الوقت- إزاحة ترامب النقاب عن صفقته المسماة "صفقة القرن" في 28 يناير، واجه معارضة شديدة من قبل مختلف الفصائل الفلسطينية، وأدانتها بشدة. وفي خضم ردود الفعل هذه قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وزعيم حركة فتح في أهم تصريح خرج عن المسؤولين الفلسطينيين: "لقد أبلغت الجانبين الإسرائيلي والأميركي في رسالتين بقطع العلاقات الأمنية".
كان محمود عباس وغيره من كبار مسؤولي فتح قد هددوا مراراً بقطع العلاقات الأمنية مع واشنطن وتل أبيب بعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية بنقل سفارتها في الأراضي المحتلة إلى القدس وتأكيد سيادة الصهاينة على القدس بأكملها في عام 2017 ، لكن هذا التهديد لم ينفذ أبداً حتى بعد إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن في سبتمبر 2018 ؛ ففي سبتمبر توجه وفد من المخابرات التابعة للسلطة الفلسطينية إلى واشنطن للتفاوض مع وكالة المخابرات المركزية الامريكية. وبعد هذه الزيارة أعلن عباس أن وفدا امنياً من السلطة الفلسطينية يسعى للحفاظ على التعاون الأمني والاستخباراتي بين السلطة الفلسطينية وأمريكا على الرغم من قطع جميع العلاقات مع البيت الأبيض.
بالطبع، كانت هناك تهديدات سابقة عقيمة من هذا النوع، فعلى سبيل المثال في عام 2015 ، صوتت اللجنة التنفيذية للسلطة الفلسطينية لصالح تعليق التعاون الأمني مع إسرائيل بسبب عدم امتثال الصهاينة لاتفاقاتهم الموقعة ، لكن هذا القرار لم ينفذ مطلقًاً.
التعاون الأمني بين أمريكا وفتح
بعد توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والصهاينة في عام 1993 بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية، ونتيجة ذلك ولادة السلطة الفلسطينية التي اعترفت بالكيان الصهيوني، تم إضفاء الطابع الرسمي على التعاون الأمني كجزء من الاتفاقيات بين الطرفين. اذ تعهدت السلطة الفلسطينية خلال هذا التعاون بمنع أي عمل أمني تقوم به فصائل فلسطينية أخرى ضد إسرائيل.
من جهة أخرى، بدأت المؤسسة الأمنية للسلطة الفلسطينية بتعاونها الاستخباراتي مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. وأعلنت فصائل فلسطينية منافسة لفتح مراراً أن الاجتماعات الأمنية السنوية بين المؤسسة الامنية للسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة الأمريكية تعني وجود شبكة وثيقة من العلاقات بين الجانبين. فعندما سيطرت حماس على قطاع غزة في منتصف عام 2007 ووصلت إلى أرشيفات السلطة الفلسطينية، نشرت وثائق تثبت وجود تعاون أمني بين فتح والسي آي إيه.
كانت تصريحات المسؤولين الفلسطينيين المتكررة بشأن التعاون مع الأمريكيين تركز بالغالب على قضية مكافحة الإرهاب وخاصة محاربة داعش والقاعدة لتبرير ذلك امام الرأي العام. ومع ذلك ، لدى حماس مئات الوثائق التي تؤكد أن أجهزة استخبارات السلطة الفلسطينية تجسست لصالح إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية داخل فلسطين وباقي الدول العربية والإسلامية.
وتأكيداً لذلك الموضوع ذكرت وكالة أسوشيتيد برس في فبراير 2018 أن السلطة الفلسطينية تواجه ادعاءات حول التعاون مع وكالة المخابرات المركزية الامريكية للتجسس على المكالمات الهاتفية لكبار الشخصيات الفلسطينية ، بما في ذلك المعارضين وحتى أقارب الرئيس محمود عباس.
تلقى أفراد الأمن الفلسطيني التدريب في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتولى الضباط الأمريكيون الإشراف المباشر على أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية ، ولجهاز المخابرات الفلسطيني مرفقات أمنية في أكثر من 90 سفارة فلسطينية في جميع أنحاء العالم. ويتعاون هؤلاء مع السي آيه اي لتلبية الاحتياجات الأمنية الأمريكية.
