الوقت- أبصرت الحكومة السادسة والسبعون في لبنان النور برئاسة الرئيس حسان دياب حيث صدرت مراسيم تشكيلها في 21 كانون الثاني 2020، وضمت الحكومة 20 وزيراً من بينهم ستة سيدات. بدا الرئيس دياب واثقاً من خطواته الأولى مباشراً مهامه في حين جرت عمليات تسلم وتسليم بين الوزراء الجدد والسابقين في أغلب الوزارات.
يدرك الرئيس دياب وتشكيلته الحكوميّة أن بلادهم تواجه تحديات وظروفا استثنائية عصيبة، ولا سيما على الصعيدين الاقتصادي والأمني، وبالتالي فإنهم أمام إمتحان صعب بغية ضبط الأوضاع لاسيّما في ظل الأحداث التي بدأت في 17 تشرين.
لا تقتصر تحدّيات الحكومة على الداخل، بل هي أمام اختبار داخلي وخارجي على حد سواء، داخلياً الحكومة عليها أن تتعامل مع الحراك الشعبي والأزمة الاقتصادية القائمة، ، بالإضافة إلى محاولتها استعادة ثقة المجتمع الدولي. الحكومة الجديدة حظيت بغطاء سياسي واسع، إلا انها أمام محطات عدّة بدءاً من البيان الوزراي الذي تعمل الحكومة على صياغته بأسرع وقت، مروراً بالثقة في المجلس النيابي، ووصولاً بتحقيق الوعود التي تقدّمها في مرحلة ما بعد الثقة.
لا شكّ أن مهمّة الحكومة الحاليّة ليست بالسهلة، وأمامها تحدّيات كبيرة، لكن هناك فرصة كبيرة للإصلاح وتحويل التهديد القائم إلى فرصة، وهنا نشير إلى التالي:
أوّلاً: إن ابتعاد الحكومة الحالية عن السياسة أحد نقاط القوّة. إن الحكومة تجتاح اليوم إلى الإسراع لإنهاء البيان، وبالتالي على جميع الوزراء أن يحددوا الملفات التي يمكن إنجازها بشفافية بناء على مطالب اللبنانيين والحراك الشعبي، وفق ما تمنّى الوزير دياب في جلسة الحكومة الأولى. إن البيان الوزاري سيكون أحد نقاط قوّة وضعف الحكومة على حدّ سواء. وبالتالي، يدرك الرئيس دياب أن هذا البيان سيكون مصيري لناحية نيل الحكومة الثقة في المجلس.
ثانياً: إن الجزء الأساس من البيان الوزاري قد رسمته الأزمة المالية والاقتصادية المتفاقمة، من هنا سنشهد في البيان تركيز كبير على الاصلاح ومكافحة الفساد، سواءً بهدف إرضاء الشارع وقطع الطريق على الذي يريدون الاصطياد بالماء العكر، أو بغية الخروج من الأزمة. لم يعد ممكناً حشو البيان الوزاري بأبيات الشعر والنثر التي تضمّنتها البيانات السابقة، فكل كلمة ستكتب يجب أن تكون الحكومة قادرة على تنفيذها، لأن أي أمر آخر يجعلها جسر العبور إلى الإفلاس.
ثالثاً: داخلياً، ترتبط تحدّيات الحكومة بعناوين عدّة الأول اقتصادي،والثاني سياسي. لا تخوّف من الوضع الامني في لبنان، ولكن المشكلة الرئيسية هي اقتصاديّة، فلبنان يمر بوضع يتطلب عملا مكثفا، حيث إنه يواجه تحديات اقتصادية ومالية ونقدية غير مسبوقة منذ تأسيس البلاد. إن لبنان يواجه أزمة استقرار مالي، وبالتالي لا بدّ من مواجهتها بكافة السبل الممكنة لاستعادة الثقة ومعالجة الوضع المالي المتفاقم جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية وتراجع معدل النمو. لا شكّ أن مواجهة الأزمة المالية والاقتصادية تتطلب تعاون الجميع واستخدام كافة الإمكانيات المتاحة، خصوصا أن تكلفة التأخير باهظة للغاية على جميع الأطراف في البلاد. تتحدّث بعض المعلومات عن سعي الحكومة بشكل سريع بعد حصولها على الثقة على قوننة "الكابيتال كونترول"، وتحديد معاييره من أجل إعادة الثقة بالقطاع المصرفي إلى حدّ ما. إن قطاع المصارف يعمد اليوم وبطريقة غير قانونية إلى حجز أموال الناس، وبالتالي لا بدّ أن تعمد الحكومة الحالية إلى معالجة هذا الأمر.
رابعاً: في الشقّ الداخلي أيضاً، هناك ما يرتبط بالاصلاح، وتحديداً فيما يخصّ القضاء. وزيرة العدل الجديدة ماري كلود نجم أنها ستعمل على تدعيم استقلال القضاء وتعزيز فاعليته وشفافيته، مشيرة إلى أن لبنان يمر بفترة عصيبة، وأن اللبنانيين يتطلعون إلى عدالة ناجزة ولا سيما فيما يتعلق باستعادة المال العام المنهوب. لا شكّ أن العدالة الناجزة والقضاء المستقل والتشريع العصري، هي السبيل للنهوض بالبلاد وجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية. إن أحد أبرز ادوات استعادة الثقة تتمثّل بالاستقرار وفاعلية القضاء وشفافيته ومنع أصحاب النفوذ والمال بالتدخل في عمل القضاء. إن نزاهة القضاء اليوم تسمح له باستعادو الأموال المنهوبة، وتلك الأموال التي تمّ تحويلها بطريقة غير شرعية إلى خارج لبنان منذ بدء الحراك في 17 تشرين.
خامساً: لا تقتصر المشكلة الاقتصادية في لبنان على الشقّ الداخلي، بل ترتبط بالخارج أيضاً بعد فقدان لبنان ثقة العديد من الجهات الدوليّة بسبب الفساد القائم. إن مكافحة الفساد الذي كان حزب الله أوّل من رفع لواءه هي السبيل الأبرز للخروج من هذه الأزمة واستعادة الثقة. لا شكّ أن واشنطن ستسغل الوضع الاقتصادي لتجييره سياسياً بما يخدم مصالح الكيان الإسرائيلي.
في الخلاصة، هناك العديد من الاختبارات تنتظرها الحكومة اللبنانيّة، وبالتالي يجب على الحكومة أن تركّز على الوضع الداخلي وتعمل على إصلاحات جذرية، فالأساس في الإصلاح الداخلي ومكافحة الفساد، وأما في حال سلك الرئيس دياب نهج سلفه الحريري سيبقى لبنان عاجزاً، بل سنشهد إنهيار غير مسبوق.