الوقت- الضربة الكبيرة التي تلقتها أمريكا في أعقاب الرد على اغتيال اللواء الشهيد قاسم سليماني هي خروج قواتها العسكرية من المنطقة ، والتي ستتم تدريجياً ولكن بشكل نهائي ، وطردها من العراق هو الخطوة الأولى على طريق خروجها من المنطقة بشكل كامل.
شهد الوضع في المنطقة تغيرات منذ اغتيال واستشهاد الفريق الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وبقية رفاقهم، وتصب هذه التطورات في مصلحة جبهة المقاومة وحكومات المنطقة وتتعارض بشكل كامل مع المصالح الأمريكية.
إلا أن أحد أكثر المصالح الأمريكية المهددة بالزوال هي وجود قواتها العسكرية في بعض دول المنطقة والتي كبدتهم بالفعل تكاليف باهظة حتى الان وتشعر أمريكا حالياً بقلق شديد من أنها ستضطر إلى مغادرة قواعدها في المنطقة، وإذا تحقق الأمر سيكون بمثابة هزيمة استراتيجية كبيرة لرجال الدولة الأمريكيين.
إن مصدر القلق البالغ هذا لسلطات واشنطن منطقي وفي مكانه ، فقد أنفقوا مليارات الدولارات على وجودهم وعلى حد تعبيرهم ، على نفوذهم في منطقة غرب آسيا ، بما في ذلك المعدات ، ونقل القوات ، والقواعد المتعددة في العراق ، وأفغانستان ، والإمارات وغيرها. حيث تشير جميع هذه التكاليف إلى أهمية وجود قواتهم العسكرية في المنطقة بالنسبة لهم ، وبالتالي ، أنشطة الأمن الاستخباراتية والسياسية والدعائية الأوسع نطاقًا في بلدان المنطقة بغية تعزيز تأثير السياسة والاتجاهات الإقليمية للأمريكيين.
عندما رأى صناع القرار الأمريكيون في حساباتهم فرصًا وفوائد أكبر في اغتيال اللواء الشهيد الحاج قاسم سليماني مقابل التكاليف والتداعيات التي ستلحق بأمريكا، قاموا بارتكاب هذا العمل الإرهابي ، ولكن كان ينبغي عليهم التفكير في أن "الشهيد سليماني" سيكون أكثر خطورة عليهم منه وهو على قيد الحياة.
وكان ينبغي عليهم أن يعلموا في ذلك الوقت أن الحاج قاسم لم يكن قائدًا إيرانيًا فحسب ، بل كان أيضًا يتمتع بشعبية وتأثير كبير بين شعوب المنطقة ، وكان عبارة عن قائد شعبي كبير داخل وخارج الحدود الايرانية. فاليوم.. العديد من جماعات المقاومة في المنطقة والتي ترى في نفسها -المنتقم لدماء الشهيد- تعتزم الرد بشكل فردي على هذا العمل الإرهابي الأمريكي.
والنقطة المهمة هنا ، هي أن الخطوة الجادة الأولى في طرد الأمريكيين من المنطقة كانت قد اتخذت في العراق قبل أيام قليلة من اغتيال الشهيد الحاج قاسم سليماني ، عندما دخلت عدد من القوات التابعة للحشد الشعبي العراقي إلى السفارة الأمريكية في بغداد ، احتجاجاً وتنديداً للعدوان الأمريكي على قواعد كتائب حزب الله العراقي والذي أدى الى استشهاد 30 شخصاً من قوات الحشد الشعبي ، ورددوا شعارات تدعو إلى انسحاب القوات الأمريكية وانهاء وجودهم الاستعماري في العراق.
لكن هذه الموجة ازدادت شدةً مع شهادة اللواء سليماني ، وبعد موافقة البرلمانيين العراقيين على طرد القوات الامريكية من العراق ، اتخذ انسحاب القوات الأمريكية من العراق شكلاً قانونيًا وأثار مخاوف جدية بالنسبة لمسؤولي البيت الأبيض.
هذا وقد هدد ترامب في تغريدة له على موقع تويتر ، العراق بأنه إذا أراد طرد أمريكا ، فإنه سيفرض عليه عقوبات أشد من تلك التي فرضها على إيران بمراتب.