كما تساعد المخابرات الفلسطينية في تعقب الاشخاص الذين تلاحقهم واشنطن وتل أبيب في مناطق مثل سوريا وليبيا التي تتواجد فيها جماعات مسلحة وذلك لوجود اشخاص ومخبرين تابعين للسلطة هناك، على سبيل المثال ، أكدت مصادر أمريكية وليبية أن جهاز المخابرات الفلسطيني ومديره ماجد فرج ساعد في تحديد مكان أحد أبرز قادة القاعدة أبو أنس الليبي واعتقاله.
من جهة أخرى ، يلعب ضباط مخابرات السلطة الفلسطينية المدربين من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والموساد دوراً رئيسياً في اغتيال قادة المقاومة في قطاع غزة. وأحدث مثال على هذه الخيانات يمكن الاشارة الى استشهاد بهاء أبو العطا احد ابرز قادة الجهاد الإسلامي الفلسطيني في قطاع غزة ، والذي استهدفت منزله وعائلته صواريخ ليزر إسرائيلية في نوفمبر من العام الماضي.
رسالة زيارة رئيسة السي أي ايه؛ عباس تحت شفرة مقصلة الخيانة أو العزل
يمكن أن تتضمن زيارة رئيسة وكالة الاستخبارات الامريكية جينا هاسبيل إلى الضفة الغربية فور إعلان صفقة القرن، رسائل تهديد لزعي فتح والسلطة الفلسطينية. ومن جهة اخرى لم يقدم البيت الأبيض لهذه الحركة 180 مليون دولار المساعدات التي جرى المصادقة عليها من قبل الكونغرس لتحويلها إلى قوات الأمن الفلسطينية وذلك لاستخدامها كأداة ضغط.
من ناحية أخرى ، والأهم من ذلك ، في ظل الاوضاع التي تسببت فيها معارضة محمود عباس المتكررة لصفقة ترامب ، غضب قادة البيت الأبيض، فإن لقاء رئيسة السي أي ايه مع "ماجد فرج" وعدم لقائها بعباس قد يكون دليلاً على رغبة واشنطن بدعم ماجد فرج لخلافة عباس. خاصة وان "كوشنر" صهر ترامب والمخطط الرئيسي لصفقة ترامب، هدد في أواخر العام الماضي، عباس بالعزل من رئاسة السلطة الفلسطينية.
يعرف فرج لدى العديد من الفلسطينيين كعميل لإسرائيل. هذه النظرة جاءت بشكل خاص بعد إعلانه عام 2016 أن قوات الأمن التابعة له قد أحبطت 200 هجوما مسلحا ضد إسرائيل وتعمل جنباً إلى جنب مع إسرائيل والولايات المتحدة.
بطبيعة الحال، إن دعم الولايات المتحدة الأمريكية لفرج أمر مهم للغاية، خاصة وأنه لم ينتخب في اللجنة التنفيذية للسلطة الفلسطينية أو اللجنة المركزية لحركة فتح.
وبحسب تقرير لقناة كان التلفزيونية الصهيونية جرى خلال لقاء رئيسة السي أي ايه مع ماجد فرج البحث حول مستقبل التعاون الأمني الثنائي. وجاء في تقرير هذه القناة إنه خلال الاجتماع طمأن ماجد رئيسة المخابرات المركزية الأمريكية أن التعاون الأمني بين الجانبين لن يتضرر من صفقة ترامب للسلام بل سيستمر.
على الرغم من أنه لا يمكن التحقق من صحة هذا التقرير إلا أن صمت قادة فتح بشأن مضمون لقاء رئيسة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أثار شكوك الفصائل الفلسطينية الأخرى بشأن جدية قادة فتح في شعارات عدم قبول المساومة ووقف التعاون مع الأعداء.
وفي هذا الصدد، اعلن محمد الهندي عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية ، ان استمرار تعامل الاجهزة الامنية للسلطة الفلسطينية مع الاجهزة الأمنية الأمريكية والكيان الصهيوني تحت مسمى "التنسيق الأمني" هو أخطر سلوك للسلطة الفلسطينية. وأضاف: "إذا لم يتوقف ما يسمى التنسيق الأمني على الفور ، فإن السلطة الفلسطينية ستفقد مصداقيتها امام جميع المنظمات العربية والدولية ولن يكون هناك مصداقية لإدانة صفقة القرن وصراخها بوجه هذه الصفقة".
بدوره اوضح محمود عباس في تصريح له خلال الايام الاخيرة أنه لا يريد أن يتم اعتباره في المستقبل خائناً للشعب الفلسطيني. ولكن بطبيعة الحال ، يجب أن يعلم أبو مازن أن تقديم وعود دون اتخاذ أي إجراء عملي كما كان في الماضي لن يبرأه من تهمة الخيانة.