزايد الاقتصادي في ظل تأزم العلاقات السياسية إلى نشاط القطاع الخاص والشركات غير الحكومية في تركيا وإسرائيل، حيث لم يسرِ تجميد العلاقات عليه وفي هذا السياق، كشف معهد الصادرات الإسرائيلي الرسمي أن إسرائيل حلت في المرتبة الثانية ضمن قائمة أكثر الدول المصدرة للديزل إلى تركيا، وبلغت وارداتها منه 2.2 مليون طن أوائل 2015، بنسبة ارتفاع بلغت 71% عن 2013، وبلغت قيمتها 1.8 مليار دولار.
وفي الختام تجدر الاشارة إلى أنه بعد نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس الشريف، زادت حدة لهجة الرئيس التركي ضد إسرائيل وخلال الفترة الماضية استخدم "أردوغان" مصطلحي "الإرهابيين" و"المحتل" لوصف بعض المسؤولين الصهاينة، لكن الإحصاءات التجارية بين البلدين كشفت الوجه الاخر للجانب التركي، حيث أظهرت تلك الإحصاءات في عام 2019 نموًا اقتصاديًا بين أنقرة وتل أبيب. وفي هذا الصدد، كشفت العديد من التقارير أن الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا زادت بأكثر من 416 مليون دولار في ديسمبر 2019 وزاد أيضا حجم التجارة المتبادلة بين البلدين بمقدار 133 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019، وبلغت التجارة بين البلدين نحو 1.59 مليار دولار، بما في ذلك 1.08 مليار دولار من الصادرات التركية إلى إسرائيل و 506 مليون دولار من الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا وفي هذا السياق، تقول "كريستين براكل"، رئيسة الفرع الألماني لمؤسسة "هاينريش بول": "أردوغان هو سياسي واقعي للغاية وعملي". وأضافت قائله: "هناك الكثير من المنافسة الانتخابية التي تجري في تركيا والتوترات مع إسرائيل يمكن أن تكون بمثابة أداة للتعبئة الشعبية."