وفي هذا الصدد فإن الأمريكيين متفائلون بصفقاتهم الأمنية مع العراق ، الأمر الذي تعرض لانتقادات شديدة من قبل الشعب العراقي والمرجعيات الدينية والأحزاب والشخصيات السياسية والدينية في العراق.
وقال مقتدى الصدر ، رئيس ائتلاف "السائرون" وزعيم حركة عراقية قوية ، إنه اذا لم يغادر الأمريكيون العراق فسيعاملون معاملة المحتل والمستعمر للأراضي العراقية.
ومن ناحية أخرى، أصدر مقتدى الصدر بيانًا يحتوي على سبعة بنود ، يدعو فيه إلى إلغاء جميع العقود والمعاهدات الأمنية مع أمريكا وإغلاق جميع قواعدها العسكرية في العراق.
وفي هذا الصدد شدد زعيم تيار الحكمة الوطنية العراقية السيد عمار الحكيم في تصريحاته الأخيرة ، على ضرورة إنهاء الوجود الأمريكي في العراق ، مؤكدًا أن العراقيين أنفسهم يمكنهم حماية البلاد ، وأن وجود قوات التحالف الدولية بقيادة أمريكا كان بهدف محاربة تنظيم داعش الإرهابي ، واليوم ، فان نهاية وجود داعش ، تستوجب نهاية وجود هذا التحالف.
ولا تتوقف الانتقادات والاحتجاجات حول وجود قوات عسكرية أمريكية في العراق عند المواقف السياسية للمسؤولين والشخصيات ، فقد تظاهر عدد كبير وملايين العراقيين في العاصمة العراقية يوم الجمعة الأسبوع الماضي كرمز لاستفتاء شعبي ضخم من قبل الشعب العراقي. والذي أعطى لوناً وطابعاً خاصاً لهذا الموضوع.
وأظهرت هذه المسيرات الحاشدة أن الشعب العراقي لن يقبل بأي حال وجود قوات الاحتلال الأمريكية على أراضيهم ، وطالبت الجموع الغفيرة واشنطن التجهيز السريع للانسحاب العسكري من العراق في أقرب وقت ممكن.
وكان الحجم الكبير لمشاركة العراقيين في مظاهرة الاحتجاج التي جرت يوم الجمعة ، على نحو أنه حتى قنوات المعارضة للدولة والشعب العراقي لم تتمكن من إخفاء اتساع وعظمة حضور الملايين العراقية.
لكن ربما كان أحد الأخبار الجيدة وراء هذه المظاهرات الحاشدة هو أن الوزن والمكانة الاجتماعية للمؤيدين الأمريكيين في العراق بات يقترب من الصفر.
وعلى أي حال فان الأمر الواضح اليوم هو أن جبهات المقاومة تملك اليد العليا والفاصلة في المعادلات الإقليمية، وان قادة المقاومة وأعضاءها وأنصارها في المنطقة، يؤمنون بعد شهادة اللواء سليماني وأبو مهدي المهندس ، أن الانتقام للدماء التي أريقت بغير حق عاتق على قادة المقاومة والرموز الحقيقية لمكافحة الإرهاب في المنطقة ويجب أخذه من الأمريكيين عن طريق طرد قواتهم العسكرية من المنطقة.
وتتطلب هذه الخطوة التي تعتبر صفعة كبيرة ورد رئيسي لجبهة المقاومة على العمل الجبان والإرهابي الذي قامت به الولايات المتحدة الامريكية ، التصميم والعزم الجاد للمسؤولين وقادة وأعضاء جبهة المقاومة وكذلك شعوب دول المنطقة ، والتي يجب أن تشرح ضرورة تحقيق ذلك من نواح مختلفة ، وان تسعى جاهدة لتحقيق ذلك.
وعلى الرغم من أنه على الأرجح ان يتم انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة تدريجياً ، إلا أن الأمر المؤكد هو أن هذا سيحدث ، ويمكن تحليل ذلك على أساس الأدلة والقرائن والتطورات الأخيرة في المنطقة.
وللقيام بذلك ، يجب توفر التخطيط والعمل والجهد المستمر من اجل اخراج القوات الأمريكية وإجبار الأمريكيين على مغادرة قواتها العسكرية المنطقة ضمن خطة زمنية محددة، وفي هذه الحالة يمكن لدول المنطقة أن تأمل بقدوم أيام ، من دون تدخل أمريكا ومؤامراتها ، حيث ستشهد المنطقة رسوخ الاستقرار والسلام والأمن